إن الإيمان بالنصر أول درجات تحقيقه، ولا تصل أمة أو جماعة إلى حقِّها حتى تؤمن بهذا الحق أولاً إيمانًا يمازج لحمها ودمها، ويخالط روحها ومشاعرها، ويسيطر على كلِّ حواسها وعواطفها؛ حتى يصبح عندها بديهة من البديهيات، فتقول: هذا حقي، وسأنتصر فيه ولو حاربتني الدنيا.

 

وهذا ما حدث مع شعب تونس الحبيب، واحد من الشعوب الكريمة المجيدة استعبده طاغية من طواغيت عصرنا الحالي الرئيس زين العابدين بن علي، منذ 7 نوفمبر 1987م إلى 14 يناير1120م، شهدت تونس خلالها نظامًا استبداديًّا غير ديمقراطي ينتهك الحقوق الإنسانية لمواطنيه، ثم أراد الله تبارك وتعالى أن يعيد لهذا الشعب المجيد حريته المسلوبة وكرامته المغصوبة ومجده الضائع وعزَّه البائد، بعدما انتشر الفساد السياسي والاجتماعي والإداري، وارتفعت نسبة البطالة بين الشباب التونسي في الآونة الأخيرة، فانتفض الشعب كلُّه عن بكرة أبيهم شيوخًا ونساءً ورجالاً وشبابًا وأطفالاً، خرجوا جميعًا بقلب واحد وعقيدة ثابتة، شعارهم واحد ألا وهو "كفانا ذلاً واستعبادًا".

 

ما جعل زين العابدين يتنحى عن الحكم ويغادر البلاد إلى المملكة العربية السعودية خلسة.
رحم الله الشاعر الإسلامي الكبير محمد إقبال القائل:

شيمة المؤمن عزم وثقة             حيثما همَّ بأمر حققه

بها يسمو ويمضي قاهرًا          لا أرى اليأس إلا كافرًا

نظرة المؤمن مصباح منير        فهو بالخير وبالشر بصير

 

إن مهمة كلّ فرد وكلّ مؤمن في هذه الحياة لا تقف عند العبادة وحدها وفعل الخيرات، بل تتعداهما إلى معالجة مشاكل الدنيا من فساد وغيره، ويجب الوقوف بكلّ حكمه وثبات بل وتتعدى هذا إلى الجهاد في سبيل الله، والعمل على إعلاء كلمته، والوقوف في وجه كل مستبد ظالم والأخذ على يديه، حتى لا يعمنا العذاب كما قال الحبيب عليه الصلاة والسلام:

روي أبو داوود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلَيَأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ".

 

وأخيرًا

رحم الله إمامنا الشهيد حسن البنا حينما قال: لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد، ولا زال في الوقت متسع، ولا زالت عناصر السلام نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد، والضعيف لا يظل ضعيفًا طوال حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ (القصص).