أيها الإخوة الكرام..

أحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

أبدأ فأقول إنه من الصعب علينا في كثير من الأحيان أن نجد قرارًا سياسيًّا صواب كله أو خطأ كله أو قل إيجابيات كله أو سلبيات كله، فكثير من القرارات السياسية تتضمن هذا وذاك بنسب متفاوتة، وبقدر حجم ونوع الإيجابيات التي تترتب على قرار ما بقدر ما ينحاز الإنسان إليه، والعكس صحيح.

 

وفيما يخص قرار خوض الإخوان انتخابات الشورى الأخيرة كان هناك رأيان.. رأي بخوضها، ورأي آخر بتجنُّبها، وكانت لكلٍّ أسبابه الوجيهة والمقنعة، وأحسب أنه قد جرت مناقشاتٌ طويلةٌ ومستفيضةٌ على عدة مستويات لبحث هذا الأمر؛ أملاً في أن نصل إلى القرار الصواب أو الأصوب، وبعد لأيٍ وإعمالٍ للشورى ترجَّح لدى الإخوان الرأي الأول، وهو خوض الانتخابات، رغم ما سيواكبها من مصاعب وتكاليف وأعباء، خاصةً في ظروف استثنائية وتدابير وإجراءات شاذة لا تخفى على أحد.

 

وكان من أهم أسباب الانحياز إلى قرار خوض الانتخابات هو قبول التحدي ورفض الحصار الذي فرضه حزب السلطة الحاكم على الإخوان، فضلاً عن أن خوض الانتخابات هي أداةُ تَواصُل جيدة مع الجماهير، حتى ولو كانت في أضيق الحدود لعرض فكرتنا، وتوضيح رؤانا، والحديث عن منهاجنا وأهدافنا، وهو ما يتفق مع منهج الإخوان في الإصلاح والتغيير، والذي يتركز حول العمل مع الجماهير، من حيث دعوتها، وتنمية وعيها، وإيقاظ حسها، وفقًا للرؤية الإسلامية الصحيحة، ولفت انتباهها إلى التحديات التي تواجهها داخليًّا وخارجيًّا، وأما الفوز ببضعة مقاعد في مجلس الشورى فهو وإن كان مطلوبًا، إلا أنه يأتي في المرتبة الثانية.

 

وأستطيع أن أقول إن الإخوان- بخوضهم هذه الانتخابات- قد تحقَّقت لهم مجموعةٌ من الأمور المهمة، يأتي في مقدمتها ما يلي:

 

1- كسر طوق الحصار الإعلامي والسياسي حول الجماعة.

 

2- إحداث حراك سياسي ومجتمعي عام، وهو أمر ضروري ولازم حتى يحتفظ المجتمع بحيويته.

 

3- تدريب أفراد الصف على تحمُّل المسئولية والبذل والتضحية واكتساب الشجاعة والصبر والصمود في مواجهة غطرسة القوة.

 

4- كشف زيف الحزب الحاكم الذي يتشدَّق بالديمقراطية أمام الشعب وأمام العالم، وأنه حزب مزوِّر، فاقد للمصداقية والمشروعية وأنه غير قادر على المنافسة الشريفة والموضوعية.

 

قد يقال إن هذا معلوم، وإن هذا لن يضيف شيئًا لدى الجميع، وهو- أي الحزب الحاكم- لا يوجد لديه خجل أو حياء في أن تظهر عيوبه أو تنكشف سوءاته.. نقول إن تسليط الضوء على فساد واستبداد الحزب الحاكم- فضلاً عن نهجه القمعي في التعامل مع الإخوان- يجب أن يتم بشكل مستمر حتى لا ينسى الناس، وحتى لا ينخدع البعض في وقت ما بشعارات برَّاقة، تزعم أن هناك فكرًا جديدًا، وأن ثمة خطواتٍ ما على طريق الإصلاح!!

 

5- التأكيد على أن منهجنا سلمي، وأن سعينا للإصلاح والتغيير يتم عبر القنوات الدستورية والقانونية.

 

6- ضرب المثل والنموذج والقدوة للشعب على الإيجابية والإصرار على مواجهة الفساد والاستبداد وعدم الاستسلام للواقع المؤلم، وعدم الوقوع في دائرة الإحباط واليأس.

 

أيها الإخوان.. 

إن ما حدث أثناء الترشيح، والحملة الدعائية، ويوم التصويت لَهُوَ أمرٌ مُخْجِلٌ بكل المقاييس، ولن أتناول في هذا الحديث كافة الخروقات والتجاوزات، بل والجرائم التي وقعت من حزب السلطة الحاكم في حق هذا الشعب، فالأمر كله كان واضحًا على الملأ، وشاهدَتْه الملايين عبر الفضائيات، وأساء بصورة مخزية إلى سمعة وكرامة مصر، صحيحٌ أننا دفعنا الثمن غاليًا، لكنَّ الدعوة أغلى وأعلى وأعزّ، ومن أجلها تهون الحياة.

 

إن الطريق شاقٌّ وطويل.. يحتاج إلى ثبات الجبال، وعزم الرجال، وهمم الأبطال، وهذه جولة سوف تعقبها جولاتٌ وجولاتٌ، ولا يصح في النهاية إلا الصحيح، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ (الرعد: من الآية 17).

 

وحتى نلقاكم قريبًا بإذن الله مع رسالة أخرى نرجو لكم دوام التوفيق والسداد، ونسأل الله تعالى لنا ولكم العفو والعافية في الدنيا والآخرة..

أ.د. محمد السيد حبيب

النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين

[email protected]

 

القاهرة في: 26 من جمادى الأولى 1428هـ الموافق 12 من يونيو 2007م.