- د. علي ليلة: البلطجة مسببة لعزوف المصريين عن الانتخابات

- أبو العزم الحريري: البلطجة صُنعَت على يد الحزب الوطني

- صابر أبو الفتوح: البلطجة أفرغت مصر من انتخابات نزيهة

 

تحقيق: يارا نجاتي

الانتخابات موسم لازدهار البلطجة ورواجها؛ حيث ينتظر مشاهير البلطجية وصغارهم ذلك التوقيت؛ لأنه الأكثر إدرارًا للمال بالنسبة للبلطجي.

 

ويبدأ الموسم الكبير للبلطجية قبل الانتخابات بشهر أو شهرين، وإذا تأخَّر المرشح عن موعد الحجز قد يخسر في المعركة الانتخابية؛ لأنه لن يجد العدد الكافي من البلطجية، لإتمام الخطة المتبعة لفوزه على منافسيه في الانتخابات؛ حيث يتفرغ البلطجي خلال فترة الانتخابات لأعمال الانتخابات وحدها، ولا يوافق على قبول أي نوعٍ من أنواع البلطجة ما دام خارج نطاق مهمته الرئيسية الخاصة بالانتخابات.

 

وتبدأ عملية التخطيط للبلطجة فور إتمام الاتفاق بين المرشح وكبير البلطجية الذي يتولى إحضار بقية الأفراد المناسبين؛ لتنفيذ الخطة التي يضعها البلطجي نفسه ولا يتدخل المرشح فيها، خاصةً أن دوره ينحصر في تمويل البلطجية بالأموال للوقوف بجانبه ضد منافسيه.

 

ولا يعمل البلطجية داخل كل دائرة وفقاً لهواهم، بل يسيرون على خطى محددة متفق عليها، تُقسَّم فيها المهام على الأشخاص المناسبين لها، وأصغر مهمة لا يمكن أن يقل عدد المنفذين لها عن 3 أشخاص، حتى يتمُّوا العملية على أكمل وجه وفي أسرع وقت.

 

وهناك مهام معروفة لدى البلطجية المعتادين على القيام بها أيام الانتخابات، ففي فترة الترشيح والدعاية يركزون على تفريق وإفساد أي مسيرة للمرشح المنافس للمرشح التابعين له، سواء باستخدام أسلحة بيضاء أو بإشاعة الخوف والرعب في أنصار المنافس، بجانب المهمة الدائمة بإفساد المؤتمرات الانتخابية للمرشحين، والاعتداء على أنصار المنافسين بالضرب، وكثيرًا ما تنتهي بمشاجرات عنيفة بين بلطجية المرشحين، ومن المهام التقليدية لعمل البلطجي أيضًا في الانتخابات تلفيق التهم للمرشح، وإحاكة الفضائح الأخلاقية له.

 

السجن

وفي اليوم المشهود للإدلاء بالأصوات يجهز البلطجي نفسه لأية احتمالات، لدرجة أنه يكون جاهزًا لدخول السجن في سبيل فوز المرشح الذي يسانده بأية وسيلة؛ للحصول على المبلغ المتفق عليه.

 

ويبدأ الاستعداد لهذا اليوم مبكرًا فلا ينام البلطجي قبله عن طريق (البرشام) والمنشطات التي لا تجعله لا يشعر بأي شيء حوله سوى التركيز في عمل البلطجة، وإذا نام قليلاً يستيقظ مع الدقائق الأولى لضوء النهار، فيحضر أسلحته البيضاء المعتادة، إلى جانب زجاجة الـ(Self Defense) أي عبوة السبراي التي يضعها كل منهم في جيبه، ويتم عن طريقه شلِّ حركة الفرد لمدة ربع ساعة.

 

اليوم المشهود

ويوزع (الرأس الكبيرة) البلطجية الصغار على لجان الدائرة بمعدل اثنين، يحضرون في أهم اللجان التي يشعر المرشح بضعفٍ تصويتي فيها، في مقابل قوة تصويتية لمنافسيه، وإذا احتاج البلطجية إلى تعزيزات تكون حاضرةً لهم بعدها بدقائق قليلة جدًّا.

 

(قطع الطريق على سيارات الطعام المرسلة إلى الموظفين داخل اللجان، وتكسير الصناديق الانتخابية، وفتح الشمع الأحمر الموجود على الصناديق)، من أهم المهام التي يقوم بها البلطجي في يوم التصويت، إلى جانب البلطجية الآخرين الذين يحاولون منع الناخبين وأنصار المرشحين المنافسين من الدخول إلى اللجان الانتخابية، وكل تلك المهام لا تتم بسهولة ويسر للبلطجي إلا تحت نظر وسمع الشرطة التي تتواطأ معهم لتزوير الانتخابات، فعمظم تلك الوجوه معروفة للأمن؛ لأنهم أصحاب سوابق ومسجلين لدى الداخلية.

