لا شك أن نظام حسني مبارك الفاسد حرم مصر من عطاء الإسلاميين حينًا من الدهر، فكان يلاحقهم في المدرسة والجامعة والنادي والنقابة، وكل موقع يوجدون فيه، وكان لا يتورَّع عن الزجِّ بهم في غياهب السجون بتهم ملفقة وقضايا مختلقة.
البعض قد يتفهَّم تصدِّي النظام المستبدّ المخلوع لهذا التيار أو ذاك؛ لكونه يؤمن بالعنف أو يروّج لأفكار دخيلة على مجتمعنا، هذا مع تحفُّظنا على المعالجة الأمنية واعتبارها حلاًّ وحيدًا، لكنَّ الذي لا يمكن تفهُّمه على الإطلاق هو أن يقف النظام بآلته القمعية وأجهزته البيروقراطية حجر عثرة بين تيار سلمي تصالحي، نهضوي التوجه، وسطي الفكر؛ هو تيار الإخوان المسلمين، وبين خدمة وطنه، لدرجة أنه كان كلما رغب هذا التيار وألحَّ في المشاركة عبر المؤسسات الدستورية ووفق القواعد التي وضعها هذا النظام الغشوم، أو حتى تقديم مساعدات لمنكوبي الزلزال اضطهده بشراسة وغيَّب أقطابه ورموزه في ظلمات الزنازين!!.
أتذكر هذا المشهد المثير للألم والحزن ونحن نتابع جهود نواب حزب الحرية والعدالة وتواصلهم مع المجتمع والسلطات التنفيذية منذ إعلان نتائج المرحلتين الأولى والثانية، فكل يوم نقرأ ونسمع ونشاهد تحركات جديدة لهؤلاء النواب المنتخبين، تارةً يتدخلون لحل مشكلة أنبوبة البوتاجاز، وأخرى يعقدون لقاءً مع أحد المحافظين لبحث وحلحلة مشكلات المحافظة وتقديم المبادرات التنموية، وثالثة مع الأجهزة الأمنية لتأمين الكنائس ووضع حلول لهذه الأزمة أو تلك، ورابعة يقدمون مذكرةً لمشروع تطوير سكك الحديد كما فعل نواب الفيوم، وخامسة يقدمون خطةً مدروسةً لتنمية سيناء، وسادسة يوفرون فرص عمل لأبناء الدائرة كما فعل نواب الإسكندرية وسابعة وثامنة.. إلخ.
هذه بداية تبشِّر بالخير والأمل؛ لأننا بكل تأكيد أمام دماء جديدة.. دماء تربت ونشأت وترعرعت على ثقافة البذل والتضحية وخدمة الناس.. دماء حاولت أن تنحت لنفسها، موقعًا وتطوِّر من اجتهاداتها وأطروحاتها.. دماء أبعدها النظام البائد قسرًا عن الفعل السياسي، وها هي تنطلق إلى فضاء العمل الرحب؛ لتدشِّن مرحلةً جديدةً في تاريخ مصر، وتقدم رموزًا للعمل والعطاء، نتابع إرهاصاتها بكل تفاؤل.
نحن بالفعل أمام تيار يحمل الخير لمصر.. تيار صاحب برنامج نهضوي ورؤية واضحة، لديه عناصر بشرية من مختلف التخصصات والكفاءات، وفي الوقت نفسه يعلي من شأن قيم المشاركة والتوافق والتحالف مع كل القوى والأحزاب، ويمدُّ يده للجميع سعيًا لإخراج الوطن من المرحلة الانتقالية وتداعياتها؛ تمهيدًا لانطلاقته ونهضته.
في عصور قد خلت كنا لا نرى نواب الحزب الوطني المنحل إلا في مواسم الانتخابات يقدمون الرشى للناس؛ لاستجداء أصواتهم مستغلين أوضاعهم البائسة، وما إن تزور الانتخابات ويخرج علينا مهندسوها بدءًا من الرئيس المخلوع وعصابته (عز والشريف وسرور وجمال والعادلي)؛ ليمنحوهم شرعية سرقة إرادة الأمة التي زوَّرت بليل، حتى يختف النواب المبجلين تمامًا عن أنظار الناخبين، ولا حس ولا خبر، ولا مشاريع ولا يحزنون، ولا عهود ولا وعود، وكأن حصولهم على مقاعد العظمة والأبهة بتزوير إرادة الناس هو نهاية المطاف، فكانوا لا يزعجون أنفسهم بأفكار أو مشاريع أو برامج عمل، فكل شيء معلب وجاهز، ولم يكن مطلوبا منهم لا رقابة ولا تشريع، فقط إن اقتضى الأمر التصفيق والتطبيل.
ومن ثم فإن المصريين يتطلعون إلى برلمان ثورة حقيقي ينتشل البلد من الفساد كأول إنجاز من مكتسبات ثورة 25 يناير المجيدة، ويؤسس لبنية تشريعية تصحح جميع الأوضاع المختلة في المجتمع المصري وترسي فيه قيم الأمن والعزة والعدالة والكرامة والمساواة واحترام حقوق الإنسان، لا سيما أن مجالات كثيرة لم تطلْها الثورة حتى الآن، وما زال فلول النظام البائد يعيثون فيها فسادًا، وعلى نواب الحرية والعدالة بوصفهم التيار الأغلب بإذن الله تحت قبة البرلمان أن يكونوا مثلاً يُحتذى في الرقابة والتشريع والتعاون مع السلطة التنفيذية والتعبير عن تطلعات الشعب المصري وآماله.
-------
* [email protected]