مظاهر الظلم الاقتصادي:

يقول العلماء وأساتذة الاقتصاد الإسلامي إن الظلم الاقتصادي معناه ضياع الحقوق والمصالح، وهو من أشكال أكل أموال الناس بالباطل، ولقد نهى الله ورسوله عنه وأجمع على ذلك الفقهاء، ويترتب عليه الحياة الضنك، وهذا هو ما أشار الله إليه في كتابه الكريم: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ (طه).

 

ولقد ظهر الظلم الاقتصادي بكلِّ صوره في المعاملات المعاصرة مثل: الربا والاحتكار وغلاء الأسعار والجشع والاستغلال والرشوة والاختلاس والتطفيف في الكيل والميزان والغش والمماطلة في أداء الحقوق، والمحسوبية، وتسلُّط المال والجاه، وضياع الحقوق المشروعة للفقراء في أموال الأغنياء، وغير ذلك من أشكال أكل أموال الناس بالباطل.

 

ولقد نجم عن ذلك الحياة الضنك ولا سيما للطبقة الفقيرة التي تعيش دون حد الكفاية، وأحيانًا دون حد الكفاف؛ ما أدَّى إلى سلوكياتٍ من بعض الناس منها على سبيل المثال: السرقة والاختلاس وقبول الرشوة والخيانة للوطن والعنف والإرهاب والتذمر وتنظيم المظاهرات السلمية وغير السلمية.. ونحو ذلك، وهذا بدوره يقود إلى عدم استقرار المجتمع وأمنه.

 

وتحاول الحكومات علاج هذه الظاهرة بسياسات مختلفة، تختلف من دولةٍ إلى دولة، وما يصلح في مجتمعٍ لا يصلح لمجتمعٍ آخر: منها القمع والاعتقالات وإصدار القوانين الاستثنائية وإعلان حالة الطوارئ ونحو ذلك، ولكن بدون جدوى، فالعنف يولد عنفًا، والقمع يولد انتفاضًا، ويتساءل كثيرٌ من الناس: ما هو الحل؟!.

 

تدور هذه الدراسة حول منهج الإسلام في علاج قضية الظلم الاقتصادي بما يحقق استقرار المجتمع وأمنه ورخاءه وتكافله؛ وذلك في ضوء معايير وضوابط الشريعة الإسلامية.

 

من أشكال الظلم الاقتصادي المعاصرة:

لقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة توضح أن انتشار الظلم بكلِّ أشكاله من أسباب هلاك الأمم، ومن النماذج البارزة على ذلك في القرآن الكريم: نموذج قوم شعيب الذين كانوا يطففون المكيال والميزان في المعاملات، ولقد وصفهم الله بالمفسدين في الأرض، ونموذج قارون الذي بغى بماله وقال إنما أوتيته على علمٍ عندي وامتنع عن أداء الزكاة والصدقات، ونصحه قومه فقالوا له كما ورد في القرآن الكريم: ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص: من الآية 77)، ونموذج أصحاب الجنة الذين أقسموا بأن لا يعطوا الفقراء حقهم في الحرث.. ولقد وصفهم الله بأنهم كانوا ظالمين طاغين، وفي زماننا المعاصر توجد نفس النماذج والأشكال.

 

من أشكال الظلم الاقتصادي المعاصرة والظاهرة والمنتشرة على سبيل المثال:

- عدم العدالة في توزيع الدخول والثروات وزيادة الغني غنًى وزيادة الفقير فقرًا.

- الاحتكار وغلاء الأسعار وعدم التوازن بين الأجور وتكاليف المعيشة الأصلية.

- الغش والتدليس والتطفيف في الكيل والميزان والتزوير والمعاملات الوهمية.

- الرشوة والاختلاس والاعتداء على المال الخاص والعام بدون حقٍّ شرعي.

- استغلال الجاه والسلطان والوظيفة للتربح والكسب بدون حقٍّ مشروع.

