أعتقد عزيزي القارئ أنه ليس هناك على وجه الأرض من يستحق التهنئة الحارَّة بما يحدث على أرض تونس الخضراء مثل الدمية "فلة".

 

فتلك الدمية التي اخترعتها أولى الفضائيات العربية المخصصة للأطفال، عندما استوردها بعض التجار التوانسة منذ سنوات قريبة، وطُرحت في الأسواق؛ قامت جحافل شرطة "بن علي" بالقبض عليها وجمعها من الأسواق بأقصى سرعة؛ لاكتشافهم المذهل ما تحمله من خطورة على السلم الاجتماعي التونسي التنويري المتفتح، الأنموذج الذي يقتدي به الحكام العرب في محاربتهم لما يهدد السلم الاجتماعي التنويري في بلادهم!.

 

عزيزي القارئ.. اسمح لي في البداية بمخاطبتك كل فترة بـ"عزيزي"؛ حتى لا ننسى مفجِّر الثورة التونسية.

 

لا تظن- عزيزي القارئ- أن الدمية "فلة" كانت تحتوي على مواد سامة تهدد صحة أطفال تونس؛ فالأمر كان أخطر من ذلك بكثييييييير.

 

ولا تعتقد- عزيزي القارئ- أن "فلة" كانت تخبئ في ثناياها أسلحة نووية محظورة؛ فلو كان هذا كذلك لهان الأمر.

 

فلك أن تتصور وتتخيل وتعتقد أن الدمية كانت يا للهول ويا للرعب ويا للفزع ويا للمصيبة ويا للقارعة والطامة العظمى؛ فقد كانت الدمية "فلة" للأسف وللمأساة كانت (م ح ج ب ة)!.

 

نعم.. نعم حقًّا كما قرأتها كانت مُحجبة!.

 

هل عرفت المصيبة الكبرى التي كانت تنتظر المجتمع التونسي الذي حرمه بورقيبة ومن بعده بن علي وزوجته "الكوافيرة" من الحجاب والتخلف والرجعية والظلامية والراديكالية والأيدلوجية، حتى تنادت بشجاعته، وتقدمه الركبان في فرنسا وأمريكا وكل الدول الاستعمارية الصليبية المعادية للإسلام والمسلمين.

 

لم يكن لأمن بن علي أن يرى الحجاب، حتى ولو أردته دمية مسكينة على سبيل التراث الشعبي العربي أو التقاليد الفلوكلورية التي يحتفي بها مدَّعو الحضارة والتقدم والتنوير والحداثة.

 

ما زالت الأنظمة العربية المختلفة تتعامل مع الإسلام معاملة الطاغية التونسي الهارب بليل، وإن اختلفت صور هذا التعامل البغيض حسب كل دولة أو طبيعة الشعوب المختلفة عن بعضها، وإن جمعها تمسكها بإسلامها وإيمانها، رغم البطش المتلاحق بكل ما هو إسلامي.

 

إن قام به محافظ كفر الشيخ في مصر؛ من منع تحفيظ القرآن في البيوت دون إذن مسبق؛ يسير في هذا الاتجاه البورقيبي والنهج الاستبدادي غير المبرر ضد الإسلام ومظاهره وشعائره.

 

ولكن إذا لم يكن أمامنا غير هذه العقليات التي تحكمنا فإن ما حدث لـ"فلة" وانتهى أخيرًا بما أثلج صدور الأحرار في العالم بأسره؛ يجعلنا نقول إن التمادي في محاربة الشعوب وعقائدها- رغم مرارته- هو الخطوة الأولى لحثِّ هذه الشعوب على فقد الأمل نهائيًّا في الطغاة والمستبدِّين ووكلاء الاستعمار ومنفِّذي أجندات الصهاينة والأمريكان.

 

فكما انتصر الجياع في تونس لحريتهم ولدمية أطفالهم ستنتصر جميع الشعوب بإذن الله؛ لأن الشعوب إذا أرادت الحياة فلن ينفع أمن رئاسي أو سواه!.