إننا لنقدِّر كل التقدير دور الشعب المصري البطل الذي استمرت جولته ومسيراته منذ يوم الثلاثاء 25/1/2011م، وكانت أمس المسيرة التي تعد من أعظم المسيرات في تاريخ العالم، والتي بلغ تعداد المشاركين فيها عدة ملايين على مستوى الجمهورية، والتي تجلت فيها ومنها الإرادة الشعبية الحقيقية التي تثبت أن كل الانتخابات التي أجراها النظام إنما هي انتخابات مزورة اغتصب بها مشروعية كاذبة مزيفة.

 

ورغم هذه الجماهير الثائرة الهادرة التي شقت حناجرها فضاء الأفق ووصلت إلى عنان السماء؛ خرج علينا رأس النظام ليؤكد تمسكه بالسلطة واستمراره في المنصب بمنتهى الصلف والعناد، ضاربًا عرض الحائط بمصلحة الشعب والوطن، غير عابئ بالخسارة والخراب والقتل والدمار الذي قامت به قوات الأمن والبلطجة التابعة لحزبه الفاسد، طالبًا فرصة ستة أشهر ليقوم بالإصلاح، فهل يمكن أن يصدقه أحد بعدما قام طيلة ثلاثين عامًا مع زمرته بإفساد كل المؤسسات ومرافق الدولة حتى أوصلوها إلى الحضيض في كل الميادين.

 

والشعب المصري يأبى أن يقرر هذا النظام مصيره، كما يأبى أن تتدخل أية قوة دولية أو إقليمية في شئونه الداخلية، ويهيب بكل الشعوب أن تنحاز إليه وإلى مصالحه لتقرير حقه في الحرية والديمقراطية والعدالة.

 

والشعب يرفض كل الإجراءات الجزئية التي طرحها رأس النظام في حديثه ليلة أمس، ولا يقبل برحيل النظام بديلاً.

 

إننا نحمِّل رأس النظام ورموزه المسئولية الكاملة عما حدث للشعب؛ من قتل المئات، وإصابة الآلاف، واعتقال آلاف غيرهم، وتخريب الكثير من المؤسسات والمرافق والممتلكات العامة والخاصة، التي ينبغي أن يحاكموا عليها.

 

ومع أن الإخوان المسلمين يعتمدون مبدأ الحوار الحر المتكافئ مع كل الأطراف من أجل تحقيق المصالح العليا للوطن فإن إصرار النظام على المضي قدمًا في العناد والتصلب في رفض مطالب الجماهير؛ يجعل الشعب بكل فئاته يرفض التفاوض مع من يريد الالتفاف حول انتفاضته ليجهضها ولا يستجيب لمطالبها؛ الأمر الذي يجعل مثل هذا الحوار غير جادٍّ وغير منتج، ومن ثم فإننا نرفض التفاوض معه؛ حيث فقد شرعتيه برئيسه وبرلمانه وحزبه وحكومته، خاصةً أنه قام اليوم بتحريك المئات من البلطجية ورجال أمنه للاعتداء على المتظاهرين سلميًّا في ميدان التحرير وفي المحافظات، ويصر على إسالة الدماء وإزهاق الأرواح رغم ادعائه لطلب الحوار.

 

إننا نثمِّن الدور الوطني الشريف الذي يقوم به الجيش؛ فهو جيش الشعب، ودرع الأمة، وحامي الوطن، ونهيب به أن يظل منحازًا لمطالب الشعب حتى تتحقق، وأن يمنع الاعتداء الآثم على المتظاهرين.

 

إن النظام يراهن على الوقت ويسعى إلى تيئيس الشعب من تحقيق أهدافه حتى ينصرف عن انتفاضته المباركة، ولذلك ينبغي أن نتذرَّع بالصبر، ونعتصم بالثبات، ونستعين بالله، ونحذر من المثبطين الذين يدعون الناس إلى الانصراف، ولا يفتّ في عضدنا المظاهرات الهزيلة المصنوعة التي يسيرها فلول النظام.

 

وإذا كان هدير صوت الجماهير لم يصل إلى آذان النظام الصماء، فينبغي أن يتكرر وأن يعلو، وأن تتضاعف الملايين في المرات القادمة حتى يزول الباطل وينقشع الظلم والظلام، وتعود للشعب سيادته وكرامته وحقوقه.

نصر الله شعبنا، وحقَّق أهدافنا، وبلغ مصرنا ما تصبو إليه.

أ. د. محمد بديع

المرشد العام للإخوان المسلمين

القاهرة: 27 من صفر 1432هـ= الموافق 2 من فبراير 2011م