سأصوت- إن شاء الله- بـ"نعم" للتعديلات الدستورية يوم 19/3/2011م، وذلك للأسباب التالية:

 

أولاً: لإعداد دستور جديد لمصر يليق بها وينهي عهدًا استمر قرابة ستين عامًا دون حياة دستورية حقيقية.

 

ذلك لأن التعديلات المقترحة تلزم "مجلسي الشعب والشورى" بانتخاب جمعية تأسيسية خلال ستة شهور، وعلى هؤلاء أن يضعوا دستورًا جديدًا خلال ستة شهور أخرى، ثم يتم استفتاء الشعب عليه خلال 15 يومًا.

 

ولا توجد آلية أخرى واضحة ومحددة لكل الراغبين المخلصين في إلغاء الدستور الحالي، وإعداد دستور جديد.

 

الدستور الجديد يجب أن يعكس واقعًا سياسيًّا، ومجتمعيًّا جديدًا ولا يتم فرضه على المصريين دون حراك شعبي وحوار مجتمعي ونشاط سياسي، لذلك كانت الانتخابات البرلمانية هي الفرصة لبلورة تلك القوى السياسية، وإجراء ذلك الحوار الوطني وتنشيط المجتمع المصري.

 

لقد تم إعداد دستور 1923م بعد 4 سنوات من اندلاع ثورة 1919م العظيمة.

 

وها نحن أمام سنة ونصف لإعداد الدستور الجديد اختصارًا للزمن.

 

دستور 1923م العظيم، تمَّ بواسطة لجنة معينة من الملك سماها زعيم الثورة سعد باشا زغلول "لجنة الأشقياء"، ومع ذلك وافق على الدستور، ثم ناضل بعدها لسنوات أربع، ومن بعده ناضل زعماء الوفد؛ من أجل العمل بالدستور الذي التفَّ عليه الملك فؤاد ثم فاروق.

 

اليوم سيتم اختيار الجمعية التأسيسية بواسطة برلمان الشعب المنتخب، وليس بواسطة لجنة معينة، أو بواسطة مجلس قيادة الثورة.. سيتم استفتاء الشعب على الدستور، فيكون إقراره بواسطة الشعب.

 

وبعد إقرار الدستور سيكون للبلاد شأن آخر، برلمان جديد وحكومة جديدة، أو يقر الدستور في أحكامه الانتقالية بقاء البرلمان إلى آخر مدته، والرئيس المنتخب إلى آخر مدته لاستكمال عملية التحول الديمقراطي بهدوء، ونظام وسلاسة وبإرادة شعبية.

 

إن المطالبين بإعلان دستوري مؤقت يتناسون أن ذلك حدث بالفعل، وتم فيه تعليق العمل بأحكام الدستور دون إلغائه تمهيدًا للانتخابات التي ستؤدي إلى إعداد دستور جديد تمامًا؛ حتى لا يحدث فراغ دستوري فيتم الطعن على كل هذه المرحلة، أو ندخل في فوضى عارمة.

 

الدستور الحالي لم يسقط تمامًا، والسلطة لم تنتقل إلى الجيش منفردًا، والعلاقة بين الجيش والشعب الثائر والذي أيد الثورة علاقة مشاركة لا يجب أن تتحول إلى صدام.

 

الذين يطالبون اليوم بإلغاء كامل للدستور هم الذين نادوا جميعًا منذ عام تقريبًا بتعديل مواد محددة فقط لفتح الطريق أمام انتخابات حرة نزيهة.

 

ثانيًا: لقطع الطريق على الثورة المضادة وفلول الحزب.. في ظل تعدد الرؤى للانتقال الديمقراطي، وما أعلنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هو أفضل سبيل مقترح، ستستمر محاولات الثورة المضادة التي جربت كل أوراقها حتى الآن وكان آخرها أحداث الفتنة الطائفية بقرية "صول" بأطفيح، والتي تورط فيها كثيرون بحسن نية أو سوء نية، فانتقلت إلى القاهرة، وهناك محاولات جادة لوأْدها، وإن شاء الله ستنتهي إلى لحمة وطنية جديدة.

