رأى خبراء اقتصاديون أن أداء الاقتصاد المصري بعد ثورة 25 يناير جاء أفضل من المتوقع، وهو ما أكدته الإحصاءات الرسمية بعدما كانت تنتشر مخاوف الإفلاس والانهيار الاقتصادي والنمو السلبي.

 

وقال الخبراء خلال مشاركتهم في ندوة "الاقتصاد المصري بعد ثورة 25 يناير" التي نظمتها جمعية شركاء التنمية للبحوث والاستشارات والتدريب، الليلة الماضية، إن الاقتصاد المصري تأثر بتوقف عجلة الإنتاج وزيادة معدلات البطالة وانخفاض معدل الناتج المحلي الإجمالي.

 

وأكد الدكتور إبراهيم العيسوي أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط أن التداعيات التي لحقت بالاقتصاد المصري بعد الثورة كانت أقل من التوقعات، مقارنة بأوضاع العديد من الدول التي حدثت فيها ثورات مثل إيران التي ظل معدل الدخل القومي فيها يتراجع لعدة سنوات.

 

وأوضح أن معدلات النمو بعد ثورة 25 يناير تراجع إلى النصف تقريبًا، فيما كان قد تراجع بمقدار الثلث في ظل الأزمة العالمية بعد عام 2008م؛ وذلك رغم أن معدل النمو الصناعي لمصر خلال فترة الثورة جاء "صفر" صاحبها تراجع حاد في الاحتياطي النقدي.

 

وانتقد العيسوي أرقام معدلات النمو التي كان يعلنها النظام السابق والتي كانوا يرددون أنها تصل إلى 7 و8 في المائة، مشيرًا إلى أن معدلات النمو تلك كانت وهمية وغير حقيقية على أرض الواقع؛ حيث لم يتجاوز النمو الحقيقي نسبة 4 في المائة.

 

وأشار إلى أن الاقتصاد المصري أظهر ضعفًا نتيجة اعتماده على مصادر ريعية مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية وقناة السويس والمضارية العقارية؛ الأمر الذي سيكون أقل تأثيرًا لو اعتمد على الصناعات الأساسية مثل الصناعات التحويلية والبتروكيماويات وغيرها.

 

ولفت إلى تدهور أوضاع الصناعات التحويلية في مصر وتراجع دور القطاع العام والذي يشكل نحو 16 في المائة من الناتج المحلي، وهي نفس النسبة في السيتنيات كما انخفض دور القطاع الزراعي في الاستثمارات، فضلاً عن أن معدلات النمو في ظل النظام السابق صاحبها إهدار في الموارد الطبيعية مثل الأراضي وارتفاع معدلات التلوث، والتي أثرت على حياة المواطنين، فضلاً عن أن النمو كان مصحوبًا بمديونية عالية ستظل تتحمل فاتورتها الأجيال القادمة.

 

وأشار إلى أن التراخي والتأخر في فرض الإقامة الجبرية ومحاكمة رموز النظام السابق يعد من أهم سلبيات المرحلة الحالية.

 

وحول قيام الحكومة بالاستغناء عن القروض الخارجية قال العيسوي إن ذلك سيؤدي إلى انخفاض الاستثمارات الحكومية من 56 مليار جنيه إلى 47 مليار جنيه، كما أن المبالغ المخصصة لصندوق التدريب من التطوير انخفض من ملياري جنيه إلى مليار، فضلاً عن زيادة الاعتماد على القروض المحلية وهو عبء على الأجيال القادمة.

 

وطرح العيسوى رؤية من 4 أركان لتبني نموذج تنموي في المرحلة المقبلة يعمل على حدوث نقلة نوعية نحو التقدم؛ حيث يتمثل الركن الأول في الاعتماد على الذات من خلال تنمية الموارد البشرية والمدخرات الوطنية، وتقليل التبعية للخارج، والاتجاه للدخول مع الدول العربية الشقيقة في مشروعات مشتركة تنموية.

 

وأشار إلى أن الركن الثاني من النموذج يتمثل في عدم اقتصار دور الدولة على المراقبة، والاكتفاء بقيام القطاع الخاص بالتنمية؛ حيث لا بد من أن يعمل القطاع الحكومي جنبًا إلى جنب مع القطاع الخاص، وأن يكون له دور في النشاط الاستثماري، ويمكن الاسترشاد بالعديد من التجارب الناجحة في الدول.

 

وقال إن الركن الثالث يتمثل في الديمقراطية التشاركية والتي ينبغي ألا تقتصر على التمثيل النيابي بل المشاركة على جميع المستويات المحلية والمصانع والمستشفيات (مشاركة شعبية)؛ لمنع تحالف السلطة والثورة والركن الرابع قام على إعادة توزيع الثورة.

 

وأكد الدكتور سلطان أبو علي وزير الاقتصاد السابق أن الاقتصاد المصري يمر في المرحلة الحالية بحالة من الركود التضخمي تتمثل في انخفاض الطاقات الإنتاجية المستغلة، وارتفاع معدل البطالة إلى أعلى من 12% بعد أن كان أقل 10%، وزيادة عدد الإفلاسات وانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالى إلى ما يقدر بنحو 2% فى حين أن متوسطه طويل الأجل في الماضى كان 4% سنويًّا.

 

وقال إن الوضع الحالي يتطلب سرعة اتخاذ القرارات دون تأخير مع مراعاة عدم التسرع والتتابع السليم في اتخاذ القرارات، مع المصداقية والشفافية والمصارحة مع الشعب.

 

وطالب الجهاز المصرفي بضرورة تحمل مسئوليته في المساهمة في تشغيل الطاقات الإنتاجية العاطلة، والعمل على زيادة الإنتاج والصادرات، وزيادة مستوى التشغيل وانخفاض معدل البطالة من خلال إتاحة السيولة المطلوبة للقطاعات المختلفة، مع سرعة فتح الاعتمادات اللازمة لاستيراد السلع الاستراتيجية (استهلاكية، ومستلزمات إنتاج وسلع رأسمالية) بدون تأخير، مع عدم وضع العراقيل أمام طلبات الائتمان المنتجة التي لها جدارة ائتمانية.

 

وشدد على ضرورة تشجيع البنوك على إنشاء مشروعات كبرى كثيفة العمالة مع طرح جزء من رأسمالها للاكتتاب العام؛ ما سيحقق الصالح العام وربحية عالية للبنوك على المدى الطويل.

 

وأكد أهمية تحسين مناخ الاستثمار من خلال عدم الالتفات للشكاوى الكيدية ضد المستثمرين الشرفاء للاستمرار في الاستثمار والإنتاج بل وزيادتهما، على ألا يتم توجيه التهم إلا في حالة وجود قرائن قوية عليها ومحاسبة الفاسدين عن أخطائهم، وهذا لا يؤثر سلبًا على المستثمرين ورجال الأعمال الشرفاء، بل يستبعد المقامرين مما يزيد الثقة في قطاع الأعمال.

 

وطالب بضرورة تقديم كافة الحوافز الممكنة لرجال الأعمال الشرفاء، مع توفيرالسيولة لهم، وحماية الصناعة المحلية، ومكافحة التهريب، ومنحهم مزايا جمركية وضريبية مؤقتة، كما طالب بضرورة احترام العقود السليمة التي عقدت بين الدولة ورجال الأعمال سواء كانت هذه العقود بشأن بيع الأراضي أو الشركات في إطار الخصخصة أو غيرها، ويجب ألا يتم إلغاء هذه العقود كرد فعل تلقائي في ظل ادعاءات كاذبة؛ حيث إن هذا يكبد مصر خسائر جسيمة.