- خيانة الأمانة بكلِّ صورها وما يترتب على ذلك من ضياع الحقوق.

- المحسوبية وعدم تكافؤ الفرص بين الجميع فقيرهم وغنيهم.

- بخس حقوق العمال بسبب القوانين الظالمة التي تنصف صاحب العمل على العامل.

- التعامل بالربا بصفة عامة وما ينجم عنه من ظلم ومحق.

- عدم تطبيق نظم التكافل والتضامن الاجتماعي ولا سيما بالنسبة لأصحاب المعاشات.

- تقاعس الحكومات في حل مشاكل البطالة والعنوسة والمديونية والمرض.

 

ولقد حرَّمت الشريعة الإسلامية كلَّ الأشكال السابقة بأدلةٍ من الكتاب والسنة؛ لأنها جميعًا تدور حول جريمة أكل أموال الناس بالباطل، وبخس الناس حقوقهم ولا سيما الفقراء، ولقد تناولها الفقهاء بالتفصيل وبيان العلل من تحريمها، ومن تلك العلل أنها تؤدِّي إلى ضياع الحقوق وهلاك المال والأعيان والموارد.. وكلُّ هذا يقود إلى التخلف والفقر والحياة الضنك، والتي أشار إليها الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ (طه: من الآية 124). ومن آثارها: التذمر والمظاهرات والانتفاضات الشعبية من جانب المظلومين المقهورين، ويقابله من الناحية الأخرى القمع والاعتقالات والسجن والعنف من جانب النظم الحاكمة، وهذا وذاك يؤديان إلى عدم استقرار في المجتمع وأمنه، وهذا هو السائد في الواقع المعاصر في معظم دول العالم الغنية والفقيرة، والكبيرة والصغيرة، والمتقدمة والمتخلفة، فما هو العلاج والحل؟

 

أسباب الظلم الاقتصادي:

يستنبط من مظاهر الظلم الاقتصادي وأشكاله المعاصرة أنه ينجم بصفة أساسية بسبب عدم تطبيق ما أمر الله به، وعدم الانتهاء عن ما نهى الله عنه، أي عدم الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية بصفة عامة، وفي مجال المعاملات الاقتصادية بصفة خاصة، وهذا يرجع إلى مجموعة من الأسباب نوجزها في الآتي:

 

- ضعف الإيمان ومن أهمها عدم الخشية والخوف من الله وانعدام المراقبة والمحاسبة الذاتية، ونسيان المحاسبة الأخروية أمام الله سبحانه وتعالى، يوم يسأل المرء عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟، وطغيان المادية التي لا ترقب في الفقير والمسكين إلاًّ ولا ذمة.

 

- انتشار الأخلاق الفاسدة، مثل الكذب والنفاق والرياء والغلظة وسوء الظن وعدم الوفاء بالعهود والعقود، وخيانة الأمانة والرشوة والمحسوبية والاحتيال، ما يقود إلى طغيان أصحاب المال والسلطة على مقاليد الأمور ولا يهمهم إلا مصلحتهم المادية.

 

- انتشار السلوكيات السيئة، ومنها المادية وتفكك عرى التكافل والتضامن الاجتماعي، وانتشار الأنانية والحقد والكراهية، وهذا أدَّى إلى ضياع الحقوق المشروعة في أموال الأغنياء للفقراء ومنها: زكاة المال والصدقات والوقف الخيري وما في حكم ذلك.

 

- تسلُّط الحكومات الظالمة على كلِّ شيء ولا تعمل لتحقيق العدل والمساواة بين الناس، بصرف النظر عن عقيدتهم وانتماءاتهم الفكرية والحزبية حيث تتسلط على رعاياها وتكبت حرياتهم، وتُركِّز في المقام الأول على مقاعد الحكم وتحقيق مصالح رجال المال والأعمال، وتطبق نُظم وقوانين الطوارئ والأحكام العرفية ونحو ذلك، ما يخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا أدَّى إلى زيادة الكراهية والبغض بين الحكام وشعوبها.

