- 20 ألف وثيقة تثبت حق الأهالي في أرض الجزيرة

- أبو العينين هدَّد أهالي الجزيرة بالنيابة العسكرية وأمن الدولة

- عَزَب: القانون يضمن للأهالي الحق في تقنين أوضاعهم

 

تحقيق: محمد نور الدين، تصوير: محمد أبو زيد

جزيرة "القرصاية" إحدى الجزر النيلية الواقعة أسفل كوبري الجيزة جنوب القاهرة، ويعيش بها أكثر من 2000 أسرة، يبلغ عدد السكان المسجَّلين بالجزيرة أكثر من 5 آلاف نسمة، يشتغلون بالزراعة والصيد وتريبة المواشي، ويعتمد سكان القرصاية على الزراعة وصيد الأسماك وبيعها للأحياء المجاورة في القاهرة والجيزة.

 

والقرصاية مثلها مثل باقي جزر مصر، يسكنها فلاحون ومزارعون، إلا أنه ومنذ أكثر من 30 عامًا زاحمَهم فيها رجالُ أعمال ومستثمرون، هدفهم في البداية كان للاستراحة والاستجمام، ومن الاستراحات الموجودة على هذه الجزيرة استراحة على مسافة فدان ونصف الفدان يمتلكها رجل أعمال كويتي، وهي مغلقة طوال العام باستثناء بعض أيام الصيف، وموقع هذه الاستراحة عند بداية الجزيرة وأمام البواخر النيلية والسياحية قبالة حي مصر القديمة بالقاهرة.

 

 الصورة غير متاحة

 جزيرة القرصاية أقدم جزر نيل القاهرة

 

وتُعَدُّ "القرصاية" من أقدم الجزر الموجودة وسط نيل القاهرة؛ فقد كان الأجداد ينتظرون الجفاف، فيزرعون هذه الأرض، وعندما جاءت الثورة، وتم بناء السد العالي  وجرى حصر الأملاك وكان أمام الأهالي في هذه الجزيرة خيارٌ من اثنين: إما التمليك أو الإيجار من وزارة الري؛ باعتبارها المالكة للأرض، وقد حافظ أهالي الجزيرة على دفع مقابل حق الانتفاع، فهم يعيشون على الأرض ويزرعونها، وفي آخر العام يأتي موظف الأملاك وموظف العوائد (الضرائب العقارية)، ويحصِّلون حقَّ الحكومة.

 

وحتى عام 1983 كانت الأمور تسير بشكل طبيعي، حتى تم إقرار قانون تنظيم وضع اليد على أملاك الدولة، وهنا تحول وجود الأغنياء في الجزيرة من مجرد جيران إلى طمع واستثمار، وطلبوا من الدولة شراء الجزيرة وتحويلها إلى منتجع سياحي في قلب النيل، وعلى الفور حاولت الحكومة إخلاء هذه الأرض، فلجأ أهالي الجزيرة إلى القضاء، فأنصفهم ومكَّنهم من الأرض، وبعد أكثر من 20 عامًا تعود القضية من جديد على يد حكومة بيع أملاك مصر، ويؤكد أبناء الجزيرة أن بحوزتهم أكثر من 20 ألف مستند من إدارات الدولة المختلفة تؤكد الاعتراف بوجودهم في المكان منذ عشرات السنين.

 

(إخوان أون لاين) قام بجولة في الجزيرة الأزمة، ذات الأرض الخصبة، التي تعاني- مثل غيرها من قرى ونجوع مصر- من قلة الخدمات؛ فلا طرق أو صرف صحي، حتى إن الخدمات الموجودة من مياه وكهرباء وتليفونات دخلت القرصاية بجهود ذاتية من الأهالي، عبرنا إلى الجزيرة في "معدية" متهالكة، وكأن الإهمال متعمَّد للجزيرة وسكانها حتى "يطفشوا" على حدِّ قول أحد سكان الجزيرة، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات عن الجهة المسئولة عن أرض القرصاية.. هل وزارة الزراعة أم الري؟! وما دخل وزارتي الداخلية والدفاع بالقضية؟  وهل تسعى الحكومة فعلاً لبيع أرض الجزيرة لأحد المستثمرين لإقامة منتجع سياحي عليها؟، وإذا كان هذا صحيحًا فما هي التعويضات المناسبة لأهالي الجزيرة إذا وافقوا على الخروج منها؟ وإذا كان الأهالي يملكون عقودَ إيجار ويلتزمون بالسداد منذ عشرات السنين، فلماذا تزعم الحكومة اليوم عدم أحقيتهم في الجزيرة؟!

