قبل أن أدلي بدلوي في النقاش الدائر حول أي البديلين أفضل في التصويت (نعم أو لا) أود أن أضع بعض النقاط على الحروف:

 

1- النقاش الدائر يجب ألا يكون تعصبًّا للرأي الذي يطرحه أي فرد بداية، فلا يتزحزح عنه بل يستميت في الدفاع عنه، ولكن هدف الحوار هو إعادة إعمال الفكر والتقييم بعد تكشف بعض جوانب النظر الغائبة التي تصقلها النقاشات والحوارات الموضوعية.

 

2- لا يصح أن يتهم أي من الفريقين الآخر باتهامات الخيانة للوطن وإهدار دم الشهداء وضياع مكاسب الثورة، وعدم دخول الجنة إذا لم تصوِّت برأي بعينه وغيرها من السهام الموجهة والتهم الشائعة على الألسنة.

 

3-  دعونا نتفق على أن "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ولكلِّ مجتهد أجر وإن أخطأ ما دام بذل الوسع".

 

4- أيًَّا كانت نتيجة الاستفتاء فإن الديمقراطية التي يرفعها الجميع شعارًا وينادون بها تقتضي احترام رأي الأغلبية بل والانصياع له، والتكاتف جميعًا لتنفيذه كيدٍ واحدةٍ (ولو كان مخالفًًا لي ولك في الرأي).

 

5- يُفضَّل إغلاق النقاش في ذات الموضوع بعد الانتهاء إلى رأي الأغلبية (لأن فتح باب النقاش بعد الاستفتاء لن يكون له هدف سوى محاولة دفاع مَن لم يصل للأغلبية عن رأيه وإثبات عدم خطئه وأن الأغلبية هي المخطئة وهو ما لا طائلَ من ورائه بعد انتهاء الاستفتاء).

 

6- الجميع يريد الخير لمصر، والاستفتاء ليس معركةً حربيةً أو "ماتش كورة" ينتهي بفوز فريق وهزيمة الآخر؛ لذا سيكون من المؤسف جدًّا أن نرى تبادل التهاني بين الأغلبية (على فوز الرأي الذي تبنوه) والتعازي والتأسي بين أصحاب الرأي الثاني (لفوات الفرصة لتحقق رأيهم)، وسيكون أكثر أسفًًا نزول الأغلبية إلى الشارع للتعبير عن فرحتهم بأن رأيهم هو المنتصر (في زعمهم) أو نزول الطرف الآخر إلى الشارع في مظاهرات احتجاجية على  قرار الأغلبية، على الرغم من تحقق العملية الديمقراطية.

 

7- إن الاستفتاء القادم ليس استفتاءً بين هل تريد تعديل الدستور السابق أو تريد كتابة دستور جديد للبلاد؟، أعتقد أن الجميع يريد كتابة دستور جديد للبلاد.

 

8-  إن حقيقة الاستفتاء القادم هو "هل توافق على التعديلات الدستورية الحالية ريثما يُنتخب مجلس شعب ورئيس للبلاد ثم يبدأ كتابة دستورٍ جديدٍ بواسطة لجنة مختارة بواسطة المجلس والرئيس المنتخب، أو تريد أن يقوم الجيش بإعلان دستوري ويبدأ كتابة دستورٍ جديدٍ بواسطة لجنة غير منتخبة وبعد الانتهاء منه يتم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئيسية).

 

- كما أحب أن أُُوضح الضوابط التي بنيت عليها رأيي كفرد في اختيار (نعم أو لا)، وعذرًا إن دار كثير من فقرات المقال على الإخوان، فإن الحوار الحالي في معظم المنتديات وبين معظم المثقفين تم اختزاله "هل أنت مع أو ضدَّ الإخوان؟" بدلاًً من "هل الأنسب لمصلحة مصر الموافقة على التعديل لحين كتابة دستورٍ جديدٍ أو يبقى الحال كما هو عليه حتى كتابة الدستور الجديد".

 

- الديمقراطية المنشودة هي أن تُتاح الفرصة للجميع للتعبير عن رأيهم دون تزوير وليست الديمقراطية هي ضمان وصول هذا الفريق أو ذاك للبرلمان أو للرئاسة؛ لذا فِمن المقبول أن تختار (نعم أو لا)، ولكن ليس مقبولاً تبرير البعض أن إجراء الانتخابات في الفترة القادمة مع اختيار قبول التعديلات الدستورية سوف يأتي بالإخوان أو فلول الحزب الوطني للحكم، ما دام أن هناك نزاهةً وعدم تزوير في الانتخابات، فلا يصح لأي جهة ترفع شعار الإيمان بالديمقراطية أن تبرر قولها "لا" لأن الديمقراطية والانتخابات النزيهة وإرادة الناخبين سوف تأتي بفئةٍ بعينها إلى كراسي البرلمان.

 

- إن هذا يعيد إلى ذهني فكر الحزب الوطني في النظام البائد الذي لا يوافق على الديمقراطية التي تأتي بِمَن لا يريد في مجلس الشعب والشورى والرئاسة.

 

- الادعاء أن الإخوان المسلمين هي الجهة الوحيدة المنظمة حاليًّا؛ ولذا لا يصح إجراء الانتخابات في الوقت الحالي أمر يُثير دهشتي وتعجبي ممن يثيرون هذه الإشكالية، فالمفروض أن تكون الأحزاب الكبرى والتي أُتيح لها خلال النظام البائد في مصر ما لم يُتح للإخوان المسلمين من فتح مقار وإصدار صحف وعمل اجتماعات والتواصل مع الشعب تحت غطاء شرعي ممثلاًً في مظلة الحزب، المفروض أن تكون هي الأفضل تنظيمًا والأكثر شعبيةً من الإخوان المسلمين.

 

- إن مَن يقول بهذا القول إنما هو يمدح الإخوان المسلمين، ويظهر قدراتهم ويحضُّ الشعب على انتخابهم، بينما هو يريد تخذيل الناخبين عنهم وتقليل نسبة مشاركتهم في كراسي المجلس.

 

- إن مثله كمثل مَن يريد عقاب المجد المجتهد؛ لأنه إن دخل الامتحان فسوف يفوز بجدارة ويجلي بوضوح عوار الكسالى والخائبين.

 

- أعتقد أن العديد من المثقفين في الشعب المصري لا يزالون يعانون من آثار سموم دأب النظام البائد على دسها لهم في الطعام وتلويث صدورهم بها مع دفقاتِ الشهيق والزفير، وأحد أفتك هذه السموم هي "الصورة  المرعبة للإخوان المسلمين".

 

- لقد دأب النظام على وصفهم بأسوأ الصفات واتهامهم بأبشع التهم التي كثيرًا ما برَّأهم منها القضاء، ومع أن النظام السابق حمل عصاه وانكشف كذبه وظهرت افتراءاته على الشرفاء، لكن لا يزال البعض ممن لم يتخلص من سموم الوطني مقتنعًا بأن صورة الإخوان المسلمين هي ذات الصورة التي رسمها النظام السابق في صحفه وأدلى بها في بياناته وصورها في مسلسلاته.

 

 رحم الله المتنبي إذ يقول:

وإذا اتتك مذمتي من ناقص  ****   فهي الشهادة لي بأني كامل

فكيف إذا أتتك مذمتي من الحزب الوطني؟ إني لا أدافع عن الإخوان (لأني لا آخذهم بالتهم التي وجهها لهم النظام البائد)، ولكني أدعو كلَّ المثقفين أن يرسموا بأنفسهم صورة الإخوان المسلمين بريشتهم هم (وليس بريشة الحزب الوطني) وبموضوعية بناءً على مخالطتهم عن قرب وقراءة كتبهم وتصريحاتهم وقياس ردود أفعالهم على الأحداث السابقة (تحت ضغط النظام السابق) والقادمة (في جو الحرية)، وأنا على ثقةٍ أيًّا كانت الصورة التي سيرسمها المثقفون ستختلف كثيرًا عن الصورة التي رسمها النظام السابق (أعدى أعداء الإخوان المسلمين).

