- حسام سويلم: تتلمذت على يديه وبطولاته في حرب أكتوبر تشهد له

- طلعت مسلم: تميز بالذكاء والعلاقات الطيبة فضلاً عن كفاءته في العمل

- محمد بلال: قيمة وطنية كبيرة ورجل مصري صميم؛ أعطى لمصر الكثير

- شوقي فراج: خسارة كبيرة، وما قيل في حقه مؤامرات تم تدبيرها ضده

- الفريق يوسف عفيفي: قائد عسكري فذ، ومثل أعلى في الجدية والالتزام

 

تحقيق- خالد جمال:

نادرًا ما تجد شخصًا يتفق الجميع على حبه، ويؤكد كلُّ من قابله أو عايشه أنه يضرب أروع الأمثلة في الأدب والذوق الرفيع، فضلاً عن إبداعاته المتميزة في مجال تخصصه وتفانيه في أداء دوره المنوط به تجاه وطنه وأمته.. إنه المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع المصري الأسبق، والذي وافته المنية مساء السبت الماضي.

 

وللفقيد مآثر عديدة، سواءٌ من ناحية قيادته العسكرية أو من الناحية الإنسانية، وهذا ما يسلط (إخوان أون لاين) عليه الضوء من خلال لقائه بمن عايشه أو تتلمذ على يديه.

 

بدايةً.. يقول اللواء حسام سويلم الخبير الإستراتيجي أن المشير أبو غزالة كان أستاذه الذي علَّمه العسكرية عندما تخرَّج في الكلية الحربية عام 1956م، وكان وقتها مدرسًا في مدرسة المدفعية، مؤكدًا أنه تلقى على يديه العلوم العسكرية، واكتسب منه روح المدفعية المعروفة من تآخٍ وترابطٍ، فضلاً عن أنه كان قائدًا له في مراحل مختلفة من حياته إلى قيادته لمدفعية الجيش الثاني الميداني، وكان سويلم أحد ضباطها.

 

ومن مواقف حرب أكتوبر يقول: إنه في يوم 21 أكتوبر تعرَّضت الفرقة 16 لموقف غايةً في الصعوبة عندما حاول الصهاينة اختراق الجيش الثاني، ونجح أبو غزالة ببراعة وثبات شديدين تجميع نيران 24 كتيبة مدفعية؛ مما أدى إلى حماية الفرقة 16 والجيش الثاني بأكمله، وحصل نتيجة ذلك على وسام نجمة سيناء الذهبية.

 

ومن المواقف الإنسانية لأبو غزالة أن أحد المجندين في مركز الاستطلاع بجوار مقر وزير الدفاع بحلمية الزيتون كان مضربًا عن الطعام ومصرًّا على مقابلة وزير الدفاع، وبالفعل قابله أبو غزالة واستمع إليه وعلم منه أنه يعاني من ظروف مادية صعبة، وأن المرتب الحكومي لا يكفي، فما كان منه إلا أن أمر قائد المركز بصرف 300 جنيه له وإعطائه إجازة أسبوعية وأعطاه 500 جنيه من جيبه الخاص.

 

طموحات عالية

ويشير اللواء طلعت مسلم الخبير الإستراتيجي إلى أن أبو غزالة كان ضابطًا يتميز بالذكاء والحضور والعلاقات الطيبة مع الزملاء، فضلاً عن كفاءته في العمل وطموحاته الكبيرة، سواء بالنسبة له أو للقوات المسلحة المصرية؛ وذلك مما عرفته عنه من خلال وجودي معه في الخدمة في القوات المسلحة.

 

قائد فذ

ويضيف الفريق يوسف عفيفي قائد الفرقة 19 في حرب أكتوبر، أن المشير أبو غزالة رحمه الله "قائد عسكري فذ ومثل أعلى في الجدية والالتزام، وكان أبو غزالة في الجيش الثاني الميداني وقت خدمتي في الجيش الثالث، وقد كان هناك تعاون مثمر بين الجيشين وقتها، وكنت ملحقًا عسكريًّا في روسيا وقت وجوده ملحقًا عسكريًّا في أمريكا".

 

قيمة وطنية
 
 الصورة غير متاحة

أبو غزالة على يسار الرئيس الراحل السادات ومعهما مبارك

ويوضح اللواء محمد علي بلال قائد القوات المصرية في حرب الخليج أن المشير أبو غزالة ليس مجرد قائد عسكري من الطراز الفريد، وإنما هو قيمة وطنية كبيرة، ورجل مصري صميم؛ أعطى لمصر الكثير، وتتشرف مصر أن يكون أحد أبنائها، وكان أيضًا رجلاً سياسيًّا إستراتيجيًّا اقتصاديًّا، وله آراء عظيمة في مجالات عديدة، وعندما كان يتحدث أبو غزالة لا تملك إلا أن تنصت له تمام الإنصات، وقد احترمه الجميع؛ من أحبه ومن لم يحبه، "وإن كنت أعتقد أن أحدًا لم يحبه".