 

- التضييق الشديد من قِبَل الحكومات الظالمة على منظمات التكافل والتضامن والرعاية الاجتماعية، بأن تقوم بدورها في تقديم العون للفقراء والمساكين والمعوزين ومَن في حكمهم؛ بدعوى أن بعض هذه المنظمات تمول الإرهاب بدون أي دليلٍ.

 

- التدخل الأجنبي بكلِّ صوره الذي ينهب ثروات بعض الدول، ولا يسهم إسهامًا فعليًا في مساعدتها في علاج مشكلاتها ومنها: التخلف والفقر والمرض ونحو ذلك، بل يظهر دوره الجلي في دعم النظم الحاكمة في قمع شعوبها بدعوى التصدي للإرهاب.

 

- آثار الظلم الاقتصادي على استقرار المجتمع وأمنه:

يسبب الظلم الاقتصادي بأشكاله المختلفة الظاهرة والباطنة، الجلية والخفية مجموعةً من الآثار السيئة على الإنسان المظلوم والمقهور بصفة عامة، وعلى فئة الفقراء والمساكين والغارمين والعوانس والمراهقين والعاطلين ومَن في حكمهم بصفةٍ خاصة، وهذا بدوره يؤدِّي إلى قلق وزعزعة المجتمع، ومن مظاهر ذلك على سبيل المثال:

 

- الهم والغم والكرب النفسي الذي ينتاب بعض أفراد المجتمع ويؤدِّي إلى السلبية؛ بسبب الخوف على تأمين حاجاته الضرورية والأصلية المعيشية، فالجوع يقود إلى الخوف والكفر، وهذا يؤدِّي إلى الإحباط والاستسلام للظلم خوفًا من الاعتقالات وما في حكمها وينتظر فرصة للانتفاضة، وهذا عندما يحدث يسبب قلقًا في المجتمع.

 

- التذمر والمظاهرات من قِبَل فئة من النشطاء للتعبير عن الغضب بسبب نقصٍ في الحاجات الضرورية المعيشية، وهذا واقع نجده في الوقت المعاصر، وما يطلق عليه ثورة الجياع، أو مظاهرة العاطلين، أو تذمر الموظفين المعدومين، أو إضراب أصحاب المعاشات، أو مظاهرة المشرَّدين بدون مأوى.. إلى غير ذلك من المسميات، وهذا بلا شك يسبب عدم استقرار في المجتمع.

 

- انتشار الفساد الأخلاقي والاجتماعي، ومن أخطر صوره ارتكاب الفاحشة، والتجارة في المحرمات بكلِّ صورها، والعنوسة، والبطالة، والسرقة، والاغتصاب، والحرابة وغير ذلك مما تسبب خللاً في قِيَم ومُثُل المجتمع.

 

- ارتكاب جريمة الخيانة الوطنية، ومن صورها الوقوع في شبكات الجاسوسية والتعاون مع أعداء الوطن تحت تأثير ضغوط الحاجة والفقر، هذه الآثار وغيرها تسبِّب عدم استقرار في المجتمع.

 

ويكون رد بعض الحكومات إزاء ما سبق بعض السلوكيات على النحو الوارد في البند التالي:

 

سلوكيات النظم الحاكمة تجاه تداعيات آثار الظلم الاقتصادي:

- تدفع التداعيات السابقة للظلم الاقتصادي بعض الحكومات أو النظم الحاكمة سواء أكانت رأسمالية أو ليبرالية أو اشتراكية أو غير ذلك إلى اتخاذ بعض الإجراءات الاستثنائية من أمثلتها ما يلي:

 

- مقابلة الانتفاضات والمظاهرات والتذمر الشعبي بالقمع والعنف، وهذا ما يطلق عليه أحيانًا مصطلح "مقابلة العنف بالعنف"، ويولد ذلك مزيدًا من الغضب والقلق الأمني وعدم استقرار المجتمع.

