المقصود بعلوم القرآن:

 

قال الصابوني: يُقصد بعلوم القرآن الأبحاث التي تتعلق بهذا الكتاب المجيد الخالد من حيث النزول، والجمع والترتيب، والتدوين، ومعرفة أسباب النزول، والمكي منه والمدني، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، وغير ذلك من الأبحاث الكثيرة التي تتعلق بالقرآن العظيم، أولها صلة به.

 

والغرض من هذه الدراسة فهم كلام الله- عزَّ وجلَّ- على ضوء ما جاء عن رسول الله صلى عليه وسلم من توضيحٍ وبيان، وما نُقل عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين حول تفسيرهم لآيات القرآن، ومعرفة طريقة المفسرين وأساليبهم في التفسير، مع بيان مشاهدهم ومعرفة خصائص كلٍّ من المفسرين، وشروط التفسير، وغير ذلك من دقائق هذا العلم (1).

 

ويقول د. محمد بكر إسماعيل: "وتعريف علوم القرآن بالمعنى الإضافي: "هو عبارة عن طوائف المعارف المتصلة بالقرآن"، وهذا التعريف يشمل بعمومه جميع العلوم الشرعية من التفسير والحديث والفقه، وأصول الفقه، وجميع العلوم التي تعين على فهم معانيه ومقاصده، كالعلوم اللغوية والتاريخية وغيرها، فكل ما يتصل بالقرآن من قريبٍ أو من بعيد داخل تحت هذا التعريف.

 

غير أن المشتغلين بدراسة القرآن الكريم فيما يبدو لنا يقتصرون في بحوثهم على العلوم الوثيقة الصلة بالقرآن الكريم، والتي تعين على فهمه بطريق مباشر، وانفرد التفسير عن هذه العلوم بالتأليف والتصنيف، مع أنه داخل فيها لمسيس الحاجة إليه أكثر من غيره عند جميع المكلفين بلا استثناء أما غيره من علوم القرآن، فلا يكاد يحتاج إليه إلا المتخصصون في دراسة كتاب الله تعالى على نحو يمكنهم من تفسيره للناس، تفسيرًا صحيحًا، وفق هذه العلوم التي يعنون بدراستها (2).

 

ومما يلزم الداعية معرفته: أنه قد أُلِّف في علوم القرآن كتب جامعة قديمًا وحديثًا، فمن الكتب القديمة "البرهان" للزركشي، و"الإتقان" للسيوطي ومن الكتب الحديثة: "مناهل العرفان" للزرقاني، و"مباحث في علوم القرآن" لصبحي الصالح، ومثله لمناع القطان.

 

كما أُلفت كتب قديمة وحديثة في بعض أنواع من علوم القرآن، مثل "إعجاز القرآن" للباقلاني، ومقدمة في التفسير لابن تيمية، ومن الحديثة، "النسخ في القرآن" ل د. مصطفى زيد، و"الظاهرة القرآنية" لمالك بن نبي، "الأمثال في القرآن" لعبد الرحمن حبنكة وغيرها.

 

وسوف نتناول بإذن الله أهم هذه المؤلفات الجامعة في علوم القرآن في هذا العدد، ثم نتناول بإذن الله النوع الثاني، وهو الكتب التي أفردت بعض أنواعه في التصنيف.

 

الكتب الجامعة في علوم القرآن:

1- البرهان في علوم القرآن

مؤلفه: الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، أحد العلماء الأثبات الذين نجموا بمصر في القرن الثامن، وُلد بالقاهرة عام 745ه، تفقه بمذهب الشافعي، وحفظ كتاب المنهاج للنووي، وكان من أرباب الاجتهاد، وهو أيضًا علمٌ من أعلام الفقه والتفسير وأصول الدين، من مؤلفاته: إعلام الساجد بأحكام المساجد، والبحر المحيط في أصول الفقه وتخريج أحاديث الرافعي الكبير، وغيرها من المؤلفات، توفي رحمه الله بمصر عام (1194ه) (3).