 

هذه الأسئلة لها أكثر من طريق للإجابة عنها، منها ما تناقلته وسائل الإعلام عن أهالي الجزيرة، والذين كشفوا عن عرض تقدَّم به الأمير فيصل بن محمد بن سعود بن عبد العزيز لمحافظة الجيزة لشراء 100 ألف متر مربع من أراضي الجزيرة لإقامة مركز سياحي متكامل في الجزيرة، وهو العرض الذي وافقت عليه الإدارة المركزية للإنتاج والشئون الاقتصادية بمحافظة الجيزة، في قرارٍ وجهته إلى مكتب المحافظ ورئيس المدينة بالموافقة على العرض وتوفير مساكن بديلة لقاطني الجزيرة.

 

أما بالنسبة لجزيرة الدهب، وهي الأكبر من حيث المساحة والموجودة بجوار جزيرة القرصاية، فكان آخر ذرائع الحكومة للاستحواذ عليها إنشاء حديقة ترفيهية، وهو المشروع الذي طرحه أحد المستثمرين الكبار، وشمل إقامة مجموعة من الكبائن السياحية والكازينوهات.

 

العيِّنة بيِّنة

 الصورة غير متاحة

 لانشات حكومية تجوب أرجاء الجزيرة

عندما وضعنا أقدامنا في "المعدية" لنعبر إلى الجزيرة، شاهدنا ضابط شرطة مرافق يستولي على السمك من بعض صيَّادي الجزيرة، وعندما اعترض أحدهم، هدَّده الضابط بأنه سيأخذه إلى القسم، وفي النهاية استولى على السمك، هو النقيب "نهاد"- ضابط شرطة المَرَافق- كما يقول حامد ربيع أحد الصيادين، وهنا تدخَّل أحد الصيادين- رفض ذكر اسمه- قائلاً: إن هذا الضابط يمر كل فترة علينا ويفعل ذلك، ولا ندري لماذا يأخذ السمك لنفسه دون أن يدفع الثمن ولا يمكننا الرفض.

 

 

وبينما نحن نسير على طريق ضيق بين حقول الجزيرة، قابلنا المحاسب محمود عبد المقصود، الذي بادرنا بالقول: إن المشكلة بدأت منذ ستة أشهر تقريبًا عندما أرادت الحكومة أن تخلي سكان الجزيرة عنوةً دون تعويضات، فكيف يعيش موظف بسيط أو عامل أو مزارع حتى لو أخذ سكنًا  تعويضًا؟ من أين يأكل وكيف يعيش؟ يعني لو فيه تعويضات عادلة ممكن نخرج من الجزيرة؟!

 

وهنا تدخل عبد الرحيم ياسين (إمام وخطيب) قائلاً: وزير الزراعة ووزير الري والنائب محمد أبو العينين لهم مصلحة في خروج الأهالي من الجزيرة، وإلا لماذا هذا الظلم والتحامل علينا؟ وانفعل ياسين وهو يقول: "إذا كانوا هيبيعوها لمستثمر أجنبي فأنا مصري وأنا أولى أن أسكن في هذه الجزيرة لأني وُلِدت وتربيت فيها وكذلك آبائي وأجدادي".

