- اللواء بخيت: يجب قطع العلاقات مع الدول التي تؤوي الهاربين
- عبد الرءوف الريدي: العقوبة ترتبط بالجنسية وقت ارتكاب الجريمة
- السفير الغطريفي: استعادة الهاربين تتطلب إرادة سياسية قوية
- د. هشام صادق: التنازل عن الجنسية لا يسقط حق مصر
تحقيق: عبد الرحمن عكيلة
يظل ملف الهاربين خارج مصر عالقًا ومفتوحًا للنقاش فكل يوم نشهد حادثة جديدة لمتهم جديد قبض عليه، أو اكتشف مكانه، ولم يتم القبض عليه، ومن تنازل عن الجنسية المصرية في سبيل عدم اعتقاله، ومن هرب لدول لم توقع اتفاقات دولية لتسليم الهاربين حتى ينجو من العقاب.
يبلغ عدد الوزراء ورجال الأعمال والمسئولين الذين هربوا خارج مصر منذ اندلاع ثورة 25 يناير بـ120 شخصًا، ويزيدون كل يوم، وآخرهم كمال عضاضي زوج ابنة فتحي سرور، والذي هرب بطائرة خاصة إلى لبنان، وفوجئ مكتب النائب العام بذلك عند طلب استدعائه للتحقيق في قضايا فساد شتى، تورط فيها بمساعدة صهره سرور.
هذه القائمة ليست إلا بداية لهؤلاء الذين وصلتنا معلومات عنهم، فالقائمة تبدأ منذ السبعينيات وبداية عصر الانفتاح وتكوين الثروات من صفقات مشبوهة اعتمدت بشكل كبير على الإضرار بالاقتصاد المصري، في سبيل أخذ عمولات وسمسرة تصل لمليارات الدولارات.
ومن أشهر الشخصيات التي هربت خارج مصر الصديق المقرب من الرئيس المخلوع حسين سالم، والذي ألقت السلطات الإسبانية القبض عليه ثم أعادت الإفراج عنه بكفالة؛ ما يعني أن إعادته لمصر لمحاكمته على ما ارتكبه من جرائم تتطلب مفاوضات قانونية شاقة.
ومن أشهر الوزراء الهاربين المتهمين في قضايا فساد رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة السابق والمتهم بإهدار 660 مليون دولار لقيامه بالموافقة على منح رجل الأعمال المسجون أحمد عز رخصة لإنتاج الحديد الإسفنجي وخام البيليت بالمخالفة للقانون، إلى جانب الموافقة على إنشاء مصنعين في المنطقة الحرة بالسويس، وما زال رشيد هاربًا في أمريكا، ويمارس أعماله التجارية بكل حرية.
وبالإضافة إلى هؤلاء هناك أسماء مشهورة أخرى مثل ياسين منصور، وهشام الحاذق، وحامد الشيتي، ومن أشهر رجال الأعمال المتهمين والهاربين منذ سنوات ممدوح إسماعيل صاحب عبارة السلام الغارقة والهارب في لندن، وتوفيق عبد الحي الذي هرب بـ50 مليون دولار تحصل عليها من صفقة الدواجن الفاسدة، وهدى عبد المنعم التي تمَّ القبض عليها في اليونان وكانت قد هربت بـ50 مليون جنيه من أموال البنوك، وعادل مهني صاحب شركة دوارف الذي نصب على 5 بنوك واستولى على ما يقرب من 375 مليون جنيه ولم يردها، وغيرهم الكثيرون فمتى تتم استعادة هؤلاء؟ وما المفترض أن تفعله الحكومة لاستعادتهم؟
والذي يمثل خطرًا كبيرًا أن الوزراء ورجال الأعمال الهاربين بأموال مصر ما زالوا طلقاء في الخارج، ويمارسون أعمالهم وأنشطتهم التجارية بكلِّ حرية، في ظل تجاهل "الإنتربول" لهم حتى الآن.
المستفز ما صرح به مؤخرًا السفير الأمريكي في لندن بأن يوسف بطرس غالي وزير المالية السابق والمحكوم عليه بالسجن المشدد لمدة 30 سنة، والذي تنازل عن الجنسية المصرية هو مواطن أمريكي له الحق في حرية الحركة والتنقل في جميع أنحاء العالم.
القانون الدولي
يقول اللواء حمدي عبد الله بخيت الخبير في الأمن القومي إنه يجب علينا أولاً أن نحدد العلاقة بيننا وبين الدول الهارب إليها هؤلاء الوزراء ورجال الأعمال، وأن نكون على دراية بالقوانين التي تحكم تلك العلاقة بها لأنها ستحدد مدى قدرتنا على استعادة هؤلاء الهاربين من عدمه، موضحًا أنه يتوقف على مدى قدرة رجال القانون لدينا لتكييف مواد القانون الدولي بما يخدم مصالحنا، فمن الممكن أن تكون هناك قضية من السهل أن تكسبها، ولكن من الممكن أن تضيع منا ونخسرها طالما أن القائمين على هذه القضية ليسوا أكْفَاء بل وفاشلين كليًّا.
ويطالب الحكومة المصرية بضرورة إعادة تقييم العلاقة بين مصر والدول التي تؤوي الهاربين، متسائلاً: هل علاقتنا بهذه الدولة أثمن من حقنا في استعادة هؤلاء أم لا؟ قائلاً: "ولا أظن أن أي دولة ستضع العلاقات بينها وبين مصر في كفة واستعادة مجرم هارب في كفة أخرى، فلا يوجد دولة في العالم تستغني عن علاقتها بمصر".
