في واحدة من حِيَلِ وأكاذيب العسكر المتكررة، تشهد مصر هذه الأيام مسرحية ما يسمى بالتعديلات الدستورية، وهي في حقيقتها انقلاب جديد، يعد امتدادا للانقلاب العسكري الدموي الذي قام به السيسي مع طغمة من أعداء الشعب في 3 يوليو 2013م، واغتصبوا به الإرادة الشعبية، وانقلبوا على أول رئيس مدني منتخب بإرادة حرة في تاريخ مصر.

وتعد هذه المسرحية ذروة سياسات الانقلاب الكارثية التي تهدف إلى العسكرة التامة للدولة والسيطرة الكاملة على مقاليد الأمور، والهيمنة على مجمل النشاط الاقتصادي، وإغلاق المجال العام أمام أية فرصة للتغيير.

وقد جاءت هذه المسرحية بعد ممارسة الانقلاب لسياسة الأرض المحروقة التي نتج عنها تدمير مقدرات الوطن، ونهب ثرواته، وسحق المواطن المصري بموجات متلاحقة من الغلاء والفساد والإهمال، ناهيك عن الظلم والقمع والاستبداد، وتسييس القضاء، والزج بخيرة أبناء الوطن، رجالاً ونساءً، شبابا وشيوخا، من كل الاتجاهات، في السجون والمعتقلات، وإخفائهم قسريا، وتعذيبهم، وقتلهم بالإهمال الطبي، وإعدامهم بدم بارد، وبأحكام جائرة، وتقزيم دور مصر الإقليمي والدولي، ورهن القرار الوطني للشرق والغرب، والتفريط في تراب مصر وبيع أرضها في صفقة القرن لحساب الصهاينة، والهرولة نحو التطبيع مع العدو الصهيوني الغاصب على حساب الحق الفلسطيني والمقدسات الإسلامية. 

ولكن رغم هذه الممارسات ورغم الدعم الإقليمي والدولي لم يتمكن الانقلاب من كسر إرادة الشعب المصري الذي ما زال - وسيظل - يرفض الانقلاب ويقاوم الظلم، ويقدم التضحيات، ويستعلي على همومه وآلامه، آملا في غد أفضل يتحرر فيه الوطن، وتتحقق فيه الآمال، وما ذلك على الله بعزيز.

وإن رسائل الشهداء ووصاياهم لنا، والمواقف المشرفة لأهاليهم، واحتشاد المجتمع في جنائزهم - رغم القمع الأمني - خير شاهد على ذلك، كما أن رسائل الأحرار من وراء القضبان شاهد آخر، فهي تفيض يقينًا وثباتًا وصمودًا وإصرارًا على مواصلة طريق الكفاح، فلا بديل عن الحرية الكاملة للوطن.

وجماعة الإخوان المسلمين إذ ترفض هذه المسرحية الهزلية، وتدين هذا الانقلاب الجديد، جملةً وتفصيلاً؛ فإنها تعيد تأكيد ثوابت موقفها فيما يلي:

أولاً: استمرار رفض الانقلاب العسكري، وكل ما ترتب عليه من إجراءات باطلة، وتأكيد أن تلك التعديلات لا تمنح المُنْقلِبِينَ أية شرعية، فما بُنيَ على باطلٍ فهو باطلٌ، والشرعية فقط لاختيار الشعب.

ثانيًا: مواصلة المقاومة السلمية للانقلاب العسكري وطغمته الخائنة الفاسدة حتى إسقاط ذلك الانقلاب، وإعادة حقوق الشعب المختطفة وتحقيق أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، والتعاون في ذلك مع كل المخلصين من أبناء الوطن.

ثالثًا: الثقة في وعي الشعب المصري، وقدرته على نزع أية شرعية يحاول الانقلابيون الحصول عليها، وذلك بمقاطعة هذه المسرحية، كما حدث في مسرحية ما يسمى الانتخابات الرئاسية، ومسرحية الاستفتاء على دستور العسكر الذي لم يحترموه يومًا.

رابعًا: دعم كل الجهود المخلصة، التي يبذلها جميع المصريين في الداخل والخارج، من شتى الاتجاهات؛ لكسر الانقلاب وتحرير الوطن، وتجديد الدعوة للجميع بالتعاون والعمل المشترك - في المتفق عليه - من أجل الوطن؛ فإنقاذ الوطن مقدم على كل شيء.

والله غالب على أمره.. وهو نعم المولى ونعم النصير.

حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء

والله أكبر ولله الحمد

الإخوان المسلمون

الإثنين 9 شعبان 1440 هـ = 15 أبريل 2019 م