- مهندس مشروعات: الشمس والرياح وسيلتان لحل أزمة الكهرباء

- مصدر "بالقابضة": انعدام التخطيط السبب الرئيسي للانقطاع

- د. مجدي قرقر: الأزمة في بدايتها وسوء التقدير السبب فيها

- جمال فهمي: الانتقائية هي السرُّ وراء أزمة انقطاع الكهرباء

- المتحدث باسم الوزارة: شبكات الربط الحالية لا فائدة منها

 

تحقيق: يارا نجاتي

تتوالى أخبار انقطاع الكهرباء في جميع المحافظات والمناطق في مصر، مع وجود بعض التفاوت بين مرات ومدة انقطاعها في مناطق دون الأخرى، فلم يعد يمر يوم واحد حتى تنقطع الكهرباء بعدة أماكن، مخلِّفة عددًا من الخسائر المادية، فضلاً عن الصعوبات والمشقات البشرية.

 

وحجة المسئولين المكررة هي زيادة الأحمال الناتجة عن ارتفاع درجة الحرارة واستخدام المواطنين للتكييفات، متَّهمين المواطن بالتبذير وعدم التفكير في ترشيد الاستهلاك.

 

وأصدرت وزارة الكهرباء خلال تلك الأزمة العديد من القرارات، منها إلزام المواطنين بترشيد الاستهلاك، وإطفاء إنارة بعض الشوارع الجانبية تمامًا إلا أنها تراجعت في ذلك القرار واستبدلته بإطفاء 50% فقط من إنارة الشوارع، وغيرها من القرارات التي أثارت حفيظة المجتمع كله، ولم تؤكد تحملها مسئوليته أو التفكير في حلول جذرية للأزمة.

 

بالإضافة إلى أن مصر لم تستفد مطلقًا من تلك الانقطاعات الواسعة مؤخرًا من شبكات الربط مع الأردن وسوريا، أو شبكة الربط مع ليبيا والمغرب العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن؛ هل الأزمة الكهربائية في مصر وصلت لأشدّ درجاتها نتيجة للاستهلاك الزائد من المواطنين؟، وما فائدة شبكات الربط إن كنَّا لم نستفد منها؟، ولماذا التفكير في شبكة ربط جديدة تجر علينا مزيدًا من الأموال دون حل جذري للمشكلة؟، وما البدائل المطروحة لتفادي تكرار تلك الأزمة؟

 

الشمس والرياح

 الصورة غير متاحة

انقطاع الكهرباء أصبح ظاهرة في كل محافظات مصر

   يؤكد المهندس أيمن عبد ربه مدير مشروعات بإحدى الشركات الخاصة أن الأزمة التي تعاني منها البلاد هي أزمة فعلية تواجهنا؛ نتيجةً لزيادة الأحمال على المرافق، مرجعًا تلك الزيادة إلى أمرين، أولهما، قلة عدد محطات توليد الكهرباء في مصر؛ حيث لا تتناسب مع التجدد الذي يحدث باستمرار في كل المجالات، كزيادة عدد الأجهزة ذات الاستهلاك العالي بنسب عالية جدًّا، إلى جانب اختلاف استخدامات المصريين للكهرباء، مما يؤدِّي إلى زيادة التحميل على شبكة الكهرباء.

 

ويضيف: وذلك كله نتيجةً لارتفاع معدلات الرفاهية في مصر، التي تزيد باستخدام أعداد ضخمة من الأجهزة الكهربائية الحديثة، والتي تزداد مع كل عام، بجانب التغيرات المناخية التي ظهرت في مصر في السنوات الأخيرة التي دفعت المصريين إلى استهلاك أجهزة التدفئة والتكييفات بشكل أكبر.

 

ويقول مثلاً يتم إنشاء المباني وتوصيل الكهرباء لها على أساس استخدام معين وثابت، لكن بعدما تضاف إليها أعداد كبيرة من التكييفات أو أي جهاز يعتمد على السخانات التي تعد من أكثر الأجهزة استهلاكًا للكهرباء؛ حيث لا تتحمل الكابلات الموصَّلة إلى المباني ذلك الحجم الضخم من الطاقة، فتحتاج إلى التوقًُف عن العمل، مضيفًا أن الزيادة السكانية الكبيرة وارتفاع عدد السكان يعتبران سببًا من الأسباب الرئيسية في زيادة الأحمال على شبكات الكهرباء في مصر.

