لقد نجحت الثورة بفضل وكرم من الله سبحانه وتعالى أولاً وأخيرًا؛ ولعلها دعوة مظلوم أو مكلوم أو مسجون، ثم بمشاركة جموع الشعب بكلِّ فئاته واتجاهاته ومذاهبه وأطيافه السياسية والاجتماعية والدينية في جميع محافظات مصر.

 

خرجوا جميعًا سائمين ورافضين الظلم والقهر والاستبداد والفساد والمحسوبية، رافعين شعار الحرية والعدالة الاجتماعية.

 

ومرَّت هذه المرحلة- مرحلة البداية- ونجحت الثورة المباركة، وأسقطت النظام الفاسد، وأعادت لمصر مجدها وكرامتها وريادتها بفضل الله ثم بفضل أبنائها الذين جاد كل منهم بما يستطيع ويملك من وقت وجهد وعطاء.

 

فوجدنا من قدَّم روحه وحياته فداءً لبلده كي يعيد للوطن روحه المتوثبة، ووجدنا من خضَّب الأرض بدمائه؛ ليعيد تدفق دم الحرية في شرايين الوطن.

 

ورأينا من قدَّم جزءًا من جسده حفاظًا على بلده، وليعيد الوطن إلى حضن أبنائه.

 

ورأينا من قدَّم مجهوده ووقته، وهناك من ضحى بعمله، وغير ذلك من التضحيات..

 

فلا يفوتنا جميعًا أن نشارك في نجاح هذه الثورة، والحفاظ على مكتسباتها- وخاصةً الذين لم يحالفهم شرف المشاركة- بأن نصبر ونتحمَّل تبعات وعناء هذه الثورة، ونتقيَ الله في مصر، وفي شعبها، ونحافظ على الثورة في نفوسنا، ونحافظ على روحها لا شكلها؛ كي تثمر ثمارها، وتعود بالنفع على مصرنا الحبيبة؛ لأن مصر تحتاج إلى كل جهد من أجل تحقيق الإصلاح والتغيير الذي يستلزم العمل والجدية والتلاحم والإيجابية.

 

وإذا كنا جميعًا نطالب بمحاسبة اللصوص فإنه من غير المنطقي الآن استغلال الظروف لتصفية الحسابات، والحصول على مكتسبات شخصية، فالمشوار طويل وشاق وعنيف، ولن يتحقق منه شيء إذا لم نتكاتف جميعًا لنبني وطنًا نحلم به منذ أمد بعيد تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية.

 

وأقول لأصحاب المطالب الفئوية والمصالح الشخصية أو الذين يريدون تصفية الحسابات: لقد قامت هذه الثورة المباركة من أجلكم، وزهقت فيها أرواح ودماء أبنائكم، فلا تطفئوا نورها الذي على هداه سوف تتحقق هذه المطالب، وحتمًا ستتحقق إن شاء الله لو تريث الجميع قليلاً؛ انتظارًا لسطوع شمس الحرية، فلا تطفئوا ضوء الفجر قبل أن تسطع شمس الحرية، ولا تلطِّخوا هذه الثورة بسلوكيات ممجوجة أو شاذة أو غريبة أو شخصية.

 

فالتاريخ لا يرحم أحدًا، فكما سجَّل بمداد من نور في صفحات البطولات أصحاب هذه الثورة فإنه سيسجل أيضًا بمداد من الخزي والعار المناهضين لهذه الثورة، وكذلك ما يقوم به البعض اليوم من ثقافة اليأس والإحباط ونشر الفوضى؛ مما نراه من أصحاب المطالب الفئوية والمصالح الشخصية.

 

مع العلم بأنه من حقِّنا جميعًا أن نطمع ونطمح فى حياة أفضل، ولكن ليس بهذا الأسلوب وبهذه المظاهرات المغرضة التي انتشرت في كل مكان، ويحركها ويشعل جذوتها فلول النظام البائد والفاسد في نشر الفوضى والخراب والدمار.

 

فلنفقْ أيها الأحبة، ولنعلم أن أعداء الثورة، بل أعداء الوطن.. يسعون جاهدين لنشر الفوضى والإحباط واليأس، ولنحذر جميعًا من أن يفسدها المغرضون أو يشوِّه صورتها الفاسدون من بعض قيادات الحزب الوطني البائد الذي يصعب عليهم التعايش في ظلِّ النظام الجديد، نظام العدل والحرية، فضلاً عن قيادات إعلامية وحكومية ينتظرون الإقالة والمحاسبة، وأيضًا بعض ضباط جهاز أمن الدولة الذين تحرِّكهم روح الانتقام والخوف لما اقترفوه من سجن وتعذيب وتنكيل وقتل وتشريد للشرفاء من أبناء هذا الوطن.

 

ولنكن على مستوى الحدث، فهذه الثورة المباركة التي أدخلت العالم في دهشة جعلت مصر والمصريين محطَّ أنظار واهتمام واحترام العالم.

 

وقد سمعنا وشاهدنا ذلك:

- فقال أوباما: لقد ألهمتنا الثورة المصرية.

 

- وقال رئيس وزراء النمسا: الشعب المصري أعظم شعب على وجه الأرض ويستحق جائزة نوبل.

 

- وقال رئيس وزراء النرويج: اليوم كلنا مصريون، وسنستمر في تأييد الشعب المصري حتى يحقق أهدافه كاملةً.

 

- وقال رئيس وزراء إيطاليا: إن التاريخ يجدد نفسه، فالشعب المصري هو الذي يصنع التاريخ، ويغير النظام العالمي كما هو معهود.

 

- كما أن عدة دول قرَّرت تغيير أسماء ميادين بها إلى ميدان التحرير؛ منها: ميدان نانتس أحد الميادين الكبرى بباريس.

 

- كما أعرب عدد كبير من المسئولين الأجانب عن رغبتهم في زيارة ميدان التحرير، منهم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي.

 

وقال رئيس وزراء بريطانيا: إن أصداء ميدان التحرير امتدَّت إلى العالم أجمع.

 

- كما طلب مسئولو نادي ستارز الكيني من إدارة الزمالك تنظيم رحلة سياحية لبعثة الفريق إلى ميدان التحرير قبل مباراة الفريقين، فعلينا جميعًا أن ننظر للمستقبل نظرةً جادَّةً عميقة إيجابية مصلحةً متأنيةً، ونلهب دائمًا روح الثورة في نفوسنا وعقولنا وتحركاتنا وتوجهاتنا، ونوجهها نحو العمل والإيجابية والوعي بمصالح البلد، ولا ندع فرصةً للمخرِّبين والمشكِّكين والمعطِّلين والفوضويين كي يقتلوا هذه الثورة أو يطفئوا جذوتها في قلوبنا ومشاعرنا، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا تناقض أو تعارض بين العمل والإعداد للمستقبل ومحاسبة رءوس الفساد بشكل عادل وكامل.
وفقنا الله وإياكم لما فيه خير البلاد والعباد.