 

كتابه: يقع الكتاب في أربع مجلدات ضخمة بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ونشرته المكتبة العصرية ببيروت، وكتاب البرهان من الكتب العتيدة التي جمعت عصارة أقوال المتقدمين، وصفوة آراء العلماء والمحققين، حول القرآن الكريم، كسره على سبعة وأربعين نوعًا، كل نوع يدور حول موضوع خاص من علوم القرآن ومباحثه يستأهل كل نوعٍ أن يكون موضوعًا لمؤلف خاص، حاول في كل موضوع أن يؤرخ له، ويحصي الكتب التي أُلفت فيه، ويشير إلى العلماء الذين تدارسوه، فأشبع الفصول، وجمع أشتات المسائل، وضم أقوال المفسرين والمحدّثين، إلى مباحث الفقهاء والأصوليين، إلى قضايا المتكلمين وأصحاب الجدل، إلى مسائل العربية وأرباب الفصاحة فجاء كما شاء الله كتابًا فريدًا في فنه، شريفًا في أغراضه، مع سداد المنهج، وعذوبة المورد، وغزارة المادة بعيدًا عن التعمية واللبس، نائيًا عن الحشو والفضول، وقد أشاد به السيوطي في مقدمة الإتقان (4)، وعدّه أصلاً من الأصول التي اعتمد عليها في كتابه، وتأسّى طريقته، وسار على دربه، ونقل كثيرًا من فصوله.

 

والكتاب فيه فوائد عظيمة، ولا يستغني عنه طالب العلم، ولم أجد كتابًا يغني عنه من غزارة المادة ومحققيها.

 

مثال: جاء في (النوع الخامس والعشرين): علم مرسوم الخط
"اعلم أن الخطَّ جرى على وجوه: فيها ما زيد عليه في اللفظ، ومنها ما نقص، ومنها ما كتب على لفظه وذلك لحكم خفية، وأسرار بهية، تصدى لها أبو العباس المراكشي الشهير بابن البناء في كتابه "عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل"، وبين أن هذه الأحرف إنما اختلف حالها في الخط بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها، ومنها التنبيه على العوالم الغائب والشاهد، ومراتب الوجود والمقامات والخط إنما يرتسم على الأمر الحقيقي لا الوهم.

 

ثم قال: الزائد وأقسامه

الأول: ما زيد فيه، والزائد أقسام: (القسم الأول: زيادة الألف)
وهي إما أن تزاد من أول الكلمة أو من آخرها أو من وسطها
فالأول: تكون بمعنى زائد بالنسبة إلى ما قبله في الوجود، مثل (لاَ أَذْبَحَنَّه) (النمل 21)، و(َلأوْضَعُوا خِلالَكُمْ) (التوبة: من الآية 47) زيدت الألف تنبيهًا على أن المؤخر أشد في الوجود من المقدم عليه لفظًا، فالذبح أشد من العذاب، والإيضاع أشد إفسادًا من زيادة الخبال واختلف المصاحف في حرفين، (لا إلى الْجَحِيمِ) (الصافات: من الآية 68) و(لا إلى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) (آل عمران: من الآية 158) فمن رأى أن مرجعهم إلى الجحيم أشد من أكل الزقوم وشرب الحميم، وأن حشرهم إلى الله أشد عليهم من موتهم أو قتلهم في الدنيا أثبت الألف ومن لم يرَ ذلك لأنه غيبٌ عنا، فلم يستوِ القسمان في العلم بهما لم يثبته وهو أولى (5).

 

2- مناهل العرفان

مؤلفه: محمد عبد العظيم الزرقاني (ت 1948)، من علماء الأزهر بمصر، تخرج في كلية أصول الدين، وعمل بها مدرسًا لعلوم القرآن والحديث (6).

 

سبب تأليفه: يقول في مقدمته: وكتبته تحقيقًا لرغبة طلابي المتخصصين في الدعوة والإرشاد من كلية أصول الدين بالجامعة الأزهرية، مستمدًّا معارفه بعد فتوح الله وتوفيقه- مما كتب علماء الإسلام قديمًا وحديثًا- في القرآن وعلومه، والتفسير ومقدماته، وعلم تاريخ التشريع، وعلمي الكلام والأصول ، وعلوم اللغة العربية ومعاجمها، وعلمي الفلسفة والاجتماع، وعلمي النفس والأخلاق، وبعض البحوث المنشورة هنا وهناك في غضون الرسائل والمجلات، من عربية صميمة، ومترجمة منقولة".

 

طباعته: الكتاب متداول في المكتبات، وله طبعات من أحسنها، طبعة دار الحديث بتحقيق أحمد بن علي ويقع الكتاب في مجلدين كبيرين.

 

مميزات الكتاب:

(1) استوعب علوم القرآن، وحقق في كل علم.

(2) سهولة العبارة، وحسن التنسيق والعرض للمباحث.

(3) دراسة المسائل وبيان الراجح مع حجة قوية.

(4) الرد على الشبهات المثارة حول القرآن.

 

* طريقة الكتاب: بدأ بمقدمة في القرآن وعلومه ومنهج التأليف، ثم قسم الكتاب إلى سبعة عشر مبحثًا.