 

وكل تلك الزيادة في الأحمال على الشبكة يجعل المسئولين عن الكهرباء في مصر يقومون بتخفيف الأحمال عن بعض المناطق؛ بقطع الكهرباء عنها في سبيل توصيلها بطاقة كاملة لمناطق أخرى.

 

ويؤكد أن هناك العديد من الوسائل التي تساعد على التخلُّص من تلك الأزمة، ومنها، بدايةً توعية المواطنين إلى الترشيد السليم لاستهلاك الكهرباء، فمثلاً أجهزة التكييفات لا تظل تعمل طوال اليوم بل نقوم بإيقافها كل فترة بعد تبريد الحجرة في الصيف.

 

وحول وجود بدائل لرفع عدد المحطات التقليدية والخروج من تلك الأزمة، يقول: هناك محطات تعمل بالطاقة الشمسية، ويمكن تعميمها في أنحاء مصر كلها، ولها الكثير من المزايا إلاَّ أنها ذات تكلفة عالية؛ ولكن يوجد أقل منها في التكلفة، وتعتبر صديقة للبيئة ألا وهي المحطات التي تستخدم الرياح في توليد الكهرباء، وتمت تجربتها في مصر منذ 5 سنوات، وأثبتت نجاحها بالفعل في قطاع صغير، وهي منطقة خليج الزيت بالبحر الأحمر.

 

أشباه الحلول

واتفق معه مصدر مسئول داخل الشركة القابضة للكهرباء- رفض ذكر اسمه- حيث قال لنا: إن انقطاع الكهرباء المتكرر في المحافظات له العديد من الأسباب، أهمها، هو ثقل الأحمال على الشبكة إلى جانب عدم كفاية الإنتاج، ما يجعل الشركة تلجأ إلى قطع الكهرباء في أوقات معينة وأماكن معينة كالعشوائيات؛ لإعطائها مناطق أخرى.

 

ويرجع السبب الرئيسي في الأزمة التي نعيشها اليوم في الكهرباء إلى سوء التخطيط؛ حيث يقول: إن وزارة الكهرباء تعلم جيدًا حاجة مصر إلى إنشاء محطات توليد كهرباء جديدة، وهو أمر سهل ولا يمثل مشكلةً كبيرةً، إلاَّ أن عدم إنشاء شبكات تستوعب الطاقة الإنتاجية التي نحتاجها في مصر يعود إلى التفكير المتأخِّر للمسئولين، الذين لا يظهرون سوى عند وقوع المشكلة الحقيقية كل عام، وعندما تأتي موجات الحر، قائلاً: إن من شركات الكهرباء مَن تقوم بعمل دراسات توضِّح على أساسها معدل نمو الاستخدام في مصر، وطبقًا لها لا بد من وضع خطة خمسية أو عشرية لإنشاء المحطات الجديدة.

 

ويصف ما تقوم به الوزارة حال وقوع الأزمة بأشباه الحلول؛ حيث لا تبحث عن حلول دائمة لمواجهة مشاكل الكهرباء، أو تطوير المنظومة بالكامل.

 

ويشير إلى عدم استفادة الشبكة الكهربائية المصرية من الربط مطلقًا مع شبكات الأردن وسوريا وتركيا من ناحية، أو الربط مع شبكات المغرب العربي عن طريق ليبيا، ما يعد استمرارًا في مسلسل إهمال القطاع بالكامل، موضحًا أن السبب في ذلك هو عدم رغبة الجانب المصري في دفع أموال مقابل الاستفادة من شبكات الربط؛ حيث تقضي الاتفاقيات بسحب الدولة للكهرباء من دولة أخرى عن طريق الشبكة، وبعدها يتم حساب التكلفة وتقوم الحكومة بدفعها، إلاَّ أن ذلك لم يحدث مطلقًا، فمنذ بدء عمل شبكات الربط فكل ما تقوم به هو إعطاء كهرباء، ولكننا لا نأخذ أبدًا.

 

ويؤكد أن استخدام شبكات الربط جاء ليحل جزءًا كبيرًا من أزمة الكهرباء الحالية، مشيرًا إلى أن الربط مع شبكات أخرى يعود دائمًا بالفائدة على الشبكة، ويؤدِّي إلى رفع طاقتها، ويجعل معامل أمان الشبكة أعلى.

