كتب: عبدالرحمن فهمي

كانت قضية فلسطين محورية عند الإمام الشهيد حسن البنا؛ لأنها في المقام الأول قضية الإسلام وأهله، فهي قلب أوطاننا وفلذة كبد أرضنا، وخلاصة رأس مالنا، وحجر الزاوية في جامعتنا ووحدتنا، وعليها يتوقف عز المسلمين أو خذلانهم؛ ولذا كان الإمام الشهيد يدرك أنها ليست قضيةً سهلةً أو بسيطةً، ذلك لأن العدو فيها ليس عصابات الإجرام والاغتصاب الصهيونية فحسب، بل هي في حقيقتها معركة كبرى سوف تجسِّد الصراع بين قوى الشر والكفر والظلم والاستعمار من ناحية، وقوى الخير والعدل والرحمة من ناحية أخرى، فهي قضية وجود يدركها كل مسلم واعٍ.

ولم يكن الكلام هو صناعة البنا إزاء الأخطار المحدقة بفلسطين كما هو شأن الكثيرين، فكان كل اهتمامه ينصبُّ على صناعة الجهاد والموت في سبيل الله؛ فالموت هو ثمن الحياة، والأمة التي لا تدفع ثمن استقلالها وكرامتها من دمائها لا حياة لها، وتلك هي اللغة الوحيدة التي أيقن الإمام الشهيد أن الإنجليز واليهود لن يفهموا لغةً غيرها، فهي لغة الإيمان والقوة والثقة في نصر الله.

نبذة عن فلسطين

ظلت فلسطين تابعةً للدولة العثمانية طيلة أربعة قرون، وبعد ظهور أفكار معاداة السامية في أوروبا عام 1896م قام تيودور هرتزل باقتراح حلٍّ للمشكلة في كتابه "دولة اليهود"؛ حيث اقترح تأسيس وطن قومي لليهود في الأرجنتين أو فلسطين، وفي عام 1897م عُقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في سويسرا؛ حيث صدر برنامج بازل في استعمار فلسطين، وتأسيس الحركة الصهيونية العالمية، وفي عام 1902م اقترح هرتزل على السلطان إنشاء جامعة يهودية في القدس، فرفض ذلك، فأرسل له هرتزل رسالةً يعرض عليه قرضًا من اليهود يبلغ 20 مليون جنيه إسترليني مقابل تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنح اليهود قطعة أرض يقيمون عليها حكمًا ذاتيًّا، ورفض السلطان عبد الحميد ذلك بشدة.

ومع بداية الحرب العالمية الأولى 1914م وعدت بريطانيا العرب بمساعدتهم على الاستقلال عن الدولة العثمانية؛ بشرط دخولهم الحرب- إلى جانب بريطانيا- ضد الدولة العثمانية التي دخلت الحرب بجانب ألمانيا، وانخدع الشريف حسين بوعود بريطانيا حيث لم يجد من الدولة العثمانية غير تجاهل العرب وإهمال رغبتهم في الاستقلال، خاصةً مع علوِّ الأصوات التي تنادي في تركيا بإنشاء الجامعة الطورانية التي تُعيد مجد الأتراك القدماء، وقد نسوا في خضمّ الأحداث مقامهم في العالم الإسلامي كدولة الخلافة الإسلامية.

وقاد الشريف حسين الثورة في الحجاز، وبايعه الزعماء في العراق وسوريا وفلسطين على زعامة الحركة العربية؛ فأعلن الثورة وحاصر قوَّاده: فيصل ونوري السعيد وجعفر العسكري المراكز التركية في سنة 1916م، وأصبح في قبضته 22 ألف جندي تركي، وبينما كانت تتقدم الجيوش العربية والبريطانية نحو سوريا وفلسطين، وبناءً على الدعوة الكاذبة التي قطعتها بريطانيا على نفسها في معاهدة "حسين مكماهون" بقيام دولة عربية كبرى في الحجاز والعراق وسوريا وفلسطين، كانت بريطانيا تعقد مع فرنسا معاهدة اقتسام الدول العربية فيما عُرف باتفاق (سايكس- بيكو)، واكتشف العرب بعد هذا الجهاد الشاق الطويل أنهم إنما كانوا يعملون لحساب بريطانيا، وأن الإنجليز كانوا يبيِّتون لهم سوء النية.

