- معظم محاكمات الملوك والزعماء السابقين كانت صورية

- د. صفار: أول مرة في تاريخ مصر تجري محاكمة فرعون

- د. السقا: مصر ستشهد مهرجانًا قانونيًّا.. وكلٌّ سيأخذ حقَّه

 

تحقيق: الزهراء عامر

ترقب وانتظار وتكهنات تحيط أول محاكمة مصرية من نوعها لرئيس سابق؛ حيث يمثل الرئيس المخلوع مبارك ونجلاه جمال وعلاء، ووزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، وستة من مساعديه، أمام محكمة جنايات القاهرة، في قضايا قتل المتظاهرين خلال أحداث ثورة يناير.

 

وشهدت قاعات المحاكم على مدار التاريخ محاكمات نالت العديد من الشخصيات المهمة؛ كالملوك والرؤساء والزعماء الوطنيين وغيرهم، وقد تنوعت الادعاءات التي وجهت إليهم ما بين: الخيانة وجرائم الحرب والانقلاب والفساد والتحرش الجنسي، كما تنوعت العقوبات، ما بين: الإعدام والنفي والسجن والغرامة المالية، أيضًا فقد تنوعت حالات الرؤساء أثناء المحاكمة؛ فهناك من حوكم وهو في منصبه الرئاسي، وهناك من حوكم بعد إجباره على التنحي بسبب احتلال أو انقلاب أو غير ذلك، وهناك من تمَّت محاكمته بعد انتهاء فترة حكمه.

 

"شارلز الأول" رفض الملك الاعتراف بسلطة المحكمة، التي أصرَّت على إدانته بتهمة الخيانة والحكم عليه بالموت، وفي 30 يناير 1649م تم إعدام الملك الإنجليزي (شارلز الأول) بقطع عنقه، بعد محاكمة استغرقت 11 يومًا، وكان (أوليفر كرمويل) قد قام بقيادة البرلمان إلى ثورة ضد الملك.

 

"لويس السادس عشر" آخر ملوك فرنسا حيث قامت في عهده الثورة الفرنسية، بعد أن فقد ثقة شعبه، عندما حشد جنوده حول "فرساي مرتين"، حاول الفرار من فرنسا هو وزوجته "ماري أنطوانيت" عام 1793م، لكن أُلقي القبض عليهما وتم إعدامهما في باريس.

 

"بهادر شاه" خلف أباه (محمد أكبر شاه الثاني) سنة 1838م، في فترة كان السلاطين الهنود يتقاضون فيه رواتبهم من المحتل الإنجليزي الذي أحكم قبضته على البلاد، إلى أن هبَّت ثورة الجنود المسلمين والهندوس واختير (بهادر شاه) قائدًا للثورة؛ وأُعلن الجهاد العام في البلاد، ولكن بسبب كبر سنه وافتقاد الثورة إلى القيادة الواعية، واستعانة المحتل بالهنود الموالين له والسيخ، تم القضاء عليها والقبض على (بهادر شاه) وأهل بيته، ثم حوكم محاكمة صورية في دلهي يوم2 يناير 1856م، واتهم بالتعاون مع الثورة ضد الإنجليز، وحكم عليه بالإعدام، ثم خُفف الحكم إلى النفي إلى مدينة رانكون عاصمة بورما، وبذلك سقطت دولة المغول الإسلامية في الهند، ثم وافته المنية سنة 1862م.

 

"رولانداس باكساس" فاز بانتخابات الرئاسة اللتوانية عام 2003م، وما لبثت المحكمة اللتوانية عام 2004م أن حكمت بمخالفته الدستور إثر تورطه خلال العام نفسه بفضائح كبيرة، ثم قرر البرلمان الذي أحيلت إليه القضية عزل (باكساس) من منصبه.

 

محاكمة بعد الإطاحة

 الصورة غير متاحة

المستشار أحمد رفعت

"فيليب بيتان" عينه البرلمان الفرنسي رئيسًا للدولة بعد سقوط فرنسا بيد ألمانيا النازية عام 1940م، لكنه تعاون مع المحتل الذي نقض الهدنة عام 1942م، وقام باحتلال باقي فرنسا، إلا أن قوات الحلفاء تمكَّنت من دخول فرنسا وطرد القوات النازية، وفي تلك الفترة عادت الحكومة الفرنسية المؤقتة برئاسة "شارل ديجول" إلى فرنسا، وألغت دولة "بيتان" عام 1944م، بينما أُخذ الأخير إلى ألمانيا، ثم لم يلبث أن عاد وسلَّم نفسه للمحكمة الفرنسية التي حكمت عليه بالإعدام للخيانة العظمى، ثم خُفف الحكم إلى السجن الانفرادي المؤبد بجزيرة "أيل دي يو"؛ حيث مات في معتقله عام 1951م.

 

"سلوبودان ميلوسيفيتش" حكم صربيا ويوغوسلافيا "1989- 1997م"، وفي عام 2001م مثُل أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب بعد أن ارتكب جرائم بحق المسلمين في كوسوفا والبوسنة وكرواتيا، وكانت مذبحة سربرينتشا 1995م هي الأكثر دمويةً له؛ حيث راح ضحيتها زهاء 8000 مسلم، عثر عليه ميتًا في معتقله 2006م.

 

"تشارلز تايلور" استولى على السلطة الليبيرية في انتخابات خاصة أجريت عام 1997م فاز فيها الحزب الوطني الذي كان يتزعمه، لكن محكمة جرائم الحرب التابعة للأمم المتحدة أدانته عام 2003م بتهم تسليح متمردين وتدريبهم وتهريب الألماس، وقبل (تايلور) عرضًا باللجوء السياسي من الرئيس النيجيري بعد أن عرض تنحيه عن السلطة إذا ما أدى ذلك إلى إحلال السلام.

 

"محمد خونا ولد هيدالة" انضم إلى قادة الحركة العسكرية الانقلابية ضد حكومة أول رئيس موريتاني عقب الاستقلال (المختار ولد داده)، تلك الحركة التي نجحت في الاستيلاء على السلطة إثر انقلاب عسكري عام 1978م، وبعد خلافات بين رفقاء الانقلاب وحوادث غامضة آلت مقاليد الحكم في نهاية الأمر إلى (ولد هيدالة) عام 1980م، فقام بتطبيق الشريعة الإسلامية وإلغاء الرق وسجن المعارضين والاعتراف بالجمهورية الصحراوية، إلى أن أطاح به (معاوية ولد الطايع) في انقلاب عسكري ضده عام 1984م، وأُدخل السجن عدة مرات؛ لكنه عاد عام 2003م لينافس في الانتخابات الرئاسية؛ إلا أنه تعرض للمحاكمة بتهم الاعتداء والتآمر لتغيير النظام الدستوري بالعنف، والإضرار بالمصالح الجوهريـة لموريتانيا والمشاركـة في ذلك، وحكم عليه بـ5 سنوات مع وقف التنفيذ وبغرامة قدرها 400 ألف أوقية، والحرمان النافذ من الحقوق السياسية والمدنية.

 

"جوزيف أسترادا" كان قد اتهم بالفساد وفشلت إقالته، فأطاح به تمرد شعبي بمساعدة الجيش عام 2001م، وفي 2006م مثل الرئيس الفلبيني السابق أمام المحكمة بتهمة تحويل 80 مليون دولار من الأموال العامة.

 

 الصورة غير متاحة

أهالي الشهداء يتظاهرون أمام قاعة المحكمة

"صدام حسين" بعد صعوده في حزب البعث سعى صدام حسين إلى المحافظة على السلطة وتعزيز موقع العراق في المنطقة؛ فخاض حربي الخليج الأولى 1980– 1988م والثانية 1990م، ثم فُرض الحصار الاقتصادي على شعبه وسعت قوات التحالف إلى ما أطلقت عليه (تحرير العراق)، وقد تسبب هذا التحالف في سقوط نظام الرئيس (صدام حسين) في أبريل 2003م، وتمت مطاردته والقبض عليه في ديسمبر من العام نفسه، وأجريت له محاكمة رفض في البداية التعاون معها، لكنه ما لبث أن خضع لها وحُكم عليه بالإعدام شنقًا حتى الموت في قضية الدجيل، وظل يردد عبارات: "يعيش الشعب.. تعيش الأمة.. يسقط العملاء"، وكان ذلك في نوفمبر 2006، وتم تنفيذ الحكم خلال شهر ديسمبر من العام نفسه صبيحة عيد الأضحى 1427هـ.