 

إن أهمية إعادة رسم صورة الإخوان المسلمين في تصور النخبة المثقفة هي من الأهمية بمكان؛ حيث إن الفترة القادمة ستحمل جميع التيارات المختلفة على التعامل فيما بينها بما فيها تيار الإخوان المسلمين؛ لذا فإنه من الحصافة والحكمة أن يتم التعامل مع الإخوان المسلمين بناءً على صورة صحيحة لحركتهم وفهم سليم لفكرهم وأهدافهم؛ بدلاً من التعامل معهم بناءً على الصورة المغلوطة التي قدمها النظام السابق لهم، وأبرزها أن الإخوان هم هم الجماعة الإسلامية هم هم السلفيون هم هم جماعة الجهاد هم الذين قتلوا السياح في الأقصر.. إلى آخر الصورة التي نحفظها من كثرة ترديدها علينا ولا يزال البعض يحلو له أن يتغنى بها.

 

- أنا أؤمن بأن رأي الفرد مهما سما وتميز لا يضاهي رأي الجماعة، وقد علمنا القرآن الكريم درسًا في الشورى عندما أمر نبيه أن يشاور الصحابة ويستمع لآرائهم (وهو مَن هو- هو رسول الله المؤيد من السماء)، فقال جلَّ وعلا ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ (آل عمران: من الآية 159)؛ لذا فإن عند تخييري بين أن تُدار مصر في الفترة القادمة بواسطة رئيس يقوم الشعب بانتخابه (أيًّا كان ما دام جاء عن طريق الاقتراع) وأن يقوم شخص أو جهة ما بتحديد مَن سيقوم بإدارة دفة البلد في الفترة القادمة فلا شك عندي أني ساختار الطريق الديمقراطي، وسوف أفضل مَن سيقوم الشعب باختيارة (ما دامت أن الانتخابات التي أتت به كانت شفافة ونزيهة).

 

- وإذا تم تخييري بين أن يقوم بوضع الدستور الجديد مائة فرد يقوم أعضاء البرلمان (الذين تم انتخابهم بإرادة الشعب) بتحديدهم، وأن تقوم مؤسسة ما بفرض رأيها في اختيار الأفراد الذين سيقومون بكتابة الدستور الجديد، فلا شك عندي أني سأختار الطريق الديمقراطي، وأن يقوم مَن يمثلني من النواب باختيار مَن سيقوم بكتابة الدستور.

 

- هناك العديد من التخوفات أن يقوم فلول الحزب الوطني بنثر الدنانير وتوزيع صرر الأموال على الناخبين لشراء أصواتهم؛ وعلى الرغم من عدم قناعتي بقدرة فلول الحزب الوطني على شراء ذمم خمسة وأربعين مليون ناخب (ليس لقلة الأموال ولكن لأن أغلبية الناخبين من الشرفاء) فإن الديمقراطية الحقيقية لا تحجر على أحد أن يصوت لِمَن يشاء، سواء أغراه بالذهب والفضة أو سحره بمعسول الكلام أو وعده بمواعيد عرقوب.

 

- وإذا كانت النتيجة النهائية هي أغلبية من الحزب الوطني فأنا أول مَن يرضى بالنتيجة التي سوف تعبِّر (إن حدثت فعلاً) عن أن جمهور الشعب المصري يجري وراء أموال النواب ووعودهم، وعندها سوف ينالهم ما يستحقون من نوابهم ومَن يزرع الشوك لا يجني العنب.

 

- وفي كلِّ الحالات يجب ألا يكون هناك وصاية على الشعب واختياراته، وإلا سنكون قد عدنا إلى نسخة معدلة من الحزب الوطني البائد، ووصايته على اختيارات الشعب بدعوى أن الشعب غير مؤهل للعملية الديمقراطية.

 

- سمعت العديد من المطالب بمدِّ الفترة قبل إجراء الانتخابات؛ لإتاحة الفرصة لبقية الأحزاب (عدا الإخوان والوطني بالطبع) لإعادة تنظيم أوراقهم واكتساب شعبية بين الناخبين.