وبعد انتصار القوات البريطانية على الدولة العثمانية، اتفقت فرنسا وبريطانيا على تقسيم المنطقة العربية إلى مناطق سيطرة فيما عُرف عام 1916م باتفاقية (سايكس- بيكو)؛ فوضعت لبنان وسوريا تحت السيطرة الفرنسية والأردن والعراق ومصر تحت سيطرة بريطانيا، على أن تبقى فلسطين دولية، إلا أن بريطانيا احتلَّت فلسطين في أكتوبر 1917م، وأعطى بلفور لليهود وعده بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين في 2/11/1917م، وكان عدد اليهود في ذلك الحين لم يتجاوز 56 ألفًا مقابل 644 ألف فلسطيني؛ أي بنسبة 8% إلى 92% ولم تتعدَّ نسبة الأراضي التي يملكها اليهود 2% من أرض فلسطين.

وصدقت عصبة الأمم على مشروع الانتداب البريطاني على فلسطين بتاريخ 27/7/1922م، ووضع موضع التنفيذ في 29/9/1922م؛ مما أدى إلى ثورات واضطرابات في فلسطين، فأرسلت بريطانيا لجنةً ملكيةً للتحقق من كيفية تنفيذ صك الانتداب، وجاء تقرير اللجنة يؤكد أن أسباب الثورة العربية تتلخَّص في رغبة الفلسطينيين في نيل استقلالهم الوطني، ورفضهم إنشاء وطن قومي لليهود، واقترحت اللجنة إنهاء الانتداب على فلسطين، وإقامة دولتين إحداهما عربية وتشمل شرق الأردن مع القسم العربي الفلسطيني الذي حددته اللجنة، وثانيتها دولة يهودية في القسم الفلسطيني.

وفي عام 1936م قام الفلسطينيون بإضراب عام وشامل لمدة ستة أشهر، نظمته اللجنة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني؛ احتجاجًا على مصادرة الأراضي والهجرة اليهودية، وانتهى بتدخل ملوك العرب لحل القضية، فأرسلت بريطانيا لجنةً بقيادة اللورد روبرت لدراسة الوضع وتقديم الحلول، فرفعت تقريرها الذي أكد استحالة قيام كيان مشترك لليهود والعرب، واقترحت تقسيم فلسطين إلى دولتين: إحداهما عربية والأخرى يهودية، وتوضع الأماكن المقدسة تحت إدارة دولية، وكانت هذه المرة الأولى التي يقترح فيها التقسيم.

وفي 13 من سبتمبر 1937م عرض وزير خارجية بريطانيا "إيدن" سياسة دولية إزاء مشروع التقسيم أمام عصبة الأمم، واقترح إرسال لجنة فنية لوضع خطة مفصلة للتقسيم، وإزاء رفض العرب واليهود تقرر تأجيل تنفيذ مشروع التقسيم.

ولم تلبث الاضطرابات أن عادت للظهور احتجاجًا على مشروع التقسيم؛ فاضطرت الحكومة البريطانية إلى التضييق على العرب، والقيام بحركة اعتقالات واسعة لقادة الشعب وزعمائه، وحاصرت الحرم الشريف الذي يقيم فيه المفتي، وتم عزله من منصبه الديني كرئيس للمجلس الإسلامي الأعلى، وأمام هذا الإرهاب العنيف لم يجد العرب بدًّا من مقاومة العدوان بمثله، فاشتعلت الثورة واشتبك الفريقان مرةً أخرى في عراكٍ دامٍ، استمر إلى منتصف عام 1939م ثم توقف حينما اشتعلت الحرب العالمية الثانية، ورُئِيَ تأجيل النظر في القضية حتى نهاية الحرب.

دور بريطانيا في التمكين لليهود

1- إصدار وعد بلفور

بدأ هذا الدور الخسيس بوعد بلفور المشئوم 1917م، ثم تلاه بصك الانتداب على فلسطين 1922م؛ حيث كان ضربةً قاصمةً لآمال العرب والمسلمين، مشجِّعًا لليهود في مواصلة الاحتلال.

2- الدعم المالي والاقتصادي

احتاجت حركة التهريب وإيواء اللاجئين إلى أموال طائلة، لا يستطيع يهود فلسطين بمفردهم توفيرها دون مساعدة الحكومة البريطانية فضلاً عن اليهود الإنجليز؛ حيث سهَّلت الحكومة لوفود اليهود أن يطوفوا العالم ويستحثُّوا إخوانهم من اليهود على بذل التبرعات الضخمة، وكان هذا يحدث في بريطانيا نفسها، وتتولَّى الحكومة مهمة نقل هذه الأموال وتسهيل وصولها وصرفها.

3- مساعدة اليهود على تملك الأرض

عمدت حكومة الانتداب البريطانية إلى سن التشريعات والقوانين التي تكفل انتقال الأرض العربية إلى اليهود عن طريق الضرائب الباهظة التي أثقلت كاهل الفلاح العربي.