 

ويرفع التهمة تمامًا عن عاتق المواطنين، قائلاً: إن المواطن ليس له أية علاقة بزيادة الأحمال، إنما المتهم هو المقصِّر في تنفيذ ما توصي به (دراسة الأحمال)؛ حيث تقوم بها الشركات القائمة على الكهرباء، وتتضمن معدل شراء الأجهزة المختلفة كالتكييفات وغيرها، بالإضافة إلى استخدامات المصانع للكهرباء، والمنشأة جديدة منها، مبينًا أن كل تلك الأرقام والأعداد تكون معروفة لدى المسئولين.

 

ويرى أن الحل قد يأتي من خلال البدء في استخدام بعض البدائل الموجودة في كل أنحاء العالم، كالبدء في إنشاء المحطات النووية؛ لاستغلالها في إنتاج الطاقة الكهربائية، التي تتحدث عنها الحكومة منذ عشرات السنين.

 

ويشدد على ضرورة التخطيط المنظَّم لقطاع الكهرباء في مصر والاستمرارية في بناء المحطات الجديدة، وتجديد المحطات القديمة والشبكة كاملة بكل خطوطها، التي أصبح معظمها متهالكًا تمامًا، ولا ينظر إليه أحد، قائلاً: إن كابلات التوصيل المتهالكة تعد إحدى مراحل انقطاع الكهرباء الهامة، مطالبًا بوضع خطط سريعة لمواجهة زيادة الأحمال.

 

الحكومة أولاً وآخرًا

 الصورة غير متاحة

 د. مجدي قرقر

   ويطالب الدكتور مجدي قرقر الأمين العام المساعد لحزب العمل الحكومة بأن تكف عن تحميل المواطنين وحدهم مسئولية أزمة الكهرباء في مصر، بل عليها أن تعترف بأن الخطأ في تلك الأزمة مشترك بين المواطنين والحكومة، موضحًا أن خطأ المواطن يظهر في افتقاده ثقافة ترشيد الطاقة وخاصة الكهرباء، والذي يجب أن يضطلع بذلك الدور هو الإعلام الرسمي الحكومي؛ بحيث يوجَّه المواطنين إلى الاستخدام الصحيح للكهرباء.

 

وعن الخطأ الحكومي يقول: يتمثَّل خطأ المسئولين عن الكهرباء في سوء تقدير الأحمال الزائدة المتوقعة، فضلاً عن الاتجاه السائد في الحكومة بفرض سياسات الأمر الواقع في جانب التخطيط الحكومي.

 

ويوضح أن أزمة الكهرباء لم تصل إلى ذروتها أو إلى مرحلة خطيرة، كما تزعم الحكومة، إلى أن المشكلة تتفاقم مع مرور الزمن عليها، وخاصةً في ظل السياسات غير الرشيدة للحكومة المصرية، مشيرًا إلى وجود بعض الانتهازية السياسية التي تؤدِّي إلى توصيل الكهرباء إلى بعض المناطق على حساب مناطق أخرى غير واردة في مخطط الحكومة؛ لتحقيق أهداف سياسية، كقرب موعد الانتخابات وغيرها.

 

ويؤكد أن الحل قد يأتي عن طريق التوسُّع في إنتاج الطاقة والطاقة البديلة، إلى جانب إنشاء محطات الطاقة الصديقة للبيئة، التي تعد جزءًا كبيرًا من حل مشكلة الكهرباء في مصر، ويضيف خاصةً استخدام الطاقة النووية في توليد الطاقة الكهربائية الذي تخلَّفت عنه مصر كثيرًا، مع الفوائد الضخمة التي يمتلكها.

 

للأغنياء فقط

 الصورة غير متاحة

جمال فهمي

   وعلى الجانب الإعلامي، يرى الكاتب الصحفي جمال فهمي وعضو مجلس نقابة الصحفيين أن إهمال الحكومة والمسئولين التوعية الإعلامية للمواطنين للمساهمة في ترشيد استهلاك الكهرباء؛ إنما هو جزء من العشوائية التي يسير بها النظام كله، قائلاً: إن المسئولين المصريين يتعاملون مع أية أزمة على أساس أنها مفاجئة مهما كانت المعطيات التي ظهرت أمامهم، فمن المعروف للجميع أن معدل استهلاك الكهرباء يرتفع ويتضاعف في فصل الصيف، وكان على الحكومة الاستعداد لمواجهة ذلك الضغط قبل انفجار الأزمة.

