يقال إن اسم أراجوز قد جاء من القراقوز، وهو اسم السلطان التركي الذي حكم في عهد الإمبراطورية العثمانية، وكلمة قراقوز تعني حرفيًّا "أسود العينين"، ويقال إن فن الأراجوز له أصول في الصين، ووصل إلى مصر في حوالي القرن الثاني عشر أو الثالث عشر، ومن أجل العرض في أي مكان وفي أي وقت، فإن محرك عرائس الأراجوز يلف نفسه على هيئة خيمة أو يجلس وراء شاشة لتحريك قفازات الدمى فلا يظهر للجمهور، هذا هو تاريخ مسرح الدمى (العرائس) قديمًا.

 

أما الآن فقد أُدخلت عليه أحدث النظم وأصبح "الأراجوز" بمثابة ساحر يبهر عقول المتفرجين لقدرته الفائقة على تحريك كل هذه الدمى في آن واحد، تعدد بعد ذلك ورود الأراجوزات إلى مصر واحدًا تلو الآخر، فمرة من فرنسا مع نابليون بونابرت ثم تبعه ديليسبس ثم المندوب السامي ثم ظهر مايلز كوبلاند وكشف عبر كتابه لعبة الأمم عن مسرح جديد كان يعد هناك في مبنى الـ cia ليخلف المسرح الملكي الذي عزف عنه الجمهور، فقد قاموا بإعداد بطل العرض الجديد الذي من كفاءته أُطلق على نظام حكمه "طراز الحكم الناصري" واستمر هذا الطراز فاعلاً إلى أن ثار الجمهور على المسرح العفن الذي أزكم الأنوف عبر 59 سنة عجفاء كان أكثرها إرهاقًا وتعبًا وضنكًا للجماهير المحتشدة لرؤية العرض تلك العشرون سنة الأخيرة التي باع فيها الجمهور حتى ملابسه الداخلية ليستمر في رؤية العرض، ويستمتع بقزقزة اللب وشرب العصائر وبطنه يتلوى من الجوع، وجسمه يرتعد من البرد، إذن ثار الجمهور العاري والجائع والمقهور على المسرح وأراجوزه التقليدي، فهرعت إدارة المسرح وبسرعة إلى إعداد أراجوز جديد لا بد من التمهيد له عبر إدارة فوضى خلاقة على المسرح تعطي الدمى طرفها ولا تسالها عن نهايتها، فهي آلية التسيير بعد ذلك، إن الأراجوز الحديث القادم إلى مصر بعد ثورتها يدرك تمامًا أنه إذا انقلب المسرح عليه هذه المرة فلن يكون له رجعة لا إلى مصر ولا إلى المنطقة بأسرها؛ لسبب بسيط هو أن هذه الدولة أمة وحدها، مارد إذا استيقظت، ولذلك ترى التركيز الشديد على هذا المسرح خوفًا من ضياعه، والذي بفقدانه تفقد إدارة المسرح المنطقة كلها.

 

أبطال العرض (الدمى) إن أبطال هذا العرض محليون وطنيون يمثلون كل الشرائح، فهذا ادعى ألا يثور الجمهور عليهم!! فهم يتنوعون بين دمى كانت تعمل لصالح الدمية المخلوعة في العرض السابق، لها مصالح وأموال وعليها قضايا تعمل جاهدة على إشغال الرأي العام بقضايا فوضوية، ودمى في المؤسسة الأمنية احتفظت بمواقعها التي كانت تعمل من خلالها على المسرح السابق، ودمى الأحزاب المختلفة والمصنوعة أحيانًا من قبل إدارة المسرح في معامل الـcia  المتطورة!!!، والدمى الإعلامية وهي من أخطر الدمى؛ لأنها تعيد صياغة العقول المسترخية في المنازل ترقب الأحداث على الشاشات، ودمى في المجلس العسكري!!! وأخطر هذه الدمى وصاحبة دور البطولة في العرض هم "الثوار الموجهون".