 

 الصورة غير متاحة

عبد الرحيم ياسين إمام وخطيب بالجزيرة وأحد سكانها

 واستطرد الشيخ ياسين: نحن لا نثق في أبو العينين، وأنا لا أحضر الاجتماعات التي يعقدها مع الأهالي وبالتأكيد له مصلحة في عدم الدفاع عنا، خاصةً أن الحكومة خصخصت كل شيء من شركات ومصانع، فلا مانع من خصخصة وبيع الجُزر، ولم يبق إلا أن تعرض الحكومة المواطن المصري في مزاد علني لرجال الأعمال، ثم استدار عبد الرحيم وأشار إلى ماكينات ضخمة تعمل وسط المياه "كراكات"، وأضاف: يقولون إن هذه الكراكات تقوم بالتطهير، في حين أنها تردم في النيل؛ حيث يعملون شبه جزيرة صغيرة داخل القرصاية تكون منعزلة عن باقي القرصاية، ولا يستطيع الأهالي الوصول إليها، فلمصلحة من يتم الردم وعمل هذه الجزيرة؟!

 

محمد عبد المنعم (عامل زراعي) أكد أنها مصالح لشخصيات معينة، وبدأ يحكي القصة فقال: في البداية اتهمتنا وزارة الزراعة بأننا لا نملك وثائق إثبات إيجار الأرض، وبعد فترة أرسلت خطابات إخلاء الأرض، والمثير أن تلك الخطابات جاءت باسم جدي- رحمه الله- وهذا أقوى دليل على أننا موجودون في الجزيرة منذ عشرات السنين، ولما انكشف أمرهم في وزارة الزراعة قالوا لنا: أنتم بالفعل كنتم تدفعون الإيجار، ولكن شيئًا لم يسجَّل عندنا، ولذلك فليست الأرض من حقكم، فإن كان هذا صحيحًا فهل يخرجوننا من الجزيرة أم يحاسبون من سرق ونهب ولم يسجِّل شيئًا؟ ونحن لدينا إيصالات مختومة بأننا كنا نسدِّد بانتظام، ومن تلك الايصالات ما يعود إلى أكثر من 45 سنةً.

 

واستكمل محمد: نحن ممنوعون من البناء على الجزيرة منذ زمن، فأنا عندما تزوجت أجَّرت شقة خارج الجزيرة، لكني أمرّ كل يوم على أرضي وأرى أهلي ثم أرجع إلى السكن مرةً أخرى، وتساءل عبد المنعم: أين يذهب 5 آلاف فرد هم سكان الجزيرة إذا أخلت الحكومة الجزيرة بالقوة كما تهددنا دائمًا؟ سيكون مصيرهم التشرد وسلوك طريق الإجرام، في حين أن الجزيرة تعيش حاليًّا كأسرةٍ واحدةٍ وسط مشاعر الحب والاحترام.

 

خراب بيوت

 الصورة غير متاحة

د. محمد مصطفى

بعدها توجهنا إلى منزل يطلُّ على النيل وأمامه يقف الدكتور محمد مصطفى- استشاري الجراحة العامة- الذي بدأ كلامه: أنا معطل كل عملي ومصالحي وجالس في بيتي أدافع عنه، أنا أخشى أن أخرج من البيت فتستولي عليه القوات المسلحة، التي تمر وحداتها الخاصة أمامنا ليل نهار، وهم يركبون "لانشات".

 

وقال- وقد بدت علامات الحسرة ترتسم على وجهه-:  نريد جهةً مدنيةً تخاطبنا وتتواصل معنا وتشرح لنا ما تريده الدولة بالضبط من سكان الجزيرة، فوحدات تابعة للقوات المسلحة جاءت لتستولي على بيتي دون سابق إنذار أو حكم محكمة أو رسالة بريدية، أو إخطار يُذكر.

 

وأوضح أن أرض الجزيرة في أغلبها تابعة لوزارة الزراعة، ونحن نريد أن تخاطبنا الوزارة وتخبرنا بما تريد منا، وتقول لنا وضعنا القانوني على أرض الجزيرة دون تدخُّل من الداخلية أو وزارة الدفاع أو حتى وزارة الري، فحقوقنا ضاعت بسبب عدم الوضوح في وزارة الزراعة.