 

وأضاف اللواء بلال أن المشير أبو غزالة هو أول من طبَّق الروح المعنوية على حقيقتها في القوات المسلحة، وسيظل ذكرى إلى الأبد في عقل وقلب ووجدان كل مصري.

 

أعز الرجال

وممن عايشه اللواء شوقي فراج الخبير العسكري الذي يقول: "عشت مع المشير أبو غزالة في الجيش الثاني الميداني عندما كان قائدًا للمدفعية، وكنت أنا رئيس مهندسي الجيش الثاني، وقد لازمته يوميًّا في الفترة من أكتوبر 71 حتى أبريل 74، ولمست من خلال هذه المعايشة أنه- رحمه الله- كان رجلاً بمعنى الكلمة؛ فقد ضرب أروع الأمثلة في الجرأة والشجاعة والذوق والتواضع".

 

ويضيف اللواء فراج أنه عندما تمت إقالة أبو غزالة خسرت مصر رجلاً من أعز الرجال؛ وهو ما أدى إلى صعود أنصاف رجال آخرين صعدوا إلى عنان السماء وهم لا يساوون شيئًا، وما قيل في حقه غير منطقي وغير معقول، وإنما مجرد مؤامرات تم تدبيرها ضده، وأدعو الله أن يتغمده برحمته وأن يجعل كل ما قدمه لمصر في ميزان حسناته".

 

احترام الشرعية

 الصورة غير متاحة

المشير الراحل عبد الحليم أبو غزالة

وعلى الجانب السياسي يقول الدكتور سيد عليوة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان إن المشير أبو غزالة أحد رموز العسكرية المصرية التي لعبت دورًا تاريخيًّا مشهودًا في تاريخ مصر العسكري في الحروب التي خاضتها دفاعًا عن أراضيها؛ بدايةً من حرب 48، مرورًا بحرب 56، ثم حرب الاستنزاف، وأخيرًا حرب أكتوبر 73؛ مما يضع اسمه على رأس قائمة الشرف للعسكرية المصرية والدور الذي لعبته حتى في أوقات السلم في التنمية والسلام الاستقرار الاجتماعي.

 

ويضيف د. عليوة أن تاريخ المشير أبو غزالة يؤكد أن العسكرية المصرية هي احتياطي القيادات في الظروف المتقلبة في العالم النامي، كما يؤكد هذا التاريخ أن انفتاح الجهاز الأمني على المجتمع بات ضرورة ملحة في زمنٍ أصبحت فيه الإستراتيجيات ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية.

 

وعن سبب انعزال أبو غزالة عن الحياة العامة في الفترة الأخيرة من حياته، يقول د. عليوة إن العسكرية المصرية تحترم الشرعية تحت أي ظرف، وهذا هو أحد عوامل الاستقرار في خريطة المجتمع المصري الذي يتصف بالوسطية والاعتدال، وبالتالي فإن اعتزاله النسبي في الفترة الأخيرة نابعٌ من احترامه للشرعية وللقيادة السياسية، هذا إلى جانب الملابسات السياسية داخليًّا وخارجيًّا، مثل التغير الانقلابي في موازين القوى الإقليمية والدولية، وتعدد الاختيارات ووجهات النظر حول أي البدائل تأخذ مصر طريقها في عصر العولمة.

 

مفكر عسكري

 الصورة غير متاحة

الرئيس مبارك في جنازة أبو غزالة

وفي نفس الإطار أكد الدكتور جمال عبد الجواد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن المشير أبو غزالة أحد القادة الرئيسيين في حرب أكتوبر، ولعب دورًا مهمًّا في الحياة السياسية والعسكرية؛ فمن الناحية العسكرية هو أكثر من قائد عسكري محنك، ولكنه يكاد يكون مفكرًا عسكريًّا؛ لما له من إسهامات في مجال المؤلفات الخاصة بالعلوم العسكرية.

 

ومن الناحية السياسية يقول د. عبد الجواد إن أبو غزالة لعب دورًا مهمًّا في مرحلة انتقال السلطة من السادات إلى مبارك وتأمين عملية نقل السلطة واستقرار النظام حتى عام 89، وكانت تلك فترةً حاسمةً في تثبيت أركان نظام مبارك؛ مما جعله يتحول إلى مركز للقوى، وهذا ما يرفضه النظام السياسي والدستوري المصري المستقر منذ أزمة عبد الناصر والمشير عامر؛ فأدى إلى إقالته، وهذه هي آليات السياسة في نظام غير ديموقراطي، وكذلك هذا جزء من قواعد اللعبة السياسية في مصر؛ أن الشركاء في الحكم عندما يخرجون منها ينعزلون، وهو الأمر الذي كان أبو غزالة يدركه تمامًا، وتصرَّف وفقًا له، ولم يكن يحتاج إلى جهود لتغيير رأيه، ولم يكن من الصعب عليه التكيف مع الوضع الجديد بعد إقالته.