 

ولنستعرض سويًّا بعض أدوار هذه الدمى على الساحة دمى النظام البائد: هذه الدمى كما أسلفنا لها مصالح وأموال مكدسة من دماء الشعب المقهور، وتترقب محاكمتها بين الحين والحين على قضايا فسادها وإفسادها، وكانت تعمل لصالح الدمية المخلوعة في العرض السابق، وهي تعمل جاهدة على إشغال الرأي العام بقضايا فوضوية ونشر الرعب والانفلات الأمني في الشارع عبر خطة مبرمجة أمدتها بها إدارة المسرح حتى ينبري الناس قائلين: "وما لنا وللثورة.. يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب مبارك يوم أن ثرنا عليه، لقد كان يؤمن لنا رغيف الخبز المحشو بالمسامير وأصناف الخضروات المسرطنة والزيوت غير الصالحة للاستخدام الآدمي، غير أنا كنا في أمان وأمن وذلة يسافر المصري إلى أي بلد في العالم حتى إلى أحراش إفريقيا فيقابل بالاستهزاء والاستخفاف!!".

 

هذا الإشغال بالفوضى سيتيح لهم تهريب وتحويل ما تبقى من أموال إلى حساباتهم عند مدير مسرحهم القديم، ولا يدرون لغبائهم أنهم يقدمون لهم دماء وعرق شعبهم على طبق من ذهب، وأدواتهم في ذلك معروفة من أرباب السوابق والمسجلين خطر والبلطجية الذين لا يحتاجون إلى كثير توجيه ليؤدوا عملهم على أكمل وجه.

 

دمى الأجهزة الأمنية المختلفة:

لقد كانت هذه الدمى موجودة على المسرح السابق غير أن إدارة المسرح الجديد رأت أن تلبسها ملابس جديدة، وتستعين "بماكيير" ماهر يستطيع أن يوحي إلى الجمهور عبر براعة فائقة بأنه بدل الشخصيات والأسلوب، لقد عملت هذه الدمى أول ما عملت على إطلاق أرباب السوابق والمسجلين خطر من السجون، والتراخي المتعمد في القبض عليهم، وترك الساحة لهم خالية ليعيثوا في الأرض فسادًا، ويروعوا المواطنين؛ لتكتمل سلسلة الآهات المريرة على الزمن القبيح.. زمن المخلوع!!، وأصدروا الأوامر لقادتهم الميدانيين بعدم التعرض لهؤلاء البلطجية والمخربين لكي يعلم الشعب ابن الـ"...." أنه ارتكب جرمًا كبيرًا يوم أن قام بثورته على العرض السابق.

 

كذلك أصدروا الأوامر (وكل ذلك بتحريك الأراجوز الكبير) بضرب المتظاهرين بكلِّ ما كان مدخرًا وما تم استيراده لتجربته من أسلحة القمع المباحة والمحرمة دوليًّا لكي يزيدوا النار وقودًا وحطبًا، وليتساءل المتظاهرون سؤالاً تكرر على كثير من الألسنة: أين هذه الجحافل المدججة بمختلف أنواع الأسلحة من الانفلات الأمني والبلطجية الذين يعيثون في الأرض فسادًا؟ لماذا لم يقبضوا عليهم؟ ولماذا لم يمنعوا هذا الانفلات وهم بهذه السطوة والقوة عكس ما يدعون من انهيار جهازهم الأمني؟ وتأتي الإجابة مؤلمة: إنهم يشكلون فريق عمل واحدًا متكاملاً، فالبلطجية طابور من طوابير الأجهزة الأمنية!!!.

 

ويتكرر سيناريو "عبد الله بن سبأ" الذي جند فريقين؛ فريقًا في جبهة السيدة عائشة وطلحة والزبير، وفريقًا في جبهة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)؛ حيث يقوم كل فريق يرشق الجيش الآخر بالسهام فتشتعل المعركة "معركة الجمل" سبحان الله حتى الأسماء متشابهة!!! فالسيناريو يقول بمهنية سبأية: فريق يندس إلى المتظاهرين فيضرب قوات الأمن بالخرطوش ويحاول اقتحام مراكز الشرطة ومديريات الأمن ومعه جمهور ثائر مكلوم لا يدري ما يُفعل به، وفريق في الأجهزة الأمنية كلما حاول العقلاء تهدئة الثوار؛ قنصوا مجموعة منهم فأردوهم شهداء فتزداد نار الفتنة اشتعالاً، ولا يعلم مداها إلا الله، عند ذلك تزداد قناعة المتظاهرين بأن المسرح القديم ما زال قائمًا فتزداد ثورتهم اشتعالاً لقلب النظام البديل المؤقت، والذي يعني وللأسف قلب البلاد رأسًا على عقب، وانتشار الفوضى والخراب، وهذا ما يخطط له ذلك الأراجوز الخبيث!!.