 

- وأعتقد أن هناك مغالطةً واضحةً في هذا المطلب، إذا كانت هذه الأحزاب التي لها على الساحة سنوات وسنوات، ولم تستطع أن تكتسب شعبية بين جموع عريضة من الناخبين (على الرغم  من كراهية الناخبين للحزب الوطني وفساده) وعلى الرغم من صحفها ومؤتمراتها وعلى الرغم من خفوت أصوات منافسيها من الإخوان أيام النظام السابق.. هل تستطيع هذه الأحزاب الآن أن تجمع شتاتها وتبني قواعدها في بضعة شهور؟.

 

- إن ما لم تستطع بناءه في سنوات وخلال تمثيل ضعيف للإخوان على الساحة لن يمكنها بالتأكيد بناءه في بضعة أشهر مع اشتداد المنافسة الشريفة بين كلِّ القوى على الساحة.

 

- بقدر ما أعجبني تصريح جماعة الإخوان أنهم لن يرشحوا أحدًا منهم لمنصب الرئاسة، وأنهم لن يسعوا لأغلبية برلمانية بل يريدون ثلث المقاعد فقط (رغم امتلاكهم القدرة والكوادر لذلك طبقًًا لتصريحات منافسيهم وليس تصريحات الإخوان) بقدر ما ضحكت كثيرًا من طلب البعض ضمانات من الإخوان أنهم لن يسعوا للأغلبية في المجلس.

 

- إن القانون والدستور وقواعد اللعبة الديمقراطية تسمح للإخوان (بل ولكلِّ جماعة أو حزب) أن تحاول الحصول على أغلبية في مقاعد البرلمان فإذا أعلنت جماعة ما من تلقاء نفسها تطوعًا (ودون صفقة سياسية تأخذ بموجبها مقابلاًً من منافسيها)، إنها تتنازل عن (حقها) في المنافسة الشريفة على كلِّ مقاعد البرلمان، ألا يستحق ذلك منَّا تقديم الشكر لها على حرصها على المصلحة العامة للوطن بضمان حدوث تنوع في الاتجاهات داخل البرلمان بدلاًً من احتكارها للأغلبية بدلاًً من مطالبتها ما يثبت أنها ملتزمة بما تطوعت به من تلقاء نفسها؟

 

- مع كامل ثقتنا في الجيش المصري ومع كثرة تأكيده أنه لن يسرق الثورة ويحظى بكرسي الرئاسة لنفسه، فإن رجال الجيش رجال حرب وسلاح وليسوا رجال سياسة وأقلام- هم رجال عسكريون بارعون في إدارة ثكنات الجيش، ولكن لا يعني هذا قدرتهم بنفس الكفاءة على إدارة حياة مدنية طبيعية.

 

- إن الجيش له مهام أساسية قد أقصى عنها لفترة لانشغاله في مهام إدارة البلد، وقد آن له أن يعود لممارسة دوره الطبيعي الذي لا يمكن أن يمارسه سواه ولا أعتقد أن مصر قد عقمت أن تأتي بِمَن يستطيع إدارة شئونها من أبنائها المدنيين.

 

وأخيرًا: طالما راودتني نفسي أن أعترض وأقول "لا لا لا لا" خلال العصر البائد للحزب الوطني، ولكني في هذه المرة رغم تعطشي لـ(لا) فإني سوف أصوت بنعم على التعديلات الدستورية الحالية، وفي انتظار قيام لجنة منتخبة بكتابة دستورٍ جديدٍ للبلاد.

 

وأحب أن أذكِّر بِما بدأت به مقالي: هذا رأيي أراه صوابًا ولكنه يحتمل الخطأ، وفي كلِّ الأحوال فأنا موافق مسبقًًا على ما سيأتي به صندوق الاستفتاء سواء توافق مع رأيي أو عارضه؛ حيث إني على ثقة أن الله سوف يختار لمصرنا الخير، ويتم نعمته على بلدنا سلامًا وأمانًا.

-----------------

* أستاذ تكنولوجيا المعلومات- كلية الحاسبات والمعلومات- جامعة القاهرة- Email: [email protected]