 

وتبدأ معظم عمليات البلطجة بعد حوالي الساعة الـ3، أي قبل غلق باب التصويت بأربع ساعات، وقتها تكون بعض المؤشرات قد ظهرت حول فوز أحد المرشحين المنافسين.

 

ويتوقف مستوى الإفطار والغداء الذي يحصل عليه البلطجية على المرشح نفسه الذي يحضره، وفي نهاية اليوم يحصل على بقية أتعابه عن أعمال البلطجة التي قام بها طوال الفترة الماضية، وإذا لم يقم بالمهمة على وجه صحيح على الرغم من حصوله على المبالغ المتفق عليها، يتفق المرشح مع قسم الشرطة على عقابه بتلفيق تهمة له يزج به في السجن، بعد حصول الضباط على المبالغ التي حصل عليها البلطجي لكن مضاعفة!!.

 

آداب وقواعد

ويتبع البلطجية عددًا من القواعد لا يخالفونها عادةً طوال فترة الانتخابات إلا في أضيق الحالات، منها أنه لا يجوز الجمع بين مرشحين على نفس المقعد في الدائرة الواحدة، خشيةَ تضارب المصالح، ولكن يمكن الجمع بين مرشحين في نفس الدائرة أحدهما "فئات" والآخر "عمال".

 

والقاعدة الثانية هي أن أغلب النواب القدامى لديهم البلطجية المخصصون لهم، والكل يعرف بلطجية المرشحين الآخرين، فلا يتم الاعتداء على مرشح آخر في حالة وجود البلطجي الخاص به.

 

ويتفق البلطجية على الوقت المناسب للاعتداء على المرشح المنافس في الوقت الذي لا يكون البلطجي مع مرشحه، فيتم افتعال مشكلة وإن لم تكن حقيقية.

 

 ويتوقف المبلغ الذي يحصل عليه البلطجي على عدة عوامل: أولها وأهمها سخاء المرشح الذي تدفعه إليه الرغبة الملحة في الوصول إلى كرسي مجلس الشعب، يليه مباشرةً البلطجي نفسه من حيث اسمه وخبرته ومدى تأثيره، والعامل الأخير الذي يحدد الأسعار هو نوع العملية نفسها من ضرب، أو تلفيق تهمة، أو فضيحة، أو سرقة وغيرها، وقد يبدأ الاتفاق مع البلطجي على 50 ألف جنيه طوال فترة الانتخابات، تزيد مع طلبات العمليات المكلَّف بها كتفريق مسيرة، أو إفساد مؤتمر.

 

عائلات

ويعتمد البلطجية على العائلة، فكل عائلة يتولى كبيرهم الاتفاقات وتوزيعهم على العمليات المختلفة، ففي (السيدة زينب) أشهر معاقل البلطجية يسيطر (م. ف) على منطقة الكبش، ويتقابلون في مقهى شهير لهم، وبجانبه أرض فضاء معروفة أنها مخصصة لرجالهم، أما زينهم يسيطر عليها (ط)، وفي الحنفي تنتشر عائلة (ج)، وعائلة (ب) في الناصرية.

 

وتلي دائرة (الخليفة) السيدة زينب في مراكز البلطجية؛ حيث تسيطر 3 عائلات على منطقة طولون هي (ش.ر، ج.د، ك.ش)، ويعتبر موقف السيدة عائشة منطقة تمركز (م. أ) و(ص. ف)، وفي الحطابة (س. ٍس).

 

وتنقسم عابدين إلى 2 رئيسين يسيطران على عابدين كاملة هما (س.ف) وهي سيدة ينتشر رالها بدءًا من سوق الإثنين وحتى العتبة، والثاني هو (ح. س) رجاله في الحكر وأرض شريف والعتبة والموسكي، ويسيطر (س. ب) على البلاقسة، وفي (بولاق) يتمركز رجال (أ. ح)، و(ص. د) في أول فيصل.

 

ثقافة منحرفة

ويؤكد الدكتور علي ليلة أستاذ النظرية الاجتماعية بآداب عين شمس أن مشكلة البلطجة الخاصة بالانتخابات ظهرت نتيجة الثقافة السياسية المنحرفة التي يدير بها النظام المواطنين، وتقوم على القمع والاستبداد تحت نظر ورعاية الحكومة؛ ما أدَّى إلى ظهور طبقة البلطجية كنتيجة طبيعية للفساد.