4- الدعم العسكري

عمل اليهود منذ أول خطوة لهم في فلسطين على ضرورة البناء العسكري لهم، واقتنعت بريطانيا بذلك أيضًا، فشكَّل اليهود عدة منظمات عسكرية في تكتُّم شديد في داخل فلسطين وبعض بلدان أوروبا الشرقية، وكان تشكيلها على أساس حرب العصابات، كان من أشهرها جيش الهاجانا "حراس المستعمرات".

ولقد ساعده على استكمال تدريبه اشتراك بعض وحداته في حروب الصحراء خلال الحرب العالمية الثانية تحت اسم "الفيلق اليهودي"؛ فاستطاع أن يتدرب تدريبًا عسكريًّا، كما ساعدته على تهريب كمية كبيرة من العتاد وتخزينها في مقاطعات مجهولة من أرض فلسطين.

وساعدت الحكومة البريطانية على توالي التحصين والتسليح على مستعمرات اليهود وقراهم المنعزلة والمتميزة عن العرب، كما ساعدت على إقامة مصانع الذخيرة والأسلحة الصغيرة، كتلك التي أقيمت في "ناتلينا" و"الياجور"، وإلى مثل هذه المصانع كانت تهرّب أجزاء السيارات والدبابات من شتى بقاع العالم، فتركَّب وتخبَّأ في الأماكن المعدَّة لهذا الغرض.

5- استخدام أفظع أساليب القتل والتعذيب ضد العرب في فلسطين

بعد أن خيبت بريطانيا آمال العرب في استقلالهم، وعدت اليهود بتهيئة الظروف أمام زرع الكيان الصهيوني في فلسطين، وعلم عرب فلسطين أنهم لن يحصلوا على حقوقهم أو بعض منها إلا بالقوة، فقاموا بعدة ثورات دامية ومعارك عنيفة مع قوات الاحتلال؛ فاستخدم الإنجليز ضدها أفظع الوسائل لقمعها.

كيفية تعامل الإمام البنا مع القضية الفلسطينية

بدأ اهتمام الإمام حسن البنا بقضية فلسطين بصورة شخصية مبكِّرًا ومنذ أن كان طالبًا؛ ففي مطلع العشرينيات وهو لم يزَل شابًّا صغيرًا في كلية دار العلوم نشر في مجلة (الفتح)، التي كان يصدرها الشيخ محب الدين الخطيب، مقالاً ينبِّه فيه إلى الخطر الصهيوني على فلسطين.

وفي السنة التي تخرج فيها في كلية دار العلوم بالقاهرة، وقبل عام من تأسيس جماعة الإخوان المسلمين بعث برسالة إلى مفتي القدس الحاج أمين الحسيني يُبدي فيها رغبتَه في مساندته ودعم الجهاد، ولم يكتفِ بالكتابة والتنبيه فحسب، بل مع استمراره على ذلك بدأ ينسِّق ويتعاون مع المجاهدين، وذكر هذا كله الحاج أمين الحسيني في رثائه للبنا بعد استشهاده، قائلاً: لقد عرفته للمرة الأولى يوم أن أرسل لي برسالة رقيقة يُبدي فيها اهتمامه بقضية فلسطين سنة 1927م.

ولقد اهتم الإمام الشهيد بقضايا العالم الإسلامي بعد تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وجعل لذلك قسمًا في الجماعة هو قسم "الاتصال بالعالم الإسلامي"، وتبنَّى بل ساعد وساند جميع حركات التحرر ضد الاستعمار في الأمة الإسلامية كلها، وكانت قضية فلسطين منذ شبابه المبكر في بؤرة تفكيره، ومن ضمن اهتماماته؛ ولذلك حين أسس جماعة الإخوان كان من الطبيعي أن يكونوا هم أول من نبَّهوا إلى خطورة القضية وأبعادها المستقبلية، فضلاً عن مشاركتهم الفعلية والعملية فيها، بل إن أول شهيد سقط على أرض فلسطين كان من الإخوان المسلمين.

وكان الإمام الشهيد يتابع كل ما يحدث في فلسطين بدقَّة؛ فعندما أعلن سماحة السيد أمين الحسيني مفتي فلسطين عن عقد المؤتمر الإسلامي الأول في بيت المقدس في الفترة من 27 رجب إلى 7 شعبان 1350هـ، الموافق 8/12 إلى 18/12/1931م أرسل الإمام الشهيد رسالةً إليه تتضمَّن تصور الإخوان المسلمين لحل القضية ليعرضها على المؤتمر.

رسالة المرشد العام إلى مفتي فلسطين عام 1931م

المؤتمر الإسلامي الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة صاحب السماحة السيد محمد أمين الحسيني- مفتي فلسطين الأكبر..
نحمد إليكم الله، الذي لا إله إلا هو، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، الذين جاهدوا في الله حق جهاده ