لم يكن أحد يتصور أن يرى الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك داخل قفص الاتهام وبجواره نجلاه علاء وجمال ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي و6 من كبار مساعديه، ولكنها الحقيقة التي أكدتها ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي دفعت بالرئيس الأقوى في المنطقة العربية خلف القضبان.

 

منذ اللحظة الأولى لوجودنا داخل قاعة المحاكمة بأكاديمية الشرطة ونحن نترقب اللحظة التي سوف يدخل فيها مبارك القفص، وماذا سيكون رد فعل الموجودين داخل القاعة، وكانت البداية بحبيب العادلي الذي كان أول من وقف أمام بوابة القفص الحديدي قبل بدء الجلسة بلحظات، ومن خلفه علاء مبارك؛ ليسمح لهم مع بقية المتهمين بدخول القفص في لحظة لن ينساها؛ سواء من كانوا داخل هذا القفص أو من كان خارجه.

 

مصحف علاء وكبرياء جمال

دخل علاء مبارك يحمل في يديه مصحفًا، ولكنه كان منكسرًا، أما جمال فقد شارك شقيقه الأكبر في حمل مصحف آخر بغلاف جلدي ولونه أصفر، إلا أن الفرق بينهما كان كبيرًا؛ فلم يكن جمال مثل شقيقه منكسرًا، ولكنه حاول الحفاظ على نفس الغرور والكبرياء والثقة المفرطة، وهو ما كان واضحًا في حركاته التي اعتدنا عليها عندما كنا نلتقيه في مؤتمر أو أي لقاء يجمعه بالصحفيين، فهو دائم النظر في ساعته ينتظر انتهاء اللقاء، وقد كان هذه المرة أيضًا ينتظر انتهاء الجلسة، ولكن الفرق أنه لم يكن يملك فيها أي قرار.

 

جمال وعلاء وقفا طوال الجلسة التي امتدت لأربع ساعات تخللتها استراحتان، مدة الأولى 35 دقيقة، بينما اقتربت الثانية من الساعة، وقد حرص كلاهما على أن يحجبا بجسدهما مكان رقاد والدهما عنن كاميرا التليفزيون التي كانت تقف على بعد 4 أمتار من قفص الاتهام، وهو القفص الذي صمم بمواصفات خاصة تناسب طبيعة الموجودين فيه؛ حيث تم تغليفه بشبكة حديد تعيق رؤية من بداخله عن بعد، كما تم وضع ستارة من السلك الصلب بفتحات لا تتجاوز الواحدة نصف سنتيمتر بالجانب الأيمن لمكان وجود سرير حسني مبارك؛ حتى تقتصر زاوية الرؤية والتصوير على مكان محدد لا يتجاوز الربع متر ولا يظهر إلا وجهه، بينما بقية جسده يصعب رؤيته، كما كان أعلى القفص مروحتان كبيرتان لتهوية القفص، تم تركيبهما خصيصًا لهذه المحاكمة.

 

حوارات غير مفهومة

داخل القفص كان هناك حوارات عن بعد بين مبارك ووزير داخليته، وكان الطرف الوسيط فيها علاء مبارك الذي قام أكثر من مرة بالاستماع إلى والده ثم الذهاب إلى العادلي، وبعدها يعود لوالده، في حوار لا يعرف أحد تفاصيله، إلا أنه وخلال وجود المتهمين جميعًا في القفص لم يحدث بين العادلي ورجاله أي حوار مع مبارك؛ الذي ظل موجودًا بالجانب الأيمن من القفص، وحتى عند دخوله وخروجه كان جمال وعلاء هما اللذان يقومان بتحريك السرير.

 

العادلي جلس داخل القفص في الصف الأول بينما تفرق بقية رجاله على بقية الصفوف، ولم يحدث بينهم أيضًا أي حوار، بينما جرت حوارات أخرى بين المتهمين وبعض الضباط الذين خدموا معهم لفترات مختلفة، وبعضهم من وضح عليه التأثر وهو يرى رؤساءه داخل القفص، والبعض الآخر لم يُعنه الأمر.

 

8 كاميرات

يذكر أن أكاديمية الشرطة هي آخر مكان شارك فيه مبارك في احتفال رسمي، وذلك قبل قيام الثورة بيوم خلال الاحتفال بأعياد الشرطة يوم 24 يناير، أما القاعة التي تمت فيها المحاكمة فهي تسع لأكثر من 1000 شخص، إلا أن التصاريح التي صدرت كانت لما يقرب من نصف العدد، والذي توزع بواقع 50 للتليفزيون المصري الذي نقل الجلسة باستخدام 8 كاميرات، بالإضافة إلى وحدة للبث الخارجي، فضلاً عما يقارب 100 صحفي مثَلوا كل الصحف المصرية، بالإضافة إلى مواقع الإنترنت واسعة الانتشار، بينما لم يسمح لمراسلي القنوات الفضائية بالوجود داخل القاعة، كما لم يسمح إلا لأربعة من أسر الشهداء والمصابين بحضور الجلسة، في الوقت الذي ملأ فيه أفراد الأمن المركزي بقية القاعة.

 

ومما يلفت النظر أن أفراد الأمن المركزي الذين جلسوا في نفس المدرج الموجود به القفص كانوا بزيٍّ مدني لم يتجاوزوا طاقمين فقط، الأول مكون من قميص أزرق وبنطلون رمادي، وكان الثاني بالعكس أي قميص رمادي وبنطلون أزرق.