- المستشار جاد الله: لا بدّ أن يشمل الاستفتاء الدستور كاملاً

- المستشار الخضيري: لنكتفي بالتعديلات، ونغير الحكومة

- د. أحمد أبو بركة: تعليق العمل بالدستور لا يلغيه نهائيًّا

- د. محمود السقا: الدستور الجديد يحتاج إلى فترة استقرار

 

تحقيق: يارا نجاتي

أثار قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة تشكيل لجنة من خبراء القانون في مصر لتعديل بعض مواد الدستور، بعض الجدل، خاصةً بعد تعليق المجلس في الأسبوع الماضي العمل بالدستور المصري، فالبعض اعترض على إدخال تعديلات على دستور تمّت صياغته لخدمة مصالح النظام البائت وتأبيده في السلطة، وطالبوا باستبدال دستور جديد يخدم مصالح الشعب.

 

وطلب الجيش من اللجنة تعديل المادتين 76 و77 المتعلقتين بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية ومدة بقائه في السلطة، والمواد 88 و93 التي تتعلق بالإشراف القضائي على الانتخابات والطعون على الانتخابات التشريعية، كما دعاهم إلى تعديل المادة 189 التي تتضمن آليات تعديل الدستور، وطلب المجلس العسكري إلغاء المادة 179 التي تعطي رئيس الجمهورية حقّ إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية إذا ما تعلق الأمر بجرائم الإرهاب.

 

اللجنة التي يرأسها نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق المستشار طارق البشري، وتضم أساتذة قانون وقضاة بينهم عاطف البنا وماهر سامي يوسف وحاتم بجاتو وحسام البدراوي، بالإضافة إلى صبحي صالح، عضو مجلس الشعب ببرلمان 2005م، قررت أن تعقد اجتماعاتها بشكلٍ يومي، لتنتهي من التعديلات في غضون الأيام العشرة التي حددها المجلس لها.

 

من جانبه يؤكد المستشار محمد فؤاد جاد الله، نائب رئيس مجلس الدولة، أن ثورة 25 يناير أسقطت النظام الحاكم، وبالتبعية يسقط دستور الدولة، والقوانين المكملة له، مؤكدًا أن مصر تحتاج الآن إلى سلطة تأسيسية أصلية لوضع دستور جديد.

 

ويرى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة اتخذ قرارين متناقضين، فيما يتعلق بتعليق العمل بالدستور المصري، وتشكيل لجنة لتعديل بعض مواده!!، مشيرًا إلى أنه نظرًا لضيق الوقت كان على المجلس الأعلى الإبقاء على سريان الدستور مع تعديل بعض المواد.

 

القوانين المكملة

ويشير إلى أن الحل الدستوري للخروج من هذا المأزق هو أن تقوم اللجنة المكلفة بتعديل بعض مواد الدستور وليس المطروحة وحدها، وبعد إتمام التعديلات يتم عرض الدستور كاملاً في الاستفتاء الشعبي، بما فيه المواد المعدلة وليست وحدها، مفسرًا أنه في حال عرض المواد التي تم تعديلها فقط ستصبح هي الدستور وحدها مع إهمال بقية مواد الدستور، لكن عند عرض الدستور كاملاً على الشعب صاحب السيادة والمشروعية الوحيدة سيمنح للدستور شرعيته بالتعديلات، وتصحيح ما شابه من عدم مشروعية.

 

ويشير إلى أن عددًا آخر من مواد الدستور لم يُطرَح على اللجنة لتعديلها، كالمادة (62) من الدستور المختصة بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية، لتفتح الحق أمام أي مصري لكي ينتخب ويُنتخب في انتخابات حرة نزيهة، إلى جانب إلغاء كوتة المرأة؛ لأنها تُعدّ نوعًا من التمييز بين المصريين، قائلاً: إن التمييز الإيجابي قد يفرز عناصر لا تتوافر فيها الكفاءة اللازمة.

 

ويطالب أيضًا بتعديل المادة (87) ويُمنح بموجبها العمال والفلاحون 50% من أعضاء مجلسي الشعب والشورى؛ حيث إن المرحلة القادمة تحتاج إلى اشتراطاتٍ معينة قد لا تتوافر فيهم، كالحاجة إلى نائب يتمتع بثقافة قانونية وسياسية ودستورية، وهذا النظام أثبت فشله، خاصةً أنهم لم يقدموا دورهم المنوط بهم من اقتراح مشروعات للقوانين، وكذلك المادة (75) المتعلقة بشروط المرشح للرئاسة.

 

بالإضافة إلى تعديل المادة (134) أو إلغائها، التي تعطي الحق لرئيس الوزراء والوزراء الترشح لعضوية مجلس الشعب؛ ما يتناقض مع استقلال السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومبدأ تكافؤ الفرص.

 

ويشدّد على أهمية تعديل القوانين المكملة للدستور، لأنها تتعلق بالدستور القديم، ومنها النزول بالسن المحددة لمباشرة الحقوق السياسية إلى 16 سنة، خاصةً أن الشباب المصري أصبح أكثر وعيًا بالسياسة، وجعل الانتخاب عن طريق بطاقة الرقم القومي، للقضاء على مشكلات الجداول الانتخابية والتلاعب بها، بجانب تعديل قانون الأحزاب السياسية، وقصرها على الإخطار فقط، وتنظيم التيارات السياسية الأخرى في أحزاب.

 

ويقول: إن تغيير النظام الحاكم، وتحويله إلى نظام رئاسي أو برلماني، سيكون بعد الانتهاء من انتخابات مجلسي الشعب والشورى، والانتخابات الرئاسية، وكذلك صياغة الدستور الجديد، مطالبًا بأن يتزامن الانتهاء من التعديلات الدستورية مع رفع حالة الطوارئ، وأن تتكاتف كلُّ الوسائل الإعلامية؛ للقيام بحملة تعاصر التعديلات، وتشرح للناس الحقوق السياسية، والدستور، والرئاسة، والبرلمان، حتى نخلق المواطن المثقف سياسيًّا.

 

تخفيف السلطات

 الصورة غير متاحة

المستشار محمود الخضيري

ويتفق معه المستشار محمود الخضيري، نائب رئيس محكمة النقض السابق، في أن اللجنة الموكل إليها تعديل الدستور لا بدَّ أن تُوسِّع نطاق عملها، وتأخذ مواد أخرى لتجري عليها التعديلات، مشددًا على تعديل المادة 179 الخاصة بتفتيش المنازل دون إذن النيابة، وكذلك تخفيف المواد المتعلقة بسلطات رئيس الجمهورية.

 

ويؤكد أن البلد في حاجةٍ مُلحّة إلى دستور جديد، لكن الفترة الحالية لا تسمح بذلك، كما أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يلغِ الدستور بشكلٍ دائمٍ، وإنما علّقه لحين الانتهاء من التعديلات.

 

ويضيف أن الأهم في المرحلة الحالية ليس إعداد دستورٍ جديدٍ والاكتفاء بتعديلات بعض مواد القانون، لكن الأهم هو تشكيل حكومة جديدة، بعيدًا عن كلِّ الأشخاص الموجودين بالوزارة الحالية؛ لأنهم جزء من النظام السابق، وجاءوا بتكليفٍ من الرئيس المخلوع. 

 

تعليق فقط

ويوضح د. أحمد أبو بركة، عضو اللجنة التشريعية في برلمان 2005م، أن قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تعليق العمل بأحكام الدستور لا يعني عدم العمل بأحكامه، إنما إيقافه حتى تنقضي المرحلة الاستثنائية التي أدّت إليها ثورة 25 يناير، قائلاً إن تعديل بعض المواد الدستور الذي تعكف عليه اللجنة الحالية يتبع (فقه الضرورة)، وبه يتم تعديل المواد التي كانت أحد أسباب الثورة، كمواد الدستور التي تعيق الانتقال السلس للسلطة، أو تعيق الديموقراطية التي طالبت بها الثورة، أو إجراء الانتخابات في جو من النزاهة والشفافية.

 

 الصورة غير متاحة

د. أحمد أبو بركة

ويضيف "الضرورة تُقدَّر بقدرها؛ لذلك كان من الضروري أن نحتاج إلى تغيير مواد الدستور المتعلقة، بطريقة اختيار المرشح الرئاسي، والشروط الواجب توافرها فيه، والإشراف على العملية الانتخابية، إلى جانب كلّ المواد القانونية المتعلقة بإجراء انتخابات نزيهة، مشددةً على إلغاء المادة (79) التي وصفها بأنها مادة شاذة، ومليئة بالعوار الدستوري، تهدف إلى عسكرة الدولة وبوليسيتها.

 

ويشير إلى الحاجة إلى تعديل المادة (93) التي تقصر حقّ الفصل في صحة أعضاء مجلس الشعب على المجلس وحده، وكذلك تعطي المجلس حقّ النظر في قرارات محكمة النقض ورفضها أو الموافقة عليها، كما يرى عدم الحاجة إلى مجلس الشورى؛ نظرًا لأنه زائد على الحياة السياسية طوال الفترة الماضية، ويقول إن بعد انتخاب أعضاء مجلس الشعب يتم صياغة دستور جديدٍ.

 

ويرى أن البلاد في حاجةٍ إلى إعادة بناء دستورٍ جديدٍ بدلاً من الدستور القائم، لكن بعد الانتهاء من الظروف الاستثنائية، عن طريق حوار مجتمعٍ واسعٍ، ولجنة تضم عددًا من الخبراء، بحيث يقومون بصياغة دستورٍ جديدٍ يعكس توجهات المرحلة ومتطلبات المجتمع، بنظام منضبط بالأصول الراسخة المعمول بها، في كلّ الديمقراطيات في العالم، مؤكدًا أن على الدستور الجديد العمل على جعل الحاكم خادمًا للشعب ومصالحه.

 

الاستقرار

ويؤكد الدكتور محمود السقا، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة القاهرة، أن إسناد المجلس الأعلى للقوات المسلحة تعديل بعض مواد الدستور إلى اللجنة التي اختارها إجراء قانوني؛ لأن الرئيس السابق أصدر قراره بتفويض سلطاته للمجلس قبل التنحي؛ لذلك فاللجنة من الناحية الدستورية والشكلية صحيحة.

 

ويبين أن اختصاص اللجنة هو إصلاح ما أفسده الدستور القديم، أي تجديد بعض المواد الملحة لتنظيم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وليس مجرد التعديل، ولا ينفي ذلك حاجة مصر إلى دستور جديد متكامل، خاصةً أن قانون الثورة يلغي كلّ القوانين السابقة له.

 

ويوضح أن التطلعات إلى الدستور الجديد في مصر، يجب أن يتم بعد المرحلة الانتقالية التي نعيشها؛ لأن الدولة المصرية الآن بدون سلطات، وبالتالي فهي دون دستور، وبناء دستور جديد يحتاج إلى استقرار وتحديد السلطات المختصة.