 

يا نحلة.. لا... ولا

وأردف مصطفى: إذا كانت الدولة ستعطي تعويضَ سكنٍ مثلاً، فمن يعطي أرضًا للمزارع أو مركبًا وبحرًا للصياد، وقال: إن الخدمات الموجودة بالجزيرة كلها تمت بنفقات وجهود خاصة من الأهالي، ونحن الآن نسعى لعمل صرف صحي على حسابنا الخاص، لكنّ تعنُّت المسئولين يمنع إتمام المشروع، ونحن كأهالي الجزيرة ننادي الحكومة، ونقول لهم: "يا نحلة لا تقرصيني ولا أنا عايز عسلك" يعني الحكومة تتركنا في حالنا، ونحن لا نريد منها شيئًا.

 

ثم أشار إلى الجهة المقابلة للجزيرة، وقال:  في هذه المنطقة أرض يملكها الأمير الوليد بن طلال، فهل يستطيع أي رجل أعمال مصري أو وزير أو مسئول أن يتملك شبرًا في صحراء السعودية؟! حتى إن تكية الملك فاروق التي كانت للمصريين في السعودية باعوها أيضًا، فلماذا هذا الحرص على بيع النيل وأرضه بدلاً من الحفاظ عليها في يد المصريين؟!

 

وكرر الدكتور مصطفى: نحن نريد وضوحًا في التعامل بدلاً من حالة التخبُّط التي نعانيها فلا ندري هل نتعامل مع الداخلية أم الدفاع أم الزراعة أم الري؟ في حين أن اثنين من سكان الجزيرة من سويسرا قامت الدنيا ولم تقعد من أجلهما،  وجاء السفير السويسري إلى هنا وتحرك لحل الأزمة.

 

تهديدات النائب

 

محمد أبو العينين

وعن تحركات نواب الشعب قال: اجتمعنا مع النائب محمد أبو العينين أكثر من مرة،  وفي المرة الأخيرة حمل لنا تهديدًا صريحًا ومباشرًا، خلاصته إما أن تتركوا الأرض وترحلوا أو يحدث شيء من ثلاثة:

 

الأول: أن يخرج الجيش السكان عنوةً في ساعات، وقال باللفظ: "الجيش ممكن يمسح الجزيرة في ساعات"، والثاني: أن تحقق النيابة العسكرية ويأخذ كل منا ما لا يقل على 15 سنةً سجنًا في محكمة بدون استئناف.

 

والثالث: أن نيابة أمن الدولة مستعدة لمحاكمة عدة أشخاص تجعلهم عبرةً لغيرهم من سكان الجزيرة، وعن تحركات السفير السويسري قال لنا أبو العينين: ممكن نأتي بغيره لا يعرف شيئًا عن هذه القضية أو غيرها.

 

وحول ملكية الأهالي للجزيرة يؤكد الدكتور محمد أحمد من سكان الجزيرة أن أرضه وضع يد منذ 22 سنةً، ولكن الأهالي الأصليين يسكنون الجزيرة منذ 120 سنةً ووضع اليد له قانون يقنِّن هذا الكلام، مؤكدًا أن بحوزة أبناء الجزيرة أكثر من 20 ألف مستند من إدارات الدولة المختلفة تؤكد الاعتراف بوجودهم في المكان منذ عشرات السنين.

 

وعندما سألناه عن قصة بلاغ السفير السويسري قال إنه أثناء وجود السفير السويسري بمنزل زوج إحدى الرعايا السويسريين في مصر، قامت قوات الأمن بالنزول إلى الجزيرة ومحاولة اقتحامها، ولولا خروج الأهالي والتصدي لهم مجتمعين لتمَّت عملية الاستيلاء على الجزيرة، وقد دفعت تلك الأحداث السفير السويسري للتقدم ببلاغ للسلطات المصرية للاستفسار عما يحدث وعن أوضاع الرعايا السويسريين في الجزيرة.