ويوضح أن القائمين على الحكم في مصر يعون جيدًا هذا الأمر ويستطيعون استخدامه، مشيرًا إلى أن هذه هي نقطة الضعف التي يمكن الاعتماد عليها مع الدول التي لم توقع اتفاقيات تسليم مجرمين مع مصر، وليس معنى هذا أننا خسرنا القضية، فالأمر هنا يعتمد على قدرتنا على استخدام مواد القانون، وتطويع هذا الاستخدام لخدمة القضية.
ويتابع: أحد نواب مجلس العموم البريطاني قال: "لو احتضنا مثل هؤلاء الهاربين فسيضر ذلك بالعلاقات المصرية البريطانية"، وهذا يرجعنا إلى نقطة استخدام الضغط الدبلوماسي وقضية العلاقة والمصالح، فالعلاقات الدولية فيها نقاط ضغط تضع الخصم أمام خيارات من صنعنا نحن.
ويقول: إنه لم يعد هناك مكان للإستراتيجيات فقد سقطت منذ أزمة كوبا عام 1960م وبدأ عصر علم إدارة الأزمات، فنحن الآن في حاجة إلى متخصصين لإدارة هذا الملف المهم، رافضًا أن تسند المهمة لأي شخص بالخارجية، فنحن نريد من لديه الكفاءة، ولا نريد من يسافر، ويقضي الليالي في الفنادق على حساب الدولة ولا يخرج بأي نتيجة.
ازدواج الجنسية
السفير عبد الرءوف الريدي
ويقول السفير عبد الرءوف الريدي رئيس مجلس العلاقات الخارجية وسفير مصر الأسبق بالولايات المتحدة: إن العقبة الحقيقية في قضية استعادة الهاربين من الخارج هي ازدواج الجنسية لدى هؤلاء، مطالبًا ببذل المزيد من الجهود الدبلوماسية، فعلى السفراء المصريين أن يتابعوا ملفات هؤلاء الهاربين، وجمع المعلومات المطلوبة عنهم.
ويوضح أن تنازل المتهمين عن الجنسية المصرية لا يمنع حق مصر في مقاضاتهم ومعاقبتهم، مشيرًا إلى أن العقوبة ترتبط بوقت حدوث الجريمة وعليه فسوف يحاسب؛ لأنه ارتكب الجريمة وقت أن كان حاملاً للجنسية المصرية وسيحاكم على هذا الأساس، فضلاً عن أن الهاربين يتم تسلميهم أيضًا طبقًا لاتفاقيات محاربة الفساد التابعة للأمم المتحدة.
إرادة سياسية
ويقول السفير ناجي الغطريفي مساعد وزير الخارجية الأسبق: إن القبض على الهاربين يتم عن طريقة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" من خلال إعداد ملف جيد يضم كل الحجج القانونية والدلائل التي تثبت تورط الهاربين وإدانتهم، وبناء عليه تتم الموافقة على قرار التسليم.
ويضيف أن الجهود الدبلوماسية أيضًا عليها دور كبير في هذا الموضوع، وقد سبق أن أسهمت في تسليم هدى عبد المنعم "المرأة الحديدية"، موضحًا أن الأمر يتوقف على الإرادة السياسية، فلو كانت هناك إرادة لحكومة قوية ممثلة للشعب لنجحت مصر في استعادة هؤلاء الهاربين.
تنازل غير قانوني
ويقول الدكتور هشام صادق الخبير في القانون الدولي: إن الخطأ قد تمَّ من البداية، وكان من المفترض عدم السماح لمن لديهم أي جنسية مزدوجة بشغل أي منصب سياسي في هذا البلد، فازدواج الجنسية معناه ازدواج الولاء، متسائلاً: كيف لا يسمح لمزدوجي الجنسية بأداء الخدمة العسكرية، وفي نفس الوقت يسمح لوزير في الحكومة أن يكون مزدوج الجنسية.
وعن تنازل الهاربين للخارج أمثال يوسف بطرس غالي عن جنسيتهم المصرية أملاً في الإفلات من المحاكمة والعقاب يقول: إن هذا مخالف للقانون المصري، فلا يحق لأي مواطن مصري أن يتنازل عن جنسيته إلا بموافقة مصر.
ويوضح أن استعادة هؤلاء الهاربين يتم عن طريق الأمم المتحدة واتفاقية مكافحة الفساد، ويتم أولاً بإصدار حكم قضائي يدين هؤلاء الهاربين، ثم يُقدَّم به طلب للأمين العام للأمم المتحدة يقوم بعدها بطلب تسليم هؤلاء من الدولة التي يختبئون بها.
ويضيف أنه من الصعب استعادتهم إذا لم تكن هذه الدولة مُوقِّعة على هذه الاتفاقيات، ففي هذه الحالة نحتاج إلى قانونيين وخبراء ورجال بنوك وشركات متخصصة حتى نستطيع استعادتهم، واستعادة الأموال المهربة أيضًا.
ويقول: إن ازدواج الجنسية لن يكون عائقًا حتى لو لم يكن المجرم مصريًّا، فطالما سرق أو ارتكب جريمته في مصر فيحق لنا في هذه الحالة أن نقاضيه، ونطلب من قضاء دولته أن يحاكمه.
ويرجع نجاح هذه العملية إلى قضاء هذه الدول؛ حيث يشترط أن تكون لديه صلاحيات لمحاكمة هؤلاء وهذه الصلاحيات تعطى فقط في حالة الفساد والجرائم الجنائية وجرائم الحرب، ومن هذه الدولة التي تعطي قضاءها هذا الحق هي فرنسا وبلجيكا.
ويؤكد أن المواطنين المصريين عليهم دور في هذه القضية مثلما فعل التونسيون الذين طلبوا من قضاء فرنسا وبلجيكا التحفظ على أموال بن علي ونجحوا في ذلك.