 

الزخم الثوري والروح الوطنية العظيمة التي بدأت من 25 يناير، واستمرت رغم كل محاولات الثورة المضادة يجب أن تستمر طوال المرحلة الانتقالية التي قد تمتد إلى سنوات هي عمر البرلمان القادم.

 

الذين يطالبون اليوم بفرصة لبناء أحزابهم وتجمعاتهم السياسية عن حق وصدق، ومعهم كل الحق، عليهم أن يدركوا أن هذا البناء يجب أن يتواكب مع استمرار التحالف الثوري على القضايا المتفق عليها، والتنافس فيما هو مختلف فيه، وأيضًا أن الأفضل لهم أن يبدءوا بناء أنفسهم وسط الجماهير وبنواب منتخبين بإرادة شعبية.

 

إذا انتقلنا سريعًا من وحدة وطنية عظيمة إلى مناخ تنافسي كامل فإننا نعطي الفرصة للثورة المضادة وفلول الحزب الوطني لإفساد ذات البين، وزرع المزيد من الفتن.

 

لذلك علينا أن نصل إلى اتفاق وطني في ظل إعلان الإخوان المسلمين عن عدم تقدمهم بمرشحين على كل المقاعد، وأنهم لن يسعوا للحصول على أغلبية في البرلمان، وأنهم يعتمدون إستراتيجيتهم الحالية "مشاركة لا مغالبة"، ومعنى ذلك أنهم سيترشَّحون على حوالي 35% من المقاعد، ولهم قوة تصويتية موجودة في بقية الدوائر الـ65%، ويعترف الجميع لهم بالقدرة التنظيمية العالية والكفاءة في إدارة الحملات الانتخابية، فلماذا لا نضمُّ صفوفنا في تلك المرحلة الحرجة معًا؟!

 

تاريخ الإخوان في الانتخابات معروف وللتذكير به فقط أقول:

1- في عام 1984 تحالف الإخوان مع حزب الوفد الذي عاد بعد انقطاع ونجح التحالف في أن يكون قوة المعارضة الوحيدة في برلمان 84- 1987م.

 

2- في عام 1987 نجح الإخوان في التحالف مع حزبي العمل والأحرار، بعد أن رفض الوفد فكرة القائمة الوطنية، وكان التحالف الإسلامي قوة المعارضة الرئيسية في برلمان 1987- 1990م واجتاز الوفد حاجز الـ8% بصعوبة (حصل على 10%).

 

3- في عام 1995، قام النظام بتزوير كامل للانتخابات فلم ينجح أحد من الإخوان.

 

4- عاد الإخوان إلى البرلمان عام 2000م، بالنظام الفردي، فكان نوابهم أكثر من كل المعارضة الرسمية مجتمعة.

 

5- نجح الإخوان في عام 2005م بالتنسيق المشترك مع القوى الوطنية المستقلة أساسًا، ومع القوى الحزبية المترددة في إطار الجبهة الوطنية التي كان د. عزيز صدقي منسقها العام في الوصول إلى قرب حاجز الثلث من مقاعد البرلمان ونجح 120 نائبًا معارضًا لأول مرة في تاريخ البرلمان المصري، وكان سبب عدم وجود قائمة وطنية عامل الوقت الضيق وعامل عدم الثقة بين القوى السياسية.

 

6- في الانتخابات الأخيرة شارك الإخوان دون تنسيق بسبب الاختلاف الواضح حول قرار المشاركة أو المقاطعة، وكانت مشاركة الإخوان ثم انسحابهم في الجولة الثانية مع فضح كل التزوير الفج؛ هو القشة التي قصمت ظهر البعير، فكانت الثورة بعد أقل من شهرين من تزوير الانتخابات.

 

اليوم أعلن مرشد الإخوان في حضور كل القوى السياسية الذين اجتمع بهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة دعوته لكل القوى الوطنية إلى لقاء "حوار من أجل مصر"؛ للاستعداد معًا للانتخابات البرلمانية القادمة في "يونيو"؛ لقطع الطريق على فلول الحزب الوطني والمنتفعين من النظام البائد، وأن يؤدي ذلك إلى قائمة وطنية يتم التوافق على معايير اختيار المرشحين فيها.