 

قلب نظام الحكم
 
 الصورة غير متاحة

أحمد البدوي

أما أحمد البدوي (مصمم أزياء) فقال: في 11 سبتمبر الماضي نزلت قوات الأمن على أرض الجزيرة تحاول الاستيلاء على أرض أحد الجيران، لكن الأهالي قاوموها حتى أخرجوها من الجزيرة، بعدها قالوا لنا لم نكن نعرف أن تلك الأرض مملوكة لكم، ثم أمروا كلَّ من يحمل أوراقًا تثبت الملكية أو الإيجار أن يذهب إلى مكتب نائب وزير الدفاع.

 

وبالفعل ذهبنا إلى هناك؛ حيث أدخلونا في مكان ما وأغلقوا علينا المكان لمدة ست أو سبع ساعات وكانت أيدينا موثقة بالسلاسل أثناءها، ثم حققت معنا النيابة العسكرية العليا التي اتهمتنا بمحاولة قلب نظام الحكم، وحمل أسلحة بدون ترخيص، ثم دخل علينا رجال على شكل مخبري الشرطة من حيث الحجم والقوة وقالوا لي: اكتب، قلت ماذا أكتب؟، قالوا إما أن تكتب تنازلاً عن الأرض أو الاتهامات السابقة جاهزة وأمام بطش هؤلاء وإرهابهم اضطُّرِرْت أن أكتب تنازلاً عن أرضي مكرهًا، وهي الأرض التي اشتريتها بـ500 ألف جنيه منذ خمس سنوات.

 

ذكريات 45 سنة

وتعود الحاجة كريمة إبراهيم (63 سنة) بشريط الذكريات لتقول: يا ابني أنا تزوجت في هذه الجزيرة منذ 45 سنةً، ووقتها كانت الجزيرة "خرابة"، وبفضل الله ثم بسواعد رجالنا زرعوها وعمَّروها، فهل بعد كل هذا العناء تأمرنا الحكومة أن نترك الجزيرة ونرحل؟ لا.. نحن ليس لنا مكان سوى هذه الجزيرة ولن نخرج منها إلا أمواتًا، لأن أجدادنا وآباءنا هم الذين عمَّروها.

 

وتضيف: من حوالي عشر سنوات حاول ماهر الجندي الاستيلاء على الجزيرة، وكان محافظ الجيزة وقتها، وكان مصيره السجن، وإن شاء الله أي إنسان يريد بنا شرًّا أو يريد تدمير بيوتنا سيكون مصيره مثل ماهر الجندي.

 

تقنين وضع اليد

 الصورة غير متاحة

عزب مصطفى

من جانبه أكد النائب عزب مصطفى- عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين ونائب دائرة الجيزة- أن الجزيرة أصبحت هدفًا لرجال الأعمال والمستثمرين؛ لأن موقعها متميز وتحتل مساحةً واسعةً من النيل، كما أنها تعود بنا إلى أزمة جزيرتي الذهب والوراق اللتين شهدتا موقفًا مشابهًا عام 2001، وانتهت بتقنين وضع اليد على أملاكهم في الجزيرة، إلا أن الحكومة ما زالت مصرَّةً على طرح الموضوع مرةً أخرى والاستيلاء على الجزيرة بأي شكل ممكن، وهو ما وجدناه في الاستعانة بالقوات المسلحة، وهو أمر لم نعهده في السابق.

 

وأشار عزب أن القصة بدأت بردم 25 فدانًا بالجزيرة منها 15 فدانًا تابعةً للقرية الفرعونية و10 أفدنة تابعةً للأهالي؛ مما يؤكد أن هناك روائح كريهة تفوح بما يجري في هذه الجزيرة من انتزاع الأرض من أصحابها الموجودين بها منذ عشرات السنين.