 

ويستنكر وصول حد الإهمال إلى اللجوء إلى قرارات غير مدروسة كإغراق الشوارع في الظلام ليلاً، وترك أعمدة الإنارة مضاءة طوال النهار، واصفًا ذلك الأمر بالحل المأساوي والمضحك في نفس الوقت.

 

ويشير إلى أن أزمة انقطاع الكهرباء ظهرت في مصر؛ لأن كل ما يتعلق بالخدمات العامة والمرافق يُوجَّه إلى الأغنياء فقط، أما الفقراء فلا يصل إليهم إلا الفتات المتبقي من الأغنياء، مؤكدًا أن طبقة البسطاء والكادحين هي التي تدفع ثمن السعار والجنون الاستهلاكي الذي أصاب الطبقة التي جمعت ثرواتها بطرق غير مشروعة، وبالتالي تصرفها بلا مسئولية.

 

ويضيف: فمئات القصور والمنتجعات التي يملكها كل فرد من هؤلاء تكتظ بالأجهزة الكهربائية وآلاف اللمبات والإضاءات المبهرة، فضلاً عن أصحاب المصانع والدعم الذي يتلقونه على الطاقة واستهلاك الكهرباء، على الرغم من امتلاك أغلب تلك المصانع بالغش والتدليس، موضحًا أن أزمة الكهرباء التي تحدث حاليًّا في مصر تختصر كل المظاهر السلبية التي تعصف بالمجتمع كاملاً، ولا تهدف سوى للإضرار بالفقراء.

 

وعن دور الإعلام في الوصول إلى حلول لمواجهة تلك الأزمة، يقول: إن على الحكومة القيام بحملات إعلامية موسعة في كافة الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، التي تُوجه المواطنين وترشدهم إلى الطريقة المثلى لتقليل الفاقد في الطاقة الكهربائية، مشيرًا إلى أنه من المؤكد أن بعض السلوك العشوائي لعدد من المواطنين يؤدي إلى إهدار الطاقة سواء الكهربائية أو المائية.

 

ولكنه يشدِّد على توجيه الأجهزة المعنية للمواطنين في سياق عادل، والبعد عن الطريقة الانتقائية للتعامل مع بعض المواطنين، إلى جانب العمل في إطار يدعم الشفافية التامة، وإنهاء حالة إبعاد المواطن عن التفاصيل المحيطة به.

 

الربط لا يفيد

وينفي تمامًا الدكتور أكثم أبو العلا وكيل أول وزارة الكهرباء والطاقة والمتحدث الإعلامي بالوزارة؛ أن تكون أزمة انقطاع الكهرباء المؤخرة مفتعلة من قِبل الوزارة، قائلاً: إنه لم يحدث مطلقًا أن قامت شركات الكهرباء بقطع التيار عن بعض المناطق الفقيرة، كما يُشاع حاليًّا، مؤكدًا أن القطع الذي يستمر لمدة طويلة في بعض المناطق الفقيرة أو العشوائية يرجع إلى احتمالية وجود أعطال في الشبكات والمحطات الخاصة بتلك المناطق.

 

ويكمل: أما القطع المقصود من الشركة لا يستمر أكثر من ساعة أو ساعتين، ويكون ضمن برنامج صيانة متكامل، ويكون من الساعة الثامنة وحتى العاشرة مساءً، بهدف تخفيف الأحمال.

 

وحول عدم الاستفادة من شبكات الربط مع الأردن من ناحية وليبيا من ناحية أخرى في حل تلك الأزمة المعاصرة، يرد قائلاً: إن قدرات شبكة الأردن محدودة جدًّا ومقاربة لمستوى الشبكة المصرية، وبالتالي لم نحاول الاستفادة منها، ونفس الحال بالنسبة لشبكة الكهرباء الليبية، مشيرًا إلى أن المشكلة تكمن في أن تلك الدول لها نفس أوقات الذروة مع مصر.

 

أما عن فائدة الربط مع الشبكة السعودية، فيقول: إن ذلك هو الربط الحقيقي، وستكون الأكثر إفادة من الشبكات الأخرى، نظرًا؛ لأن وقت الذروة عندهم صباحًا، أما نحن فوقت الذروة عندنا ليلاً.