بقلم: د. عبد الله الأشعل
الأصل أن الكيان الصهيوني خططت منذ فكرة المشروع الصهيوني في الاستيلاء على القدس، ضمن مخطط استرداد أرض الأجداد، وهي تعلم أنه مشروع سياسي أحيط بذرائع وهمية توارثية وتاريخية تقوم على تغييب الذاكرة وزرع الأكاذيب.
ومن عادة الكيان الصهيوني أنها تتقدم بمشروعها خطوات وخلال التنفيذ تختبر مدى صلابة الأرض التي تتحرك عليها، فتتراجع مؤقتاً إذا صادفتها عقبات وتسرع في تقدمها كلما تيسر لها السير.
ولعلنا نذكر أن مشروع قرار التقسيم كان يقدم همساً وبحذر شديد عام 1947 وأن واشنطن أبدت في البداية أنها لا تؤيده وأنها تؤيد بديلا له وضع فلسطين تحت الوصاية، والسبب في الحذر الأمريكي حينذاك هو تصور فريق في الإدارة الأمريكية وبين بينها وزير الدفاع فورستال أن العالم الإسلامي سيهب دفاعاً عن فلسطين ، واستقال الرجل ويقال إنه انتحر احتجاجا على دعم واشنطن لتقسيم فلسطين .
ثم تقدمت الكيان الصهيوني خارج حدود قرار التقسيم ولم تجد مقاومة عسكرية نذكر بعد أن هزمت الجيوش العربية جميعاً في أول مواجهة عسكرية مع العصابات الصهيونية.
وحتى عندما خططت مع واشنطن عام 1967 لضرب مركز القيادة العربية في القاهرة لم تكن تتصور في أحسن أحلامها أن مصر هشة إلى هذا الحد.
وبعد سقوط راية المشروع العربي بدأت الكيان الصهيوني تجني الثمار حتى سقطت بغداد 2003 بعد سلسلة من الجهود الكبيرة مروراً بتحييد مصر عام 1979 م.
وعندما قامت انتفاضة الأقصى كان ذلك مقصوداً من جانب الكيان الصهيوني فتمكن شارون بجسارته وحساباته للعالمين العربي والإسلامي أن يقضي عليها ربما لعقود قادمة، حيث يعلم أن عامل الزمن إذا أحسن توظيفه فهو دائماً لصالح الأذكى وليس لصالح طرف واحد بشكل مسلم به.
وتعلم إسرائيل قداسة الأقصى والقدس عند المسلمين والمسيحيين ولكنها تدرك أيضاً أن اليمين الإسرائيلي دعامة قوية للمطالبة بكل القدس وبالمسجد الأقصى لهدمه بحثاً عن هيكل سليمان كما تزعم. ولو كان هيكل سليمان موجوداً حقيقة تحت المسجد الأقصى لكان معنى ذلك أن هيكل سليمان أقدم من هذا المسجد الذي يكتسب قداسته من النص القرآني وليس لكونه فوق الهيكل، ولما كان الأقدمون قد طمروا هذا الهيكل تحت جدران المسجد حين تحول من المعنى الرمزي للمسجد إلى المعنى المكاني والبنائي، والمحقق أن هذه الذريعة هي جزء من الأساطير الصهيونية التي تدعى كل فلسطين هي وطن الأجداد ولابد من استردادها.
ولكن الجسارة في تهويد القدس وتدنيس الأقصى المبارك أصبح سببها قراءة إسرائيل والولايات المتحدة للحالة العربية والإسلامية، بعد أن نجحت الدولتان في تعويق المقاومة وتجفيف مصادر قوتها المادية والمعنوية وسلطت الحكومات العربية على قمعها فأصبح العمل الإسرائيلي بلا رادع رسمي أو شعبي، فراحت إسرائيل تغير كل شئ، الأسماء وإحلال سكانها محل العرب، والطابع الحضاري للمدينة.
ولكن الأقصى كان دائماً خطا أحمر عندما كان للخطوط الحمراء معنى فصار كل أحمر خطوطاً خضراء تسير الكيان الصهيونيعليها وتتجاوزها وهي آمنة من كل عقاب. فقد أمّنت لها واشنطن البيئة الدولية بحيث لا يصبها لوم في المنظمات الدولية، وعجزت الحكومات العربية عن التصدي لها عسكرياً، ولكن الأخطر أن بعضها يتعاون معها وخطابها السياسي تجاه الأقصى والقدس يشجع إسرائيل على المضي في مخططها بحيث تسأل هذه الحكومات أمام الله وأمام التاريخ عن ضياع القدس والأقصى، كما تسأل حكومة رام الله بكل ما تمثله بالنسبة لأزمة القضية الحالية والتفريط عمداً في مقدسات الأمة. بل إنه يبدو أن بعض الحكومات العربية تحرس تصرفات الكيان الصهيونيحتى لا تهب الجماهير الإسلامية وهيئاتها للانتقام من إسرائيل. فيوم أن كانت العمليات الاستشهادية سيفاً على رقاب الكيان الصهيونيوكادت أن تنهي المشروع الصهيوني لم تجرؤ سلطات الاحتلال على المساس بالقدس والأقصى خوفاً من هذه العمليات، ولكن خطة شارون مع بعض النظم العربية والقيادة الفلسطينية غيرت المسرح تماماً بحيث صار ينطبق على القدس والأقصى ما قاله محمود درويش يوما: الله أصبح غائباً يا سيدي فبع الكنيسة أو بساط المسجد.
ولكن الله لا يغيب وهو غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، والشعوب الإسلامية وإدراكها كفيلة بتغيير المعادلة. لله الأمر من قبل ومن بعد.