 

ويحلل تلك الطبقة فيقول: إنها طبقة تستخدم القوة المفرطة، لكسب رزقها، وليس لديها مصدر آخر للرزق سواها، فحياته لا تكون مستقرة أو يكونون عائلات طبيعية، بل يعيش حياةً منحرفةً وغير تقليدية، مضيفًا أن البلطجي يرى في عمله فرصة ذهبية للحصول على المال.

 

ويشير إلى أن انشغال تلك الطبقة في فترة الانتخابات، تشيع قيم البلطجة في المجتمع ولن تجعلها مقتصرةً على الانتخابات، بل ستنتشر بين كل فئات المجتمع، وتصبح مصدرًا من مصادر الكسب الرئيسية لدى المواطن الذي يرى أن البلطجة توصل المرشح لكل ما يحتاجه وأكثر.

 

ويوضح أن ملازمة البلطجة للعملية الانتخابية في السنوات الماضية، جعلتها جزءًا من أسباب انتشار ثقافة العزوف عن الصناديق الانتخابية، مؤكدًا أن البلطجية يقومون بدور كبير يجعل المواطنين يخشون الذهاب للإدلاء بأصواتهم؛ ما ينتهي بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات تمامًا.

 

ويقول إن الدور القوي للبلطجة في العملية الانتخابية أثر على المجتمع المصري بالكامل، خاصةً مع استرخاء قبضة الدولة عليهم؛ ما يزيد من تأثيرهم على الانتخابات.

 

صنيعة "الوطني"

 الصورة غير متاحة

أبو العز الحريري

ويشير أبو العز الحريري القيادي اليساري وعضو مجلس الشعب السابق إلى أن البلطجة أصبحت جزءًا من الحياة السياسية في مصر، ولا تبتعد عن الانتخابات مطلقًا سواء في مقاعد البرلمان أو المحليات.

 

ويوضح أن البلطجية أداة من أدوات النظام يدعي من خلال استخدامهم باتجاهات ومطالبات جماهيرية خاطئة، بالإضافة إلى رغبة النظام في تفريق وتمزيق المواقف والقوى الوطنية الجماعية.

 

ويؤكد أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الانتخابات وحدها، بل في انتشار ظاهرة الإجرام والخروج على القانون، بين شتى فئات وطبقات المجتمع؛ بحيث يصبح عملاً رئيسيًّا وأساسيًّا، مشدِّدًا على أن البلطجية من صنيعة النظام الذي بعدما قضى على المجتمع بالفقر، يستغله ويجبر عناصر معينة على الاستمرار في الخروج على القانون، لصالح الأقلية الثرية التي نهبت البلد بالاحتكار.

 

ويقصر الحل على استعادة الديمقراطية، قبل الوصول إلى مرحلة صعبة من المشاكل المتفجرة، سيعود مرجوعها على كل الأطراف، سواء على النظام أو البلطجية أنفسهم أو المواطنين، الذين يتوقًع قيامهم بثورة مع استمرار العنف.

 

فقر الحزب

 الصورة غير متاحة

 صابر أبو الفتوح

ويؤكد النائب صابر أبو الفتوح عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين بمجلس الشعب أن ظاهرة بلطجية الانتخابات ينميها المحيط الأمني في المجتمع، وليس المرشحون أنفسهم، قائلاً إن المرشح من المفترض أن يعرض نفسه على المواطنين وبرنامجه بشكل حيادي وودي.

 

ويتابع: أما مرشحو ونواب الحزب الوطني يستخدمون البلطجية من أجل البلطجة والإرهاب، موضحًا أن النظام يلجأ لذلك الأسلوب؛ لأنه لا يجد شخصيات تتمتع باحترام الناس، بل كل ما لديه شخصيات فاقدة للمشروعية والإنسانية، مؤكدًا أن نواب الوطني لن يجدوا دعاية مناسبة للحديث عن أنفسهم لأنهم مَن تسببوا في زيادة الأسعار، وارتفاع معدل البطالة.

 

ويرى أن البلطجية في الانتخابات يتحركون بأوامر الأمن؛ حيث يقوم بتوجيههم وتجميعهم ويؤكد عليهم الحضور في أوقات معينة، بإغراء إسقاط الأحكام الجنائية الصادرة في حقهم، والتهديد بتنفيذها في حال مخالفة تعليمات الأمن، كما أن استخدام المرشحين البلطجية للحماية يدفعهم إلى  المزيد من الخروج على القانون بدلاً من مساعدتهم على الابتعاد عن تلك الطريق.

 

ويرى أن حل تلك الظاهرة يأتي من عودة مصر إلى الانتخابات الحقيقية، وابتعاد الأمن عن تزوير الانتخابات والبقاء محايد، وترك الساحة للمجتمع للتعبير عن رأيه، والسماح للمواطنين بمزاولة حقهم في اختيار ممثليهم.