 

- إصدار قرارات وقوانين استثنائية؛ حتى تستطيع الأجهزة الحكومية الأمنية قمع المظاهرات والسيطرة على المجتمع، وهذا ما يطلق عليه مصطلح القوانين الاستثنائية، أو الأحكام العرفية أو قانون الطوارئ أو قانون الإرهاب بما يُمكِّن الحكومة من اعتقال بعض المتظاهرين وتقديمهم إلى المحاكمات لإسكات الآخرين.

 

- قيام الحكومة بإقالة بعض المسئولين الحكوميين من مناصبهم، وأحيانًا محاكمتهم محاكمات فعلية أو صورية شكلية أو تهريبهم إلى خارج البلاد؛ بهدف امتصاص غضب المتظاهرين.

 

- توجيه أجهزة الإعلام الحكومية وما في حكمها لنشر معلومات للتهوين من أمر المظاهرات والتذمرات، وأن الأمور هادئة وتكذيب ما تنشره أجهزة الإعلام المستقلة أو المعارضة.

 

- الاستجابة لبعض مطالب المتظاهرين الممكنة لامتصاص غضبهم وتهدئة الأوضاع، مثل تخفيض الأسعار وزيادة الدعم ونحو ذلك.

 

 - استقالة الحكومة والإتيان بحكومة بديلة لتستجيب لمطالب المتظاهرين ولتهدئة الأحوال، ولو لفترة مؤقتة، وهذا في الدول الديمقراطية حقًّا.

 

- تدخل بعض المنظمات العالمية المعنية بحقوق الإنسان تحت أية ذريعة، وتجبر الحكومات على القيام بإصدار قوانين وقرارات تحت إشرافها لمنع الظلم.

 

- تدخل بعض الحكومات الأجنبية وتسقط الحكومة الوطنية تحت ذريعة حقوق الإنسان وتحتل البلاد.

 

تعقيب:

- هل حققت السلوكيات الحكومية السابقة المقاصد المنشودة، ومن أهمها استقرار المجتمع وأمنه؟ وبشيء من التحديد الدقيق ما يلي:

 

- هل حققت السلبية والإحباط والاستسلام للظلم الاقتصادي استقرار المجتمع وأمنه؟

 

- هل حققت سياسة الاعتقالات العشوائية ضدَّ النشطاء من زعماء الانتفاضات والمظاهرات ضدَّ الظلم الاقتصادي وغيره، استقرار المجتمع وأمنه؟

 

- هل أدَّت المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية دورها في حماية المظلومين والمقهورين من الحكومات الظالمة التي تسيس الظلم الاقتصادي؟

 

ربما الإجابة الصادقة والأمينة على التساؤلات السابقة: لا لا لا لا، وهذه الإجابة تثير السؤال المتواتر: ما الحل؟!.

هذا ما سوف نتناوله في الصفحات التالية:

 

الإسلام يحقق العدل الاقتصادي المنشود

مهما كانت الترتيبات الحكومية لإزالة آثار الظلم الاقتصادي السابقة وأثرها على استقرار المجتمع وأمنه، فهي ترتيب مسكنة ومؤقتة، وريثما يرجع الغضب والتذمر مرةً أخرى، والحل الإسلامي هو تحقيق العدل الاقتصادي ومن مقوماته ما يلي:

 

- التصدي للفساد المستشري في المجتمع بكلِّ صوره سواء أكان فسادًا سياسيًّا أو اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا، وتطهير المجتمع من المفسدين الذين لا يصلحون، وصدق الله القائل: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)﴾ (يونس: من الآية 81).

 

- توفير الحاجات الأصلية للمواطن من الضروريات والحاجيات لحفظ دينه ونفسه وعقله وعرضه وماله، من خلال السياسات الاقتصادية والمالية التي تحقق الضمان الاقتصادي.

