- د. أحمد يوسف: تراجع السياسة الخارجية وإهمال إفريقيا سبب الأزمة

- هاني رسلان: دول المنبع أداة لتنفيذ الأجندة الصهيونية ضد مصر

- جمال نكروما: الدور الصهيوني في إثيوبيا بديل للفراغ المصري

- خيري عمر: القاهرة تخشى تكرار النموذج التركي في الفرات

- بدر الشافعي: تداعيات وخيمة لو استمرت الأزمة الحالية

 

تحقيق- خالد عفيفي:

رفضت القاهرة منذ يومين التوقيع على اتفاقية حوض النيل دون وجود نصٍّ صريحٍ يضمن عدم المساس بحصتها من المياه والإخطار المسبق عن أي مشروعاتٍ تقوم بها دول أعالي النيل، وأن يكون تعديل الاتفاقية بإجماع الدول العشر (مصر والسودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندي وبوروندي والكنغو الديمقراطية)، وليس بالأغلبية، كما رفضت اقتراحًا قدَّمته دول المنابع السبع بإنشاء هيئة حوض النيل بالتوافق في غضون ستة أشهر، وطرحت الحكومة تشكيل لجنة وزارية رباعية من مصر والسودان وإثيوبيا وإحدى دول حوض النيل الاستوائية لإيجاد صيغة توافقية حول الأمن المائي والحقوق التاريخية.

 

وفي هذا الإطار تطل الأيادي الصهيونية الخفية في محاولة إشعال فتيل الأزمة بين مصر ودول حوض النيل، وخاصةً دول المنبع لحصار مصر والعبث بأمنها المائي والضغط عليها، وابتزازها من أجل الحصول على حصص من مياه نهر النيل.

 

وأشارت التقارير إلى أن الأطماع الصهيونية في المنطقة تتمثل في الحصول على نصيب من مياه نهر النيل للاستفادة منه في زراعة صحراء النقب، وكشفت عن وقف مصر للعمل بمشروع ترعة السلام بعد أن وصلت المياه منتصف سيناء؛ حتى لا تصل إلى العريش فتكون لقمة سائغة في يد الكيان.

 

ويعزز من تلك النظرية انتشار المشروعات الصهيونية على مجرى النيل في دول إثيوبيا وأوغندا وكينيا بشكلٍ قد يُؤثِّر على حصة مصر من المياه، والتي تبلغ 55 مليار متر مكعب، كما أقرتها الاتفاقية التي وقعت مع حكومة الاحتلال البريطاني عام 1929م.

 

وفي ظلِّ توقعات الخبراء بأن الحرب القادمة ستكون على المياه والنقص الشديد الذي تعاني منه جميع دول حوض النيل التي اقتربت من خط الندرة المائية (500 متر مكعب للفرد سنويًّا)، تواجهنا التكهنات بمصير الأزمة الحالية، وإلى أي مدى يمكن أن تصل؟ وما حجم الدور الصهيوني فيها؟ وهل سينجح قريبًا في تحقيق أهدافه؟ وما مستوى تهديدات مشروعاته في دول المنبع على أمن مصر المائي؟ وكيف يمكن الخروج من هذا النفق المظلم دون اللجوء إلى القوة؟.

 

 د. أحمد يوسف

 

بدايةً.. يُرجع الدكتور أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومدير معهد الدراسات العربية بجامعة الدول العربية، الأزمةَ الحاليةَ إلى الفشل الذي أصاب السياسة الخارجية المصرية على مدى عقودٍ مضت، فضلاً عن إهمال مصر لإفريقيا وعدم سعيها إلى تكوين تحالفات قوية مع دولها، وخاصةً في ظلِّ نمو قوى وأقطاب إفريقية على الساحة مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا.

 

وأكد أن التغلغلَ الصهيوني في دول منبع النيل وإثيوبيا لا يمكن إنكاره مع ازدياد المشروعات الأمنية والمائية على مجاري النيل فيها، ولكنه قال إن المعلومات الأكيدة والتفاصيل الخاصة بهذا التغلغل ما زالت مجهولةً حتى الآن، مشيرًا إلى دورٍ إيراني في المنطقة أيضًا.

 

وتوقَّع د. يوسف أن يبقى الوضع كما هو عليه إذا لم يتم التوصل إلى صيغةٍ موحدة للاتفاقية، ولكن المرحلة المقبلة سوف تشهد توترات في العلاقات المصرية مع دول المنبع قد تمنعها من إقامة مشروعاتٍ لتنمية موارد المياه في تلك الدول.