 

ودعا عزب الحكومة إلى توضيح موقفها خاصةً بعد تضارب الأنباء الذي حدث مع الأزمة؛ ففي حين أكدت وزارة الري والموارد المائية عدم وجود أي نية لطرح الجزيرة للاستثمار، وكل ما في الموضوع أن هناك مشروعًا أعده معهد بحوث النيل لتطوير الجزيرة، وتحويل المساحة من الأراضي غير المقنن أوضاعها إلى متنزه عام، وأن لجنةً مشكلةً من 8 وزارات تبحث جميع الحالات لاحترام حقوق المقيمين في الجزيرة، إلا أن الدكتور حسين العطفي- رئيس مصلحة الري- قال إن الجزيرة ستتحوَّل إلى منتجعات سياحية، واستدرك قائلاً إن جميع البدائل ما زالت متاحة.

 

وحول ما تردده الحكومة بأن سكان الجزيرة واضعو اليد عليها، ومن حقها أن تُخلي الجزيرة منهم لاستغلالها، قال عزب إن هناك قانونًا ينظِّم مسألة وضع اليد وتقنينها مهما كان المكان الموجود عليه وضع اليد، وهو ما حدث مع سكان جزيرة الذهب في أحداث 2001، وحدث مع سكان مناطق كثيرة في كل محافظات مصر؛ حيث يفرض عليهم القانون غرامةَ وضع اليد ويجدول لهم المستحقات الواجبة عليهم، وهو أمرٌ قَبِلَ به الأهالي، بل وطالبوا به، خاصةً أن نسبةً كبيرةً منهم لديهم مستندات تؤكد أحقيتهم في الجزيرة.

 

ولفت عزب النظر إلى ما حدث مع سكان عشش قلعة الكبش في السيدة زينب منذ عام تقريبًا والذي شبت النيران في مساكنهم بدون معرفة السبب حتى الآن وتم إخلاؤها وعرفنا بعد ذلك أنه يتم عليها مشروع سياحي كبير، متوقعًا أن يحدث نفس السيناريو مع أهالي هذه الجزيرة.

 

المردود الاقتصادي
 
 الصورة غير متاحة

الجرافات بدأت العمل على جزيرة القرصاية

وعن المردود الاقتصادي لخصخصة الجزيرة استشهد الدكتور جهاد صبحي- أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر- بمقولة للمستشار طارق البشري: "أنه تم تسييل كل أصول مصر، سواءٌ كان تعليمًا أو ثقافةً أو قيمًا أو مبادئ"، مؤكدًا أن الحكومة تسعى بصورة سريعة جدًّا نحو خصخصة كل شيء، بصرف النظر عن الأضرار؛ لأن الحكومة تعاني من أزمة مالية، خاصة في ظل ارتفاع حجم الدين العام المحلي الداخلي والخارجي بأكثر من الناتج العام؛ فالحكومة تريد أن تعالج عجزها في إدارة البلد خاصةً اقتصاديًّا، عن طريق توفير مصادر مالية لتمويل الإنفاق الجاري، بصرف النظر عن مصدر هذه الأموال وما يترتب على ذلك من أضرار، ورغبة الحكومة في تنفيذ سياسة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي وقَّعت الحكومة اتفاقيةً معهما عام 91، والدليل على ذلك ما يحدث في جزيرة القرصاية، والقطاع العام وبيعهم لمستثمرين أجانب، بالرغم من مناداة الخبراء لبيع القطاع العام المصري لمستثمرين مصريين، أو مشاركة العمال في شراء جزء من هذه الأسهم، والخطير أن عمليات البيع تتم لأشخاص معينين والوسيط في أغلب عمليات البيع جهة واحدة لا تتغير.

 

وأكد صبحي أن بيع المواقع المهمة في البلد لمستثمرين أجانب له مردودٌ سلبيٌّ على المدى الطويل، وبعد فترة من الزمن لن تجد الحكومة مصادر تتبعها لتمويل الإنفاق الجاري؛ مما سيؤدي إلى تزايد الحراك المجتمعي ضد الحكومة.