قرأتُ باهتمام بالغ مقال الأستاذ عامر شماخ (الإمام البنا.. انشغل ببناء الرجال عن كتابة المراجع والتأليف) وسررت لحرصه الشديد على توضيح جوانب مهمة في شخصية الإمام البنا نحتاج جميعًا أن نعرفها، ولكن استوقفتني عدة ملاحظات واستدراكات مهمة رأيت من واجبي أن أُنَوِّه إليها من باب الأمانة العلمية، التي تحتم علينا أن نعطي الإمام البنا حقه.

 

أولاً- يقول الكاتب "إننا لم يصلنا عن الإمام البنا سوى كتابين: الرسائل ومذكرات الدعوة والداعية"، وهذا غير صحيح؛ لأن أعمال الإمام البنا قد صدر معظمها عن دار النشر والتوزيع الإسلامية، وأعدها مركز البصائر للبحوث والدراسات؛ وذلك في طبعتها الأولى التي صدرت عام 2006م، وموجود نسخ منها بدار الكتب المصرية، وقد قام المركز باستخراج مقالات الإمام البنا من بطون الدوريات والوثائق المنثورة في المكتبات، وقام بإخراجها في سلسلة بعنوان (من تراث الإمام البنا)، وهي عبارة عن (14) كتابًا في مختلف القضايا الشرعية والاجتماعية والفكرية والسياسية والدعوية.

 

ثانيًا- يستنتج الكاتب من قول الإمام البنا "دعوني من تأليف الكتب" أنه كان مُقلاًّ من التأليف مشغولاً بتربية الرجال، وأنه كان عازفًا عن تأليف الكتب، وهذا ليس صحيحًا على إطلاقه، وذلك لعدة أمور أهمها:

 

1- كانت أعظم آمال الإمام الشهيد بعد إتمام حياته الدراسية أملين، كما صرَّح بذلك في مذكرات الدعوة والداعية، وهما كما يقول:

 

خاص: وهو إسعاد أسرتي وقرابتي، والوفاء لذلك الصديق المحبوب ما استطعت لذلك سبيلاً، وإلى أكبر حد تسمح به حالتي، ويقدرني الله عليه.

 

وعام: وهو أن أكون مرشدًا معلمًا، إذا قضيت في تعليم الأبناء سحابة النهار، ومعظم العام قضيت ليلي في تعليم الآباء هدف دينهم، ومنابع سعادتهم، ومسرات حياتهم، تارةً بالخطابة والمحاورة، وأخرى بالتأليف والكتابة، وثالثة بالتجول والسياحة.

 

إذن أمل الإمام البنا أن يكون مرشدًا معلمًا، وكاتبًا مؤلفًا، وخطيبًا محاورًا ومتجولاً سائحًا، وقد كان رحمه الله كل ذلك في آن واحد.

 

2- ونستدل على ذلك بكتاباته الكثيرة والمتنوعة التي خلَّفها وراءه؛ حيث كتب الإمام البنا المئات من المقالات والبحوث والتعليقات، في العديد من المجلات والصحف، وأشهرها مجلة المنار التي رأس تحريرها بعد الشيخ رشيد رضا، واستكمل تفسير القرآن الكريم، وكتب فيه مباحث عدة.

 

ومن أشهر المجلات التي كتب فيها الإمام البنا أيضًا: مجلة الشهاب، والنذير، و"الإخوان المسلمين" الأسبوعية واليومية، والتعارف، والكشكول، والمباحث القضائية، وغيرها.

 

كما حقق الإمام البنا ديوان صريع الغواني لأبي الوليد مسلم بن الوليد الأنصاري، وألف بالاشتراك مع الأستاذ عطية عبد العزيز كتاب (الإنشاء الفني) لتعليم الكتابة والتعبير والإنشاء الفني والصحفي والخطابة.. إلخ.

 

3- تميز عصر الإمام البنا بالكتابة الصحفية؛ حيث كان معظم الكتاب والمفكرين والأدباء ينشرون مقالاتهم وأعمالهم على صفحات الجرائد والمجلات، حتى إن كثيرًا من كتابات العقاد وطه حسين وأحمد أمين وغيرهم كانت تنشر في كبريات الصحف الحزبية أو المستقلة أو العربية، والتي كان أشهرها في ذلك الوقت مجلة الرسالة، والمقتطف، والهلال؛ لذلك كان هذا هو سمت العصر، فلا غرو أن تكون معظم أعمال الإمام البنا منشورة في ثنايا الصحف والمجلات، وجدير بالذكر أن كثيرًا من هذه الكتابات تمَّ جمعه الآن.

 

4- عزوف الإمام البنا عن الكتابة والتأليف أو إقلاله منها معناه عدم الاكتفاء بالكتابة والتحرير عن العمل والممارسة، وهو ما كان عليه أغلب كتَّاب ودعاة العصر.

 

لقد رفض الإمام البنا أن تكون رسالة الكاتب هي الكتابة فقط دون التعايش مع المجتمع والإحساس بمشكلاته، والتفاعل مع قضاياه، وتربية المجتمع على القيم والمبادئ السامية، لذلك كانت كتابات الإمام الشهيد تصب كلها في ذلك الاتجاه، لذا يمكن وصف كتاباته بالكتابات الحركية والعملية، على حدِّ تعبير المستشار طارق البشري.

 

ثالثا- يذكر الكاتب أن رسائل الإمام البنا هي عبارة عن عددٍ من الرسائل كان يوجهها للإخوان في مناسبات بعينها، غافلاً عن رسائل أخرى كانت غير موجهة إلى الإخوان أو غير دعوية مثل (رسالة نحو النور) التي بعث بها الإمام الشهيد حسن البنا إلى الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان، وإلى مصطفى النحاس باشا رئيس الحكومة المصرية حينذاك، وإلى عدد كبير من الشخصيات البارزة دينيًّا وسياسيًّا، هذه الرسالة التي تشتمل على قضايا سياسية ومجتمعية عديدة، وتقدم رؤية الإسلام لحلِّ هذه القضايا.

 

كذا (رسالة المرأة المسلمة) وهي رسالة كتبها الإمام البنا للمرأة المسلمة، ونشرها في مجلة المنار، بصفته رئيس تحريرها.

 

وأخيرًا أحيي الأستاذ عامر شماخ على هذه التوضيحات المهمة، وشكر الله له صنيعه وجهده.

-----------------

[email protected]