 

أجندة صهيونية

ويقول هاني رسلان رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام: إن الكيان الصهيوني يلعب دورًا سلبيًّا ضد مصلحة مصر من خلال وجوده الأمني والسياسي والاقتصادي في دول منبع نهر النيل مثل أوغندا وكينيا وتنزانيا، بالإضافةِ إلى إثيوبيا ويشجع هذه الدول على التمسك بمواقفها الرافضة لتوقيع مبادرة حوض النيل المشتركة.

 

هاني رسلان

 

ويشدد على أن إستراتيجية الكيان عمومًا تتمثل في حصار العالم العربي من الأطراف، وبالتالي يمارس دوره لحصار مصر باعتبارها كبرى دول المنطقة.

 

ويشير إلى أن الدول المتعاونة مع الكيان الصهيوني ترتبط بمصالح وأهداف مشتركة يتم فيها استخدام قدرات تلك الدول في تنفيذ الأجندة الصهيونية مقابل إعطاء مزايا اقتصادية وأمنية لها.

 

ويؤكد أن مصر ترفض المساس بحصتها في مياه النيل وتعتبره خطًّا أحمر لا يمكن تجاوزه، وخاصةً أن المتوسط العالمي لنصيب الفرد من المياه لا يقل عن 1000 متر مكعب سنويًّا في حين يبلغ في مصر 800 متر مكعب فقط مرشحة للانخفاض في ظل الزيادة السكانية واحتياجات التنمية، محذرًا من إمكانية دخول مصر إلى حيز الندرة المائية إذا وصل نصيب الفرد إلى 500 متر مكعب.

 

وبالنسبة لدول المنبع والتي تعاني مشاكل مضاعفة في مصادر المياه قال رسلان إن مصرَ لم تألُ جهدًا في تمويل مشروعات تطهير المجاري المائية، وحفر مئات الآبار، وإقامة السدود في تلك الدول بما يضمن أقصى استفادة من المياه المنحدرة من الهضبة الاستوائية.

 

ويضيف أن دول منبع النيل تتحفظ على اتفاقية عام 1929م التي وقَّعتها مصر مع بريطانيا، وتتضمن عدم إقامة أي إنشاءاتٍ على مجرى النيل دون موافقة مصر باعتبار أن الاتفاقية وُقِّعت في الحقبة الاستعمارية، كما تعترض على اتفاقية 1959م لتقاسم حصة مياه النيل بين مصر والسودان باعتبارها ليست طرفًا فيها.

 

ويؤكد رسلان أن السياسة المصرية في إدارة الأزمة هي البعد عن أي شيء يؤدي إلى الصراع، والبحث عن إطار تعاوني لتوفير موارد إضافية للمياه، وتقاسم الكميات المهدرة بين دول حوض النيل العشر.

 

واستبعد رسلان أن تؤدي الأزمة الحالية إلى نشوب صراعٍ بين دول حوض النيل أو قوى إقليمية أخرى، مؤكدًا استبعاد مصر لهذا النهج منذ تهديدات الرئيس السادات في السبعينيات بالدخول في حرب إذا تم تهديد مصالح مصر في المنطقة.

 

دور مفقود

 الصورة غير متاحة

جمال نكروما

ويؤكد جمال نكروما الكاتب المتخصص في الشئون الإفريقية أن الدور الصهيوني في إثيوبيا لا يكن سوى بديل للدور الذي كان من المفترض أن تلعبه مصر في هذه الدولة المهمة، والتي تحصل مصر على 85% من حصتها في مياه النيل من هضبة الحبشة الموجودة فيها متسائلاً: "لماذا نركز في مصر على 15% من المياه ونتجاهل النسبة الأكبر في إثيوبيا؟!".

 

ويقول: إن الزيادة السكانية في إثيوبيا، بالإضافة إلى القحط الذي يصيبها في بعض الأعوام والفيضانات في أعوام أخرى تدفع جميعها حكومة البلاد إلى البحث عن شريك يمتلك الإمكانيات المادية والفنية؛ لإقامة مشروعات زراعية وتنقية وتطهير المجاري المائية وإقامة السدود، ووجدته في الكيان الصهيوني.