 

فالمبحث الأول: في معنى علوم القرآن، والثاني: في تاريخ علوم القرآن، والثالث: في نزول القرآن، والرابع: في أول وآخر ما نزل من القرآن، والخامس: أسباب النزول، والسادس: نزول القرآن على سبعة أحرف، السابع: في المكي والمدني من القرآن، الثامن: في جمع القرآن وما يتعلق به، التاسع: في ترتيب آيات القرآن وسوره، العاشر: في كتابة القرآن ورسمه ومصاحفه، الحادي عشر: في القراءات والقُرَّاء والشبهات فيها، الثاني عشر: في التفسير والمفسرين وما يتعلق بهما، والثالث عشر: في ترجمة القرآن وحكمها تفصيلاً، والرابع عشر: في النسخ، والخامس عشر: في محكم القرآن ومتشابهه، السادس عشر: في أسلوب القرآن، السابع عشر: في إعجاز القرآن وما يتعلق به.

 

*مثال: جاء في "مزج العلوم الأدبية والكونية وغيرها بالتفسير، وسبب ذلك وأثره، قوله: القرآن كتاب هداية وإعجاز، وهدايته وإعجازه، يصورهما المفسر ويشرحها في تفسيره، على قدر ما فيه من استعداد ومقدرة، وعلى قدر ما عند الناس من علوم ومعارف وأفكار...." ثم قال: "ومعلوم أن المفسر لا يفسر لنفسه، إنما يفسر للناس، فكان من الواجب أن يساير أفكارهم، ويشرح ألفاظ القرآن في الظواهر الطبيعية والعلمية، وسنن الله الكونية، وقوانين الاجتماع والسياسة، وقواعد الاقتصاد والأخلاق، وسائر التشريعات الشخصية والمدنية والجنائية والحربية".

 

نقول: يجب على المفسر أن يشرح ألفاظ القرآن في ذلك كله وفيما يشبهه، بالطريقة العلمية المألوفة لهم، وبالأفكار الغالبة عليهم، الملائمة لأذواقهم، وإلا فما بلغ رسالته، ولا أدَّى أمانته، وكان يخاطب العالم بغير ما يفهمون، ويدخل إليهم من غير الباب الذي يدخلون؟

 

هذه هي الأسباب التي جعلت التفسير يمتزج بالعلوم الأدبية والكونية وغيرها، وجعلت العلوم الأدبية والكونية، تحتل مكانها في كتب التفسير، وإن كان هذا الامتزاج يختلف قوةً وضعفًا، وقلةً وكثرة، وتوفيقًا وخذلانًا، باختلاف مواهب المفسرين، واستعداد الجمهور، وتقدم الزمان وتأخره في هذه العلوم.

 

فتفاسير الزجاج وأبي حيان وأضرابهما مليئة بالمباحث النحوية، وتفاسير الزمخشري وأبي السعود وأشباههما مليئة بالمباحث البلاغية، وتفسير الخازن ومن لف لفّه مليء بالأخبار والقصص، وتفسير الجواهر للعلامة الجوهري مليء بالعلوم الكونية.

 

ثم فصل في آثار امتزاج هذه العلوم الكونية في التفسير، ثم شروط لا بد منها، وقال في الشروط:

 

1- ألا تطغى تلك المباحث على المقصود الأول من القرآن، وهو الهداية والإعجاز.

2- أن يلاحظ في امتزاج التفسير بتلك العلوم، ما يلائم العصر، ويوائم الوسط.

3- أن تذكر تلك الأبحاث على وجه يدفع المسلمين إلى النهضة، ويلفتهم إلى جلال القرآن (7).

 

3- مدخل إلى القرآن الكريم

ومؤلفه: الأستاذ أنور الجندي، باحث إسلامي عمل في مجال الدعوة الإسلامية منذ عام 1940، ووجه جهوده نحو الصحافة الإسلامية، فاشترك في تحرير عدد من الصحف الإسلامية، واشتغل بالدراسات الإسلامية والتراجم وتاريخ الأدب العربي المعاصر، وتخصص في دراسات قضايا التغريب والغزو الفكري، ونقد أبحاث المستشرقين وأصدر موسوعة مقدمات العلوم والمناهج في عشرة مجلدات، كما أصدر موسوعة "معلمة الإسلام"، تُوفي رحمة الله عليه في عام 2002م.

 

طباعته: طبعته دار الاعتصام وعدد صفحاته 154 صفحة.

منهج الكتاب: بدأ الكتاب بآفاق البحث وخمسة أبواب:

ففي آفاق البحث (مدخل إلى التعريف بالقرآن- وخصائصه- الوحي ونزول القرآن- وحدة الرسالات الحكمة هي السنة).

