أختي العزيزة.. جاءتني إحدى الجارات بعد كلمة ألقيتها في تراويح رمضان عن برِّ الأم، وقالت لي تلك الرسالة فأرجو منكم قراءتها.

 

"أمي قاسية القلب.. لم تأخذني لحضنها أبدًا، حتى إنني كنت أتظاهر بالمرض حتى تأتي بجانبي، فكنت أمسك يديها، فتنزعها مني بكل شدّة وتقول: "مش فاضية ورايا شغل"!.

 

حتى إنني ذات يوم كدت أموت في حادث سيارة، وأول ما رأتني قالت لي: "ضيَّعتي المفتاح يا فالحة"، لم أشعر بألم جسدي يومها، ولكن الألم كان في قلبي، فأمسيت أبكي الليل كله...!!.

 

سيدتي.. إنها لم تقل لي مرةً واحدةً: "أحبك" أو "وحشتيني"، وذلك رغم زواجي بعيدًا عنها.. أنا لست عاقَّة لها، بل أبرّها وأتودّد إليها؛ ولكن في قلبي شيء لا أستطيع أن أنساه، أنا أم حاليًّا لثلاثة أولاد ولكني معهم- والله يعلم- أمٌّ بمعنى الكلمة، لا أريد أن يشعروا بما شعرت أنا به، وأدعو الله في صلاتي دومًا؛ ولكن قلبي ما زال يتألم".

 

انتهت قصتها يا أختي، وقد ذكَّرتها بما فعلته من أجلها، وهي صغيرة، وأنها قد تعبت في حملها ووضعها، وأنها في نعمة، وغيرها كان يتيم الأم، وأنها طريق الجنة، والجنة حفّت بالمكاره، ولكني لم أعرف كيف أرد عليها لعلاج قلبها؛ فماذا ترين أنت أختي في الله..؟!!

 

تجيب عنها: أسماء صقر- الاستشاري الاجتماعي في (إخوان أون لاين):

إن آلام القلب لا يداويها إلا مقلِّبه، ولكنك تستطيعين أن تفتحي معها عدة أبواب؛ علها تساعدها على شفاء قلبها المتألم:

1- هناك بعض الأشخاص الذين لا يستطيعون التعبير بلغة الحنان الحسي والكلمات الرقيقة والأحضان الدافئة، ولكنهم يحوِّلون هذه العاطفة إلى أداءات عملية؛ من رعاية وخدمة وخوض في تفاصيل كثيرة لإضفاء السعادة والراحة على حياة الآخرين.

 

2- الآية (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (لقمان: من الآية 15)، والمعروف هو: البر والصلة والعشرة الطيبة الجميلة، ولكن أمك لم تجاهدك في غير رضا الله، بل ربَّتك على الإسلام والخير، فكفى به فضلاً منها وهي أحرى وأولى ببرك مهما فعلت.

 

الابتلاءات تتعد وتختلف لكل واحد منا عن الآخر، ولعل ذلك ابتلاؤك، صعوبة بر والدتك وتطلع قلبك الدائم ولومه لها على قلة تعبيرها عن حنان الأم ولهفتها الفطرية عليك.

 

3- ألا يمكن أن تكون هذه روايتك أنت للأمور، بينما إن استمعنا لوالدتك فستخبرنا روايةً أخرى، ربما عن عدم تعبيرك أنت عن الحب لها ومشاركتها في أمورك؟ وربما وجدت منك الكثير من عدم الاحترام الذي تمنَّته من ابنتها؛ مما أدى لابتعادها عنك لتتجنب التأذي؟ وربما كانت تحمل من المسئوليات ما ليس في قدراتها ولم يعنها أحد ولا حتى أنت؟ ألا يمكن أن تكون غير سعيدة في حياتها الزوجية ولكنها تحملتها من أجلك أنت لتخرجي سليمة من بيت سليم؟!

 

4- كم جربتِ أن تقولي لها: "بحبك ووحشتيني"؟ بم تجيبك؟ وكم تقولينها لها؟

 

أريدك أن تحدثيها عن احتياجك، ولكن ليس بطريقة الاتهام، وإنما بطريقة التعبير عن الاحتياج.. مثلاً: "أمي ليس عندك فكرة كم تسعدني منك كلمات الحب ووحشتيني والحاجات دي.. تعينني فعلاً على الحياة كلها، ليس في الدنيا حب مثل حبك".. إن جملاً مثل هذه وغيرها حال تكرارها بمنتهى الحب والبر؛ فلا بد أنها ستؤتي ثمارها مع إلحاقها بـ"رغم أنك دائمًا ما تفعلين ما هو أقوى من هذه الكلمات الصغيرة، إلا أن هذه الكلمات تعني لي الكثير".. ستكون جملك مباشرة ومفهومة، إلا أن هذه الطريقة تعين الطرف المقابل على التغيير بدون أن يشعر بالحرج أو بالذنب.

 

5- داومي على تذكير نفسك بأفضالها ولتتذكري باستمرار صورها وهي تفعل من أجلك، وتوقفي من الآن وللأبد عن رسم الصور التي تحزنك من أمك.

 

6- ما ميزات والدتك؟ عدِّديها لنفسك الآن، فكِّري فيما نسيت، تقبليها كما هي.. عيوبها وميزاتها.

 

7- اعلمي أنه لا علاقة لك بطريقة والدتك، فهي لا تقصدك بجفاء المشاعر، وإنما تلك طريقتها، وثقي أنها تحبك ولكن بطريقتها الخاصة.

 

8- استعيني بدعاء "اللهم رب النبي محمد.. اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلاَّت الفتن".

سلم الله قلبك وأراحه.