 

ويستنكر نكروما ما وصفه بالدور السلبي وغير المقبول لمصر في المنطقة، مطالبًا مصر بمراجعة سياساتها جذريًّا، ومراعاة حقوق دول حوض النيل، فضلاً عن توسيع رقعة التعاون والتنسيق معها، وأكد أن أية تفاصيل أخرى في الاتفاقية يمكن أن يتم التوافق عليها بشرط توافر مبدأ التعاون والتنسيق.

 

  النموذج التركي

ويرى خيري عمر الباحث في الشأن الإفريقي أن تغيرات الأوضاع الحادثة في منطقة حوض النيل جعلت دول المنبع تفكر في إعادة النظر في رؤية البنك الدولي لتوزيع المياه على دول الحوض حسب التوزيع السكاني.

 الصورة غير متاحة

 خيري عمر

 

ويشير إلى أن البنك الدولي يطالب تلك الدول بالدخول في عملية تسعير للمياه بغرض الاستخدام الأمثل لها، ولكنَّ النقاشات والجدل ما زال مستمرًا بين دول الحوض حول كيفية تنفيذ ذلك، ودور دول المنبع من جانب ودولتي المصب من جانب آخر.

 

ويؤكد أن مصر تخشى تكرار النموذج التركي في نهر الفرات؛ حيث يحق لتركيا وحدها (دولة منبع) البت في أي مشروع أو إنشاءات على مجرى الفرات.

 

ويضيف أن أي تحريف لاتفاقية 1929 لن يعيد النظر في حصة مصر من المياه فقط، ولكنه سيعيد النظر في خريطة المنطقة من الناحية السياسية والاقتصادية؛ مما سيترتب عليه عواقب وخيمة قد تضر بأمن مصر المائي في المستقبل.

 

ويحذر عمر من تملك الصهاينة لأراضٍ زراعية على مجرى النيل في إثيوبيا والمشروعات الصهيونية التي تجري على قدم وساق هناك، من تطوير للزراعة وحفر للآبار وعمليات بناء سدود ومجارٍ مائية، يمكن أن تطيل الذراع الصهيونية في المنطقة بالشكل الذي يؤثر بشدة على أمن مصر المائي والقومي على حد سواء.

 

وحول محاولات الصهاينة توصيل مياه النيل إلى الأراضي المحتلة عبر ترعة السلام استبعد عمر ذلك بشدة، قائلاً: إن نهر النيل يجري في إفريقيا، ولا يمكن أن يمتد إلى دولة في آسيا، ولكنه عاد وحذَّر من أن التواجد الأمريكي الصهيوني في إثيوبيا، والمواكب لعملية تحولات كبرى في خريطة المنطقة؛ يمكن أن يعطي حق الانتفاع بمياه النيل لأي دولة أخرى ليست في إفريقيا.

 

ورفض السفير أحمد حجاج الأمين العام المساعد لمنظمة الوحدة الإفريقية سابقًا الإدلاء بأي تصريحات أو آراء حول تلك الأزمة، مؤكدًا أن الموضوع في غاية الخطورة والحساسية، ويمس الأمن القومي المصري.

 

تداعيات وخيمة

 الصورة غير متاحة

د. بدر الشافعي

ويستبعد د. بدر الشافعي الباحث في الشئون الإفريقية أن يمثل التغلغل الصهيوني في منطقة منابع النيل تهديدًا للأمن المائي المصري؛ خاصةً أن 85% من حصة مصر تأتي من هضبة الحبشة و15% فقط من دول المنبع والبحيرات الاستوائية، مؤكدًا أن لذلك أهداف أخرى؛ خاصة بالكيان ولا علاقة لمصر بها.

 

وقال إن الرفض المصري لتوقيع اتفاقية دول حوض النيل ينبع من اعتبارين، أولهما: عدم حديث دول المنبع عن الاتفاقيات التي تنظم حصص دولتي المصب (مصر والسودان) من المياه، وخاصة اتفاقيتا 1929 و1959م مع الحكومتين البريطانية والسودانية على التوالي، والتي حددت حصة مصر بـ55 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويًّا.

 

ويضيف د. الشافعي أن الاعتبار الثاني يتعلق بالشروط التي أملتها الاتفاقيات على دول المنبع بعدم إنشاء أية مشاريع على مجرى النيل دون موافقة دولتي المصب، مشددًا على أن هذا الموقف المصري قديم، ولكنه يتجدد في كل مناسبة تتعلق بالقضية.

 

ويحذِّر من تداعيات عدم الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف في الأزمة، داعيًا إلى زيادة التعاون القائم في المشروعات التي من شأنها أن تزيد من حصص جميع دول حوض النيل.