 

وفي الباب الأول: قضايا القرآن (لغة القرآن- براءة القرآن من الألفاظ الأعجمية- الأحرف السبعة- المحكم والمتشابه- التكرار في القرآن- أسلوب القرآن- فواتح السور- تلاوة القرآن- قدسية الخط العربي- ترتيب القرآن- الفواصل في القرآن- الأمثال في القرآن- نبوءات القرآن- القرآن ودعاوى الحفظ- الأرقام في القرآن).

 

وفي الباب الثاني: القرآن واللغة العربية (فضل القرآن على اللغة العربية- أثر القرآن في البلاغة العربية- القرآن والأدب العربي- اللغات العربية واللهجات- أسلوب القرآن في المحاجة والجدل- اللغة العربية وكلمات القرآن- إعجاز القرآن- قصص القرآن).

 

وفي الباب الثالث: منهج القرآن في بناء المجتمع والحضارة (القرآن وبناء المجتمع- تشريعات القرآن- التربية والقرآن- القرآن والتاريخ- سنن الله في الكون والمجتمع والحضارة- القرآن وأصول التفكير الاجتماعي- قوانين القرآن- الشخصية الإنسانية في القرآن- القرآن والعمران).

 

الباب الرابع: القرآن والمنهج العلمي والإعجاز العلمي (علوم القرآن- القرآن والعلم- القرآن والمنهج العلمي الإسلامي- القرآن مصدر المنهج العلمي الحديث- الإعجاز العلمي في القرآن- مكانة الفكر والمعرفة في القرآن).

 

الباب الخامس: القرآن والفكر الإسلامي (القرآن حجر الأساس- تفسير القرآن- القرآن والكتب المقدسة- مسألة خلق القرآن- ترجمة معاني القرآن- القرآن والمؤامرة عليه- اعتراف عالمي بالقرآن- الحمل على القرآن).

 

مثال: جاء تحت عنوان "التربية والقرآن" قوله:

"يقرر الباحثون أن المنهج التربوي في القرآن يقوم على أسس ثلاث:

1- المحاكمة العقلية.    2- القصص والتاريخ.  3- الآثار الوجدانية.

 

أما المحاكمة العقلية: فتقوم على تعريف الإنسان بذاته قبل كل شيء فقد تناول خطاب القرآن الحديث عن الإنسان وأصله وجوهره وكيفية نشأته وتكاثره (في سورة البقرة)، كما أبان أن جميع المعارف التي يكتسبها الإنسان إنما هي فرع لمعرفة سابقة هي معرفته لذاته، أي معرفة العقل ووظيفته وتركيب النفس والجسم والعلاقة بين الإنسان والكون، فإذا توفر الإنسان على معرفة ذاته وحدود إمكانياته توصل إلى معرفة ربه الخالق العظيم وقصة هذا الكون في مبدأه ومجراه ونهايته ويركز القرآن على خلق الإنسان (فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)) (الطارق).

 

أما القصص والتاريخ: فقد عرض القرآن عديدًا من أحداث التاريخ وقصص السابقين قال تعالى: (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ) (طه: من الآية 99) وكيف عملوا وكيف جرت عليهم سنة الله.

 

وأما الآثار الوجدانية: فهي عمدة المربي وقاعدة التربية، وهي مزيج معتدل من عناصر العواطف الثلاثة:

 

(عواطف دافعة: كالفرح والأمل والرغبة).

(وعواطف رادعة: كالخوف والخشية والاتفاق).

(وعواطف مجمدة: كالإعجاب والحب والتقديس).

فالتربية تقوم علي أساس (أمل- خوف- حب) في توازن تام
وكتاب الله يقدم الإثارة الوجدانية في اعتدال وتكافؤ....... إلخ (8).

كتب أخرى في علوم القرآن:

1- الإتقان في علوم القرآن        للإمام السيوطي

2- التبيان في علوم القرآن        لمحمد علي الصابوني

3- مباحث في علوم القرآن        لمناع القطان

4- دراسات في علوم القرآن.                 د. محمد بكر إسماعيل

5- دراسات في علوم القرآن            د. أمير عبد العزيز

------------

* الهوامش:

1 - التبيان في علوم القرآن للصابوني (ص6)

2 - دراسات في علوم القرآن د. بكر إسماعيل (ص 12)

3 - دراسات في علوم القرآن د. بكر إسماعيل (ص 12)

4 - الإتقان للسيوطي (ص 6، 7)

5 - البرهان (1/381)

6- الأعلام للزركلي (6/210)

7- مناهل العرفان (1/82- 86)

8- مدخل إلى القرآن لأنور الجندي (ص 135)