 

- إلغاء القوانين والقرارات والتعليمات وما في حكم ذلك، والتي تقيد الحريات، ومنها حرية العقيدة، وحرية الفكر، وحرية التعبير عن الرأي، ونحو ذلك.

 

- ضمان حق المواطنة للجميع دون النظر إلى الديانة أو الانتماء إلى حزب أو جماعة أو نحو ذلك.

 

- عدالة توزيع الدخول والثروات بين المواطنين، ووضع ضوابط ومعايير لذلك في ضوء القاعدة: لا كسب بلا جهد، ولا جهد بلا كسب.

 

- تحقيق التوازن بين الأجور والمعاشات من ناحية والأسعار من ناحية أخرى، ولا سيما فيما يتعلق بالحاجات الأساسية للإنسان.

 

- الالتزام بفقه الأولويات وهي: الضروريات فالحاجيات فالكماليات في الإنفاق الحكومي، وتجنُب استفزاز الطبقة الفقيرة التي ترى البذخ والترف الحكومي، وكذلك الترف من كبار رجال الأعمال والمال وهي محرومة من الضروريات.

 

- تجنب الاستفزازات من قِبَل الطبقة المترفة للطبقة الفقيرة المقهورة ولا سيما إذا كانت من ذي النفوذ في الحكم، ومنها على سبيل المثال مَن يمارسون الاحتكار السياسي والاقتصادي، فقد قيل: ما عدل حاكم تاجر مع رعيته.

 

العدل الاقتصادي هو المنشود:

الحاكم العادل هو أساس العدل الاقتصادي، فإذا ظلم الحاكم رعيته، ثار الناس ضده، ويعبِّرون عن ذلك بصور شتى غير حميدة، وإذا بعد الحاكم عن شرع الله العادل انتشر الظلم وعمَّت الفوضى وازداد القلق، وعلى أساس هذه الحقيقة يجب على الحاكم وأجهزته الالتزام بالمنهج الإسلامي لتحقيق العدل الاقتصادي المنشود، ويتمثل في الأمور الآتية:

 

أولاً: التربية الروحية القائمة على التقوى والإيمان والمراقبة والمحاسبة الذاتية: ودليل ذلك من الكتاب قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96)﴾ (الأعراف)، وكذلك التربية الأخلاقية القائمة على العدل والصدق والأمانة والشفافية والتعاون والتكافل والبر، ولقد أجمع علماء الاقتصاد الإسلامي على أنه لا اقتصاد بلا أخلاق.

 

ثانيًا: الرجوع إلى شريعة الله- عزِّ وجلِّ- وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم فهما أساس العدل والخير والحياة الرغدة والآمنة السعيدة، ودليل ذلك من الكتاب قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)﴾ (طه)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله وسنتي" (رواه البخاري).

 

ثالثًا: تطبيق الحدود الواردة في شرع الله ضد مرتكبي الجرائم الاقتصادية، فهي تأكيد لسلطان العقيدة والأخلاق، ويقول العلماء: "إصلاح الناس بالإيمان وإصلاح الدولة بالشريعة".

 

رابعًا: حسن اختيار العاملين على أساس القيم الإيمانية والأخلاقية؛ لأن ذلك من موجبات الوقاية من الفساد قبل وقوعه، ولقد طبُّق ذلك في صدر الدولة الإسلامية.

 

خامسًا: القدوة في تطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا صلح الراعي صلحت الرعية، ومن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ومَن تبعهم بإحسانٍ نستطيع أن نستنبط النماذج المشرفة لدور ولي الأمر في منع الظلم الاقتصادي، وفي هذا المقام نذكر مَن قال لعمر بن الخطاب: "لو رتعت لرتعت الرعية".

 

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

------------

* الأستاذ بجامعة الأزهر- خبير استشاري في المعاملات المالية الشرعية