التخطيط الإستراتيجي هو العملية التي تنقلنا من الحاضر للمستقبل؛ بحيث يكون الطريق ممهدًا وجاهزًا ومنارًا للانتقال، فالتخطيط الإستراتيجي تخطيط بعيد المدى يأخذ في الاعتبار المتغيرات الداخلية والخارجية.

 

فهل تعرف رسالتك في الزواج؟ هل تريدُ زوجةً جميلةً فقط أم زوجةً صالحةً، وبيتًا واسعًا ومركبًا هنيئًا وذريةً صالحةً حافظة للقرآن؟، وهل تريد زواجًا فوق قدراتك أم "على قدر لحافك"؟ هل تريد "منزل بالإيجار أم تمليك"؟

 

وهل تعرفين رسالتكِ في الزواج؟ هل تريدين زوجًا فقط أم زوجًا صالحًا؟ أم زوجًا غنيًّا أم دكتورًا أم مهندسًا؟.. وإذا جاء عريس "لقطة"، ولكنه سيعيش في الأقاليم فهل توافقين؟؟
أسئلة وتساؤلات ربما تؤرق العديد من الشباب في مرحلة الزواج، وربما عدم القدرة على الإجابة عليها تؤدي بهم إلى العنوسة، أو تأخير الزواج وضعف الفرصة على الإنجاب وبالتالي عدم وجود الأسرة النموذجية المتكاملة المستقرة والسؤال التالي للرسالة هو هل لك غاية تسعى جاهدًا للوصول إليها خلال فترة حياتك الزوجية؟ قد تكون غايتك "زوج وبس" وقد تكون زوجة وأولادًا وقد يكون طفلاً ذكرًا فقط وقد يكون الفوز بالمال والثروة والميراث وقد تكون الحصول على منصبٍ رسمي أو مركز حكومي، وقد يكون غايتك في الزواج رضا الله تعالى والفوز بالجنة فتسعى جاهدًا لتحقيق غايتك طوال فترات حياتك.. فأي غاية حددتها لنفسك؟ وماذا أعددت لغدٍ؟

 

التخطيط الآن وسيلة مهمة لإنقاذ الأسرة من احتمالات التفكك المبكر وارتفاع معدلات الطلاق المبكر؛ لأنه يعتمد على وجود أهداف محددة يسعى الفرد لتحقيقها خلال فترة زمنية معينة، فهل الأسرة اليوم تبنى على أهداف وخطط وسياسات؟ أم أن الأمر لا يعدو أكثر من عرسٍ بالتكلفة العالية ودين على الفقراء وآثاث للتباهي لا للاستخدام، وإصرار على عمل الزوجة.

 

لقد بعدت الأهداف الحقيقية أو المنطقية للزواج، وضاعت قيم الأسرة وتربية الأولاد وقبل المجتمع الأشكال المتعددة للأسرة دون خجل! فاليوم كم نسبة العوانس في البيوت، وكم نسبة المطلقات بعد سنة واحدة من الزواج، وكم نسبة من تركت بيتها فحلت محلها زوجة أخرى وتركها زوجها بلا طلاق وبلا زواج، إن مؤسسة الأسرة اليوم في حاجةٍ ماسةٍ إلى إعادة تحديد الأهداف والتخطيط لها من أجل إنقاذها قبل فوات الأوان.. ولكن ما السبيل لهذا النوع من العمل؟ هل دورات التنمية البشرية أم الدروس الدينية أم التربية الأسرية أم الإعلام أم المدارس أم وأخيرًا الفرد نفسه؟.

 

ربما نجد مصطلح التخطيط الرزق والحظ وظروفه المحيطة والعيلة والنشأة والبلد والجيران وتربيته وتعليمه مما جعله أفضل بكثير من الناس حوله، وكذلك كل ما أعطاه الله له من خيرات ونعم ربما لم يوهبها الله لغيره مثل الذكاء والقوة البدنية والصحية والجمال وطلاقة اللسان والحلم والصبر، وعلى الطرف الآخر يتطلب التخطيط معرفة مواطن الضعف لدى الفرد مثل الضعف البدني والفقر وقلة فرص التعليم وضعف مستوى النشأة البيئية وعدم القدرة على الحصول على الدرجات العلمية العالية وعدم توافق المهنة مع القدرات العقلية والمعرفية والأكاديمية، وعدم القدرة على الحصول على سكن خاص، أو سيارة خاصة والإحباط المجتمعي، وارتفاع تكاليف الزواج.