 

الدمى الحزبية: هذه الدمى بما تدعي لها من فضل في الثورة تنفذ برنامجًا معدًا كذلك من قبل إدارة المسرح يتلخص في العمل على استمرار عملية إثارة الجماهير عبر وسائل الإعلام المختلفة، والتي بها أيضًا دمى صديقة تنفذ نفس البرنامج إعلاميًّا، ولها برامج وحوارات وقبول لدى الجماهير التي لا تعرف ارتباطاتها المشبوهة، وقد انكشف للقاصي والداني ارتباط كثير من هذه الدمى المحسوبة على الأحزاب الوطنية والقنوات الفضائية والبرامج الحوارية بالمؤسسات والهيئات المشبوهة التابعة أكاديميًّا لإدارة المسرح مثل: مؤسسة فريدم هاوس؟!

 

المعهد الجمهوري الدولي؟! والمعهد الديمقراطي الوطني؟! ومجموعة الأزمات الدولية؟!

 

المركز الدولي للصراعات غير العنيفة؟! وحركة اتبور؟! ومركز كنفاس؟! والمجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية؟! ومعهد أينشتاين للدراسات السياسية؟! وستيفان مكيانيرني مدير مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط؟! وجين شارب؟! وبيتر اكيرمان؟! وجارد كوهين؟! وجاسون ليبمان مؤسس هوكسات؟! وغيرهم!!!، والذين يتخذون من برامجهم ذات العناوين الخداعة سبيلاً للوصول إلى الجماهير وغسل أدمغتها، وإن شئتم ابحثوا عن أسماء قادة بعض الأحزاب في هذه المؤسسات وستجدون ما يصدمكم، فهذه المؤسسات المشبوهة ما هي إلا وجه آخر للماسونية الحديثة التي تسعى للسيطرة على مراكز المفاتيح في الدول كافة عبر مستخدميهم المنتمين إليهم سرًّا أو جهرًا، فلا فرق في زمن الفسطاطين (فسطاط الإيمان وفسطاط النفاق)!!.

 

أخطر الدمى!! بعض الثوار: حقيقة ترددت قبل أن أكتب هذا العنوان لأنه يطعنني في مقتل، ولكن عزائي في ذلك أن المقصود ليس معظم أو كل الثوار ولكن جزءًا ضئيلاً منهم غير أنه مؤثر لما يتاح له عبر تلك المنظومة الإعلامية الآسنة من حضور إعلامي، وتلميع مقصود بهدف تقديمهم كقادة للثوار، وأغلب الظن عندي أن معظم هؤلاء الدمى من الثوار يلعبون أدوارهم على المسرح بدون علم منهم بطبيعة وهدف ومكر مَن يحركهم من أعلى؛ ذلك الأراجوز الخبيث الذي جلس منه إبليس مجلس التلميذ من معلمه، إن هؤلاء الثوار دفعهم القهر والظلم من النظام السابق إلى الاتجاه نحو أي اتجاه يخلصهم من المسرح القديم حتى ولو وقعوا ضحية إدارة المسرح ومؤسساته المشبوهة، إنهم يتصرفون بحسن نية، ولكن حسن النية لا يكفي في مواجهة أخطبوط كبير يحيط بمصر من كلِّ جوانبها، وقد يلاحظ الثوار المُضَلَّلون أن من بينهم من يحفزهم على الهجوم على الأمن لردعه ثم لا يلبث أن يختفي تاركًا إياهم في المواجهة وحدهم ولو استرجع كل ثائر حسن النية ذاكرته قليلاً لتذكر مَن كان يدفعه ويحفزه للهجوم ثم يختفي من المشهد، إن خطورة هذه الدمى تكمن فيما تملكه من فورة وحماسة واستعداد لبذل الروح والدم فداءً للوطن كما يُصور لهم، فهم يمثلون لإدارة المسرح العمود الفقري لوقود الفوضى المنظمة، ولذلك يسعون دائمًا لحصارهم من كل الجهات حتى لا يقعوا تحت دائرة العقل والمنطق للحظات ليكتشفوا أنهم كانوا مطية لتحقيق أهداف إدارة المسرح التي تروج أن نظرية المؤامرة خرافة وغير حاضرة، وهذا من ضمن مخطط التغييب الإعلامي لأنشطتهم المشبوهة.

 

دمى من القيادات العسكرية: هل قام الدكتور يحيى الجمل بقدح زناد فكره ليروج للمبادئ الدستورية الحاكمة؟، ثم هل قام خلفه الدكتور علي السلمي بصنع قنبلته المسماة "وثيقة السلمي" من تلقاء نفسه؟، هل ما ترتكبه الشرطة العسكرية في معتقلاتها غائبًا عن كل أعضاء المجلس؟.. وهل وهل وهل؟ أسئلة كثيرة يثيرها شباب الثورة أدى عدم الإجابة عنها إلى اقتناعهم بتآمر المجلس العسكري برمته على الثورة ومكاسبها، وهذا غير حقيقي إجمالاً أما تفصيلاً فنتصور أنه كما أن لبعض الأجهزة الأمنية والأحزاب السياسية وبعض الثوار ارتباطات مشبوهة؛ كذلك فإن لبعض أعضاء المجلس لا كلهم هذه الارتباطات، وإن كانت تتسم بمهنية أعلى من حيث التخفي وأخذ الحيطة والحذر نظرًا لحساسية الموقع الذي يشغله أي من هذه القيادات، إن دور هذه القيادات داخل المجلس العسكري إنما يقوم على مبدأ الإقناع والتخويف لباقي الأعضاء، والذي له له عنوان رئيسي هو مصلحة مصر العليا التي تتنافى مع وصول الإسلاميين إلى السلطة في البلاد عن طريق انتخابات حرة، والتحامهم مع إمارة غزة "هكذا يسمونها"، ووضع مصر الدولي والمعاهدات المبرمة مع الصهاينة وأمريكا والمعونة الأمريكية!!! كل هذه القضايا تثار في الاتجاه السلبي نحو إقصاء الإسلاميين بأي طريقة أو حتى تكبيلهم بمبادئ دستورية حاكمة يكون الجيش حاميًا لها كما كان الجيش التركي حاميًا للعلمانية!!!.

 

الخروج عن النص: إن المطلوب الأهم الآن من جماهير الشعب المصري هو الخروج عن هذا النص البغيض بعد أن اتضحت صور المؤلف والمخرج والأراجوز المحرك لكل هذه الدمى، والخروج عن هذا النص يتطلب التكاتف والتعاون بين كلِّ أطياف الشعب المصري مع جيشه العظيم الذي تحسدنا عليه كثير من دول الجوار، وأن نتغاضى عن مساوئ المجلس العسكري؛ لأنه يمثل رأس الجيش وقيادته والذي يحرص كل عاقل على أن يظل متماسكًا في كلِّ مفاصله ليواجه الأعداء الحقيقيين لمصر والعالم العربي، وندعو بهذا الصدد المجلس العسكري إلى تطهير نفسه ممن يعرفهم جيدًا!!! ولنكمل مسيرة ثورتنا المباركة؛ لأن هذا هو الطريق الوحيد للخلاص من هذا السيناريو البغيض، ولنترك اللاعب الكبير الأراجوز الساحر يعد نصه الجديد، ويبحث عن دمى جديدة على ساحتنا، فهو لن يهدأ حتى يشغله الله بنفسه، ولن يبعده عنا إلا تكاتفنا مع بعضنا البعض جيشًا وأحزابًا وثوارًا ومسلمين ومسيحيين وإخوانًا وسلفيين وليبراليين وعلمانيين؛ يجمعنا هدف واحد لا غير هو حب مصر والمحافظة عليها من أن تستدرج إلى مهاوي الردى.

 

-----------------

*[email protected]