كثيرًا ما نرى في حدائق الأطفال والملاهي وحتى في الأسواق أطفالاً لا يكفون عن الإلحاح.. يلتفت الجميع وينظرون بشفقة إلى الأم التي تحاول جاهدة أن تكفه عن تكرار طلبه باستماتة، وإقناعه بعدم إمكانية تحقيقها الآن، وهو ما يزال يكرر طلبه بصوت يثير الأعصاب، وما تلبث الأم أن تبدأ في الغضب منه وتهديده، وهو يزداد إصرارًا ويعلو صوته أكثر ثم يبدأ في البكاء وتبدأ الأم في سلسلة من الضغوطات عليه بصوت غاضب تارة وبوعد تارة أخرى، وبحركات لإخافته بيدها ثم تجرُّه بعنف معها هروبًا من الموقف، ومحاولة أخيرة يائسة للنجاة من براثن إلحاحه المغرق!!

 

إن ذلك يتم مع كل أم وأب في كل بيت بلا استثناء، والمشكلة الحقيقية ليست في استثارة الطفل لأعصابهما، ولكنها في أمور عدة منها:

 

أننا نادرًا ما نبحث عن الأسباب الكامنة خلف إلحاحه المستمر، وكثيرًا ما يكون الإلحاح مجرد مظهر لمشكلة عند الطفل.

 

الأخطاء التربوية التي ترتكب بهدف وقف الطفل عن إلحاحه (الزن)، وقد تكون بأن نستسلم فيعتاد الطفل أن يأخذ ما يريد ويفعل ما يريد بهذه الطريقة، وقد يعتاد مثلاً أن يأخذ الحلوى من السوق قبل أن يدفع ثمنها لمجرد أنه يُلح!!.

 

استخدام العنف حين ما نصر نحن على موقفنا فنجبر الطفل بطريقة عنيفة على الانصياع لأوامرنا ومنها الصراخ، والتعنيف، والضرب، والدفع أو الجذب الشديد.

 

بعض الأهل يكونوا غاية في الهدوء فيتركون أبناءهم يرددون ويلحون كثيرًا ولا يبدون حتى أنهم يستمعون.

 

حقيقية أم وقتية

إن البحث عن الأسباب يحل 50% على الأقل من المشكلة؛ ذلك لأنها تضعنا على الطريق الحقيقي الموصل للحل، لذا علينا أن نبحث عن السبب قبل أن نبدأ في طلب العلاج، والأسباب عديدة منها:
- رغبته في جذب الانتباه والمزيد من الاهتمام ممن حوله وخاصة والديه؛ حيث إن هناك حاجات نفسية لن يستطيع أن يُعبِّر عنها في سن معينة إلا بهذه الطريقة المثيرة للأعصاب.

 

- شعوره بالملل والفراغ وعدم وجود أنشطة وتسلية وألعاب كافية!.

- التدليل الزائد أو تعوده على تلبية الطلبات تخلصًا من الإلحاح.

- الشعور الشديد بالغيرة وغالبًا ما يكون ذلك حال ميلاد أخ جديد أو الاهتمام بأحد الأبناء بشكل ظاهر دون الآخر.

- التوتر وعدم الاستقرار النفسي ربما لوجود خلافات في البيت أو ظروف مؤثرة أو غيرها من الأسباب.

- حالات الوقتية مثل المرض والتعب والرغبة في النوم.

- علينا بعد أن نبحث عن الأسباب أن نعالجها بحرص شديد؛ لأنه مهما ابتكرنا من وسائل لمعالجة العَرض فلن ينفع إن لم يعالج المرض كما يقال.

 

نحن نعلمهم

من أول ولادتهم وهم لا يعرفون إلا البكاء، حين نتركهم يبكون أو حين يتكلمون فيطلبون عدة مرات ويلحون ولا يجدون منا استجابة.. وحين يتحدثون ولو بما لا يحمل أهمية لنا فلا يجدون آذنًا صاغية.. وحين نكون منشغلين أغلب الوقت فلا يجدون مشاركة.. وحين يسألون فنقول ليس الآن اصبر!.. حينها سنكون نحن أفضل معلم لهم ليكونوا ملّحين (زنّانين)، وليكرروا ما يقولون ويكرروه ويكرروه بعدد ما لم نستمع لهم!!

 

البداية استجيبوا فورًا

ويعني ذلك ألا يكرر طفلنا طلبه قبل أن يجد منا استجابة فورية، فما أن يقول "شُبيك" حتى نستجيب.. طبعًا ذلك لا يعني أن نقول "لبيك" ولكن الاستجابة أن يرى منا انتباهًا واهتمامًا وردة فعل مناسبة.

 

بالطبع سنكون منشغلين كثيرًا، وقد يقول البعض "هو لن يكف على أي حال فأنهي ما أفعل ثم أستجيب له"، ولكن ما نفعل نادرًا ما ينتهي! ونفعله ونحن منشغلون بإسكات الطفل، فبذل بدل الجهد.. جهدين ، كما يخرج ما نفعل بغير تركيز ويتركنا في النهاية نعاني أعصابًا متوترة وطفلاً غاضبًا.

 

متبقٍ لنا عدة أسئلة علينا أن نجيبها:

ماذا لو لم يكن طلبه قابلاً للإجابة الفورية أو التحقق أصلاً؟

والإجابة هي أن علينا كما قلنا أن نستجيب لا أن نجيب.. لذا فيمكننا أن نستجيب بإشغاله الفوري بإجراءات تحقق هذا الطلب، فلو كان الطلب الخروج مثلاً من المنزل وما يزال أمامنا بعض الوقت فعلينا أن نشغله برقة بإحضار الملابس واختيارها ومناقشته فيما يريد أن يلبس.. ثم ربما سؤاله عن لون بعض الملابس.. وسؤاله عن أين يريد أن يذهب.

 

نستطيع كذلك أن نشغله بلعبة عن ما يريد.. وسيتطلب ذلك أن تكون هناك سياسة للألعاب الجديدة، منها أننا حين نشتري للطفل لعبتين جديدتين فإني أعطيه واحدة فقط، وأحفظ الثانية عندي مع واحدة قديمة لكنه يحبها.. ثم أخرج له الجديدة في مثل هذا الوقت مع حفظي لتلك التي كانت معه، وهكذا لعبة تلو الأخرى مع وجود الكثير من ألعابه القديمة في متناول يده دائمًا طبعًا.. سيساعد ذلك على ألا يمل من ألعابه، وأن تكون مصدر إشغال معين ومحسن لعلاقتي به.

 

الجلوس للتلوين معًا أو لعب الكرة بحماسة، ولو وحدنا من دون الطفل، حتمًا ستجذبه للمشاركة ونسيان ما يريد.

 

التمثيل.. تمثيل الإغماء مثلاً بشكل كوميدي أو الحديث في هاتف وهمي أو حقيقي أو غير ذلك سيجذب انتباهه حتمًا.

 

ماذا لو استمر؟!!

يجب أن يعلم الطفل أن الاستجابة لطلباته لا تكون بتكرارها بهذه الطريقة؛ لذا علينا حين يطلب أن نتخذ قرارًا فوريًّا إما بأننا سنحقق له ما يريد أو أننا لن نحققه ولنمضِ هذا القرار، ولو قُتلنا إلحاحًا.. الطفل في حاجةٍ للتعلم وهو لن يتعلم بأن نطبق القاعدة 5 مرات، ولا نطبقها مرة إن هذا يعني عنده أن (لا قاعدة)!!.

 

بعض الأطفال سيحتاجون ألا نستجيب لهم على الإطلاق مهما كان الطلب سهلاً على غرار (أريد كوبًا من الماء) طالما طلبها بطريقة إلحاحية.. ولنخبره بذلك في الموقف نفسه.

 

كيف أعلمه خطأ طريقة الإلحاح (الزن)؟

بشيء من المرح وسرعة الحركة.. وكذلك بأن أتكلم بطريقته، ولكن باستخدام بعض المبالغة..

 

وكذلك بمساعدته بأن أكرر الطلب بطريقة عادية وأطلب منه أن يفعل.. أو أن أتصنع أني لا أفهم وأطلب منه أن يحدثني برفق وهدوء وألا يكرر ما يقول.. علينا مع استخدام كل الطرق الجادة منها والكوميدية أن نتأكد أن الطفل قد فهم الطريقة الصحيحة التي نريدها منه.

 

والرضيع..

طبعًا ذلك مختلف بعض الشيء ولكن علينا أولاً أن نتأكد أنه ليس لديه حاجة مثل الرغبة في الأكل أو الشرب أو تغيير "الحفاضة" أو النوم.. أو آلام المعدة.

الرضيع يشعر هو أيضًا بالملل.. فيمكننا أن نأخذه ليراقب الشارع من خلف الزجاج أو إشغاله بلعبة تنير وتتحرك وتصدر بعض الأصوات الجذابة، كما يمكننا أن نمسح وجهه بالماء وأن يستحم (إن كان الجو صيفًا).. الرضيع يحتاج كذلك لتغيير المكان سواء الغرف داخل البيت أو الخروج من البيت.. النزول به عدة دقائق على السلم وأمام البناية أثبت قدرته على تهدئة أغلب الأطفال.

 

وسائل أخرى مساعدة

من تلك الوسائل استخدام القصة قبل النوم للولد (س) و"س" هذا هو اسم طفلك.. الجميل الذي يقول "لو سمحت يا أمي بصوت هادئ ويطلب مرة واحدة فيكون جميلاً، ويجيب الجميع طلبه، ومنهم القط الذي... " .. وكذلك استخدام مسرح العرائس الذي نصنعه من ألعاب الطفل المحببة على اختلاف أحجامها وأشكالها.. إن إتقان استخدام هاتين الوسيلتين سيفيد كثيرًا.. ليس فقط في الإلحاح ولكن في أمور أخرى كثيرة.