 

والجانب الرابع في التخطيط الإستراتيجي للزواج يتمثل في معرفة وتحديد التهديدات الموجودة بالفعل، والتي يمكن أن تظهر خلال فترات الحياة المختلفة مثل قوانين المرأة السيئة السمعة والإعلام الفاسد للقيم الأسرية وعدم تكافؤ الفرص بين المواطنين في الحياة الكريمة، والفوضى المجتمعية، وعدم وجود معايير للتمييز والرقي وحصر ثروات البلاد لدى فئة قليلة في المجتمع، وعدم تطبيق القوانين وسلب الدولة لحقوق المواطنين وعدم قيام المؤسسات بدورها في تنمية المجتمع، وزيادة نسب الإجرام والسرقة وعدم تحقيق أمن المواطن داخل بيته، وفي الشارع وكثير من التهديدات التي يمكن أن يواجهها الفرد من خارج بيته، ولكنها لها التأثير المباشر على عدم القدرة على تحقيق مشروع الزواج، وزيادة نسب الطلاق في بداية المشروع.

 

لكن مَن الذي سيدرس هذا الوضع الرباعي ويحيط علمًا بهذه الأمور، ومَن الذي سيُوفِّر المعلومات الصحيحة ومَن الذي سيحاور الفرد؟؟

 

تحتاج هذه المرحلة التي ربما تأخذ وقتًا مبكرًا جدًّا في مراحل نمو الإنسان عندما يكون الأبوين على وعي بهذه الأمور وتتم مناقشتها باستمرار في البيت، وفي الأحاديث الأسرة وربما يتم الحديث فيها على نطاق الأصدقاء والأخوة المخلصين، وقد يكون للمرء حظ في معلم مخلص يقوم ببعض هذه المهام التربوية، وقد يأخذ فيها الفرد دورة في التنمية البشرية للوقوف على بعض هذه الجوانب بشكلٍ عام غير خاص به شخصيًّا، وربما يؤجل الفرد معرفة هذه الأمور في اللحظات الأخيرة، ويتم العقد بعد فوات الأوان فتسوقه الحياة إلى ما لم يجهز له فيجد نفسه أمام خيارين إما المواصلة بغير هدى وإما الفراق السريع والهروب من الواقع غير المحتمل!!!

 

وبعد هذا العرض لكيفية معرفة وضع الفرد الحالي له تأتي مرحلة ثانية وليست أقل أهمية من سابقتها، وهي وضع السياسات التي سيسير عليها الفرد لتحقيق أهدافه وقد تكون بسيطة في البداية، ولكنها يجب جميعها أن تكون في مستوى قدرات الفرد ويمكن تحقيقها، وهي قابلة للقياس ويجب أن تسير وفق منهج زمني محدد فإذا كان الفرد يريد استكمال دراسته العليا يجدب تحديد مدة هذه الفترة وكم ستتكلف وما موضعها على سلم أولوياته، وإذا كان يريد شراء سيارة فما هي معدلات الإنفاق المطلوبة ومعدلات الإدخار المتوقعة له، وإذا رزقه الله بجنين فما هي الإجراءات التي سيجهز لها عند الولادة ومَن سيقوم برعاية الطفل؟ وإذا كان الزوج سيسافر للعمل فكيف سيتم تسيير أمور البيت والزوجة والأولاد؟، فهذه الأمور تمثل سياسات يجب أن تتفق وظروف وقدرات الفرد وتكون متفق عليها من قبل الزوجين والأطراف المعنية الأخرى كالحماة أو الجد أو الجدة.

 

وتأتي بعد ذلك إجراءات التنفيذ لهذه السياسات، والتي يجب أن تكون جميع الأطراف على علم بها ومتفقة عليها وراضية عنها، وأن تكون في إطار القدرات المادية للأسرة.

 

ويجب أن نؤكد أنه ليس هناك تخطيط بدون ورقة وقلم.

--------

* كلية الإعلام جامعة 6 أكتوبر