 

"رادوفان كراجيتش" عقب انهيار الاتحاد اليوغوسلافي والاعتراف بالبوسنة والهرسك كدولة مستقلة، أعلن (كراجيتش) جمهورية الصرب البوسنية وعاصمتها سراييفو، ثم سعى إلى ما سُمي حينئذٍ بالتطهير العرقي للمسلمين البوسنيين، وكانت مذبحة سربرينتشا هي الأشد دمويةً؛ حيث قُتل خلالها ما لا يقل عن 7500 من الشباب والرجال المسلمين، لكنه فرَّ عقب اتفاقية دايتون بعدما أجبر على الاستقالة من منصبه الرئاسي عام 1996م، إلى أن تم إلقاء القبض عليه في(يوليو 2008م) لتقديمه إلى المحكمة الدولية التي كانت قد أدانته بقتل آلاف البوسنيين من المسلمين والكروات وبقصف مدينة سراييفو، وباستعمال ما لا يقل عن 280 من رجال حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة كدروع بشرية في تلك الحرب التي امتدت ما بين عامي 1992 و1995م.

 

بعد انتهاء حكمهم

"ألبرتو فوجيموري" هو أول رئيس بيروفي سابق تتم إدانته بتهم ارتكبها أثناء رئاسته، وتتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان أثناء حملة حكومته ضد التمرد الذي قام به حزب الطريق المشع في أوائل التسعينيات، وإصداره أوامر بالاستيلاء على شرائط حساسة من منزل زوجة رئيس استخباراته السابق 2000م دون مذكرة قضائية، وتهم أخرى تتعلق بالفساد، وقد رفض "فوجيموري" التهم الموجهة إليه؛ لكن المحكمة حكمت عليه بالسجن 6 سنوات والغرامة المالية 92 ألف دولار.

 

"موشيه كتساف" انتخبه الكنيست عام 2000م رئيسًا للكيان الصهيوني خلفًا لـ"عيزر فايتسمان"؛ وفي 2006م قامت الشرطة الصهيونية بالتحقيق معه حول اتهامات بعض النساء له بالتحرش الجنسي بهن، وانتهى التحقيق بتقرير طالب على إثره رئيس النيابة العامة الصهيونية باستقالة "كتساف" كي تتسنى محاكمته؛ لكن الأخير نفى الاتهامات ورفض الاستقالة، وأعلن في الوقت نفسه العجز المؤقت عن القيام بواجبات الرئاسة، وفي 2008م بدأت محاكمته في ظلِّ مظاهراتٍ ودعاوى جنائية ضده.

 

وبالرغم من كل هذه المحاكمات، فإنها أغلبها محاكمات وهمية لم ترقَ للمستوى القانوني المطلوب.

 

وفي تاريخ مصر المعاصر لم تُعقد محاكمة لأي حاكم سابق، فقد قام الاحتلال البريطاني بترحيل حاكمين اثنين دون محاكمة هما الخديوي إسماعيل والخديوي عباس حلمي الثاني، كما غادر الملك فاروق مصر سالمًا وبحفل وداعٍ رسمي بعد انقلاب عام 1952، لكن ما فعلته ثورة الخامس والعشرين من يناير من خلع للرئيس ثم محاكمته لم يكن له سابقة لا في مصر ولا في المنطقة على الإطلاق.

 

محاكمة المخلوع

 الصورة غير متاحة

علاء وجمال مبارك داخل القفص خلال المحاكمة

ويقول الدكتور محمد صفار أستاذ الفكر السياسي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، إنه من المعتاد أن الحكام لا يُحاكموا، وإنما تحدث لهم هزائم ويُطاح بهم تاريخيًّا، وهناك محاولات لمحاكمة الرؤساء في التاريخ الحديث؛ ولكنها توقَّفت، وعلى سبيل المثال محاكمة رئيس الصرب وعمر البشير.

 

ويوضح أن العالم العربي استثني من قاعدة محاكمة رؤسائه وزعمائه؛ لأنهم كانوا حكامًا مستبدين، فضلاً عن توجيه اللوم لرئيس دولة فكرة غير متخيلة؛ لأنهم استمروا عقودًا طويلةً يضعون ترسانةً من الفتاوى الدينية التي تُحرِّم الخروج على الحاكم.

 

ويضيف أنه إذا نظرنا إلى التاريخ المصري، نجد أنها أول مرة منذ عصر نبي الله موسى يُحاكم فيها فرعون، موضحًا أن مبارك الآن لا يتعامل بكونه رئيسًا للدولة السابق؛ ولكنه مواطن مصري عادي، بل المواطنون أفضل منه؛ لأنهم لا يُوجه لهم اتهامات، ولا قيمةَ له هو وزوجته.

 

ويتوقع أن تخلو المحاكمة من عنصر المفاجآت؛ لأن مصداقية المجلس العكسري الآن على المحك والحجج الفارغة بأن حالته الصحية لا تسمح أو الظروف الأمنية غير مهيئة.. وغيرها كل هذه ستسقط اليوم.

 

ويؤكد أنه طالما أن مصر في مرحلة التحول الديمقراطي، والمحاكمة تتعلق برئيس الدولة السابق، فلا بد أن يحصل على محاكمة عادلة ليس حبًّا فيه؛ ولكن الجمهورية لا بد أن تقوم على دولة قانون نُوفِّر كل الضمانات القانونية للمحاكمة، فضلاً عن احترام الحكم سواء كان بالإعدام أو البراءة، ملفتًا إلى أن المحاكمة ستكون طويلةً، وسيتم كشف العديد من الأسرار خلال الجلسات.

 

ويشير إلى الجلسة الأولى في المحاكمة دائمًا تكون شكليةً، ولهذا فليست الجلسة التي ستشهد الأحداث الدرامية التي نتوقعها، ولكنها حدثٌ تاريخي وسوف تُأرخ.

 

ويقول: إن ما يهمنا في هذه المحاكمة ليس التشفي في هذا الرجل أو غيره، ولكن لا بد أن يدرك كل مَن يعتلي كرسي الحكم، أنه إذا لم يعتدل سيُخلع وسيكون مصيره مثل سابقه.

 

مهرجان قانوني

 الصورة غير متاحة

 د. محمود السقا

ويرى الدكتور محمود السقا أستاذ القانون بكلية الحقوق- جامعة القاهرة أن المقدمات تُنبِئ بأن محاكمة الرئيس المخلوع ستكون سليمةً وجادةً وقانونيةً؛ لأنه ما زال في مصر قضاة وقانونيون شرفاء أمثال المستشار أحمد رفعت، وهو واحدٌ من أعظم قضاة وقانونيي مصر.

 

ويوضح أن محاكمة رئيس دولة من الأمور النادرة، ويسعى محاموه باختلاق حجج واهية لتأجيل المحاكمة وعدم حضوره، وهذا أمرٌ لا يقره قانون.

 

ويضيف أن المتهم يتم نقله إلى المحكمة حتى في أبلغ الظروف المرضية، ولو على كرسي متحرك مثل كثيرٍ من القضايا، مؤكدًا أنه لا يجوز غياب مبارك عن جلسات المحاكمة؛ لأنه في ذمة النيابة العامة، وعليها أن تأتي به محبوسًا إلى قفص المحاكمة.

 

ويقول إن مبارك كان رجلاً سياسيًّا ويحكم بلدًا بأكمله ولديه محامي متمرن، ولو كان بطلاً حقيقيًّا فليدافع عن نفسه عندما تلقي النيابة التهم المنسوبة إليه، مثلما كان يفعل صدام حسين كان يقاطع المحكمة ويناقشها، موضحًا أن الأحكام الجنائية مبنية على القطع واليقين والنيابة العامة قطعت شوطًا كبيرًا في هذه التهم، والحكم المتوقع هو الإعدام شنقًا في ميدان التحرير؛ لأنه هو المحرض على قتل المتظاهرين، وبالتالي هو الفاعل الأصلي للجرائم.

 

ويختتم كلامه قائلاً: إن المحاكمة ستكون على أعظم ما يُقال، وسيشهد اليوم مهرجانًا قانونيًّا، وكل واحد سيأخذ حقه، سواء المتهمون أو الشعب وأمهات الشهداء.