 

نحن نقدر اليوم- بعون الله تعالى- على الانتقال خطوة إلى الأمام بعد كل مراحل التحالف والتنسيق السابقة والتي أثبت الإخوان فيها- على خلاف كل الدعاية المضادة، والمستمرة حتى الآن- وفاءهم لكل من مد إليهم يدًا وقبل التعاون معهم، بل ولم يخذلوا هؤلاء الذين حاربوهم وما زالوا.

 

هذا هو السبيل الأمثل لقطع الطريق على فلول الحزب الوطني إن كنا جادين وصادقين، ودلوني على سبيل آخر.

 

التقاطع والتدابر والتنابز والتنافس في غير وقته هو الذي سيسمح للثورة المضادة وفلول الحزب البائد بالبقاء.

 

هناك أمر آخر سيحدث غالبًا في الأيام القادمة بعد ما حدث مع جهاز أمن الدولة، وهو أن الشعب لن يترك فلول الحزب الوطني للبقاء في مقار اغتصبوها من أموال الشعب ليتآمروا فيها على الشعب.

 

ثالثًا: لمنع ظهور فرعون جديد بصلاحيات مطلقة..

 

التعديلات الدستورية المقترحة هي السبيل الأفضل لقطع الطريق على ظهور فرعون جديد بصلاحيات مطلقة يؤدي إلى فساد مطلق كما حدث في الماضي؛ لأن انتخاب مجلس شعب قبل الرئيس يعني وجود رقابة على السلطة التنفيذية، وإعداد دستور جديد يقلص صلاحيات الرئيس، ويتم فيه توزيع السلطة بين الرئاسة والحكومة والبرلمان.

 

أما انتخاب رئيس دون برلمان وقبل البرلمان وننتظر شهورًا أو سنوات؛ حتى يتم إعداد دستور جديد؛ فهو بمثابة تسليم البلاد إلى فرعون جديد.

 

وفكرة تسليم البلاد إلى مجلس رئاسي مختلط فكرة هلامية؛ لأن إقرارها يعني فتح أبواب تساؤلات عديدة، من الذي يختار هؤلاء؟ وما صلاحياتهم؟ وماذا يحدث عند اختلافهم؟ وإذا كان هناك ممثل للجيش فسيكون صاحب القدرة على تنفيذ ما يريده الجيش عند الاختلاف؛ لأنه صاحب السلطة الحقيقية على الأرض!!.

 

مشكلة الذين يقترحون أفكارًا عديدة أنهم ينسون أن لمصر وتاريخها تجاربها، ويريدون نقل تجارب بلاد أخرى بالاستنساخ الذي قد يضر ولا ينفع.

 

الإعلان الدستوري الذي يقترحه البعض من المخلصين سيضطر في غياب البرلمان إلى إعطاء الرئيس حق تشكيل الحكومة منفردًا، وحق سن التشريعات منفردًا، إلى حين انتخاب برلمان يقر هذه التشريعات جملةً، أو يلغيها دون قدرة على إدخال تعديلات عليها، أو يقترحون تعيين برلمان.

 

الطريقة المقترحة لتقييد سلطة الرئيس المنتخب هي ثورة الشعب عليه عندما ينحرف بالسلطة؛ ما يعني استمرار حالة الثوران دون انقطاع، وتعطيل عجلة الاقتصاد والحياة.

 

الرئيس الجديد دون برلمان سابق عليه يعني استمرار الجيش في مراقبة الرئيس حتى لا ينحرف، وهو في نفس الوقت القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ ما يضع البلاد في مأزق، وهو نفس التصور مع المجلس الرئاسي المقترح.

 

الآن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يدير البلاد مع حكومة انتقالية جاءت بإرادة شعبية مع رقابة شعبية عامة لحين انتخابات برلمانية بعد شهور ستعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.
سيكون لدينا برلمان متوازن للقوى الثورية فيه الأغلبية المطلقة إذا نجحت في رصِّ جهودها معًا كما سبق القول.

 

سيخرج من هذا البرلمان حكومة جديدة، أو تستمر حكومة د. عصام شرف إذا نجحت في العبور بالبلاد خلال الشهور القادمة.

 

ستكون مهمة البرلمان والحكومة إعداد البلاد لانتخابات رئاسية بعد 3 شهور وإعداد حزمة قوانين وإجراءات لاستكمال مرحلة التحول الديمقراطي لمدة 3: 5 سنوات.

 

بعد استكمالها يمكن للبرلمان أن يستكمل مدته، أو يحل نفسه للدخول إلى تنافس شريف بين القوى السياسية التي تكون قد استكملت إعداد نفسها لمرحلة جديدة، بهذا يتم استكمال نقل السلطة إلى الشعب، ويكون الجيش قد وفَّى بوعده مع الشعب.

 

رابعًا: لحماية الأمن القومي المصري ونقل السلطة إلى الشعب..

 

مهمة الجيش الرئيسية كما حددها الدستور المصري في المادة 180 واضحة ومحددة: "الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلَّحة، وهي ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها".

 

كما أن المادة (3) تقول: "السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين في الدستور"؛ إذن نحن في حاجة ملحّة لأمرين:

 

الأول: عودة القوات المسلحة إلى دورها الدستوري.. "حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها"، خاصةً مع التطورات الخطيرة التي تحدث على كل حدود مصر؛ غربًا حيث هناك حرب أهلية في ليبيا بعد ثورتها، وجنوبًا حيث سيتم انفصال السودان رسميًّا في يوليو، وتتهدد مصر مخاطر عظيمة من دول حوض النيل، وشرقًا حيث العدو الصهيوني الذي كان من أكبر الخاسرين نتيجة ثورة مصر وليبيا، فقد خسر حليفين إستراتيجيتين؛ هما: مبارك الذي كان كنزًا إستراتيجيًّا كما وصفه أحد أكبر رجال الموساد، والقذافي الذي كان يموِّل الحروب الانفصالية في جنوب السودان وغيرها من دول إفريقيا لصالح العدو الصهيوني.

 

أما الشعب صاحب السيادة فيجب أن تنتقل إليه السلطة وأن يمارسها على الوجه المبين في الدستور.

 

لذلك لا يجوز أن يتحدث البعض عن إسقاط الدستور بدلاً من تعديله مؤقتًا لحين إجراء انتخابات حرة ونزيهة؛ حتى يتم إعداد دستور جديد يترجم الحالة الثورية بعد استقرار الأوضاع.

 

لكل هذه الأسباب أدعو المصريين جميعًا إلى التصويت بكثافة في الاستفتاء المحدد له يوم 19/3، وأن يقولوا "نعم" قويةً لتعديلات دستورية طلبناها بأنفسنا ووقع على بعضها قرابة المليون مصري قبل شهور للدخول إلى انتخابات حرة نزيهة لبرلمان جديد يقوم بإعداد دستور جديد تلزمه به التعديلات الدستورية.

 

وعلينا أن نحمي الانتخابات من البلطجية وفلول الحزب بأرواحنا وبجهودنا إذا غاب الأمن كما حمينا الثورة بأرواحنا ودمائنا عندما حاول بلطجية النظام والأمن والحزب اغتيال الحلم يوم 2/2.

 

ولماذا لا يبادر بوقف هذا الحزب عن التآمر كما نجحنا في فضح ووقف جهاز أمن الدولة عن التآمر وأصبح كبار قياداته خلف القضبان؟!

 

لماذا لا نتحرك من الآن لوضع حد لهذا الحزب الفاسد المفسد والمتآمرين فيه وإخراجهم من المقار والمكاتب التي اغتصبوها في غيبة الشعب؟!

 

لماذا لا يتقدم الجميع ببلاغات ضدهم بسبب إفساد الحياة السياسية ليتمَّ جلبهم إلى العدالة الناجزة بدلاً من الصراخ كل يوم على صفحات الجرائد وعلى شاشات التليفزيون ضدهم دون تحرك جاد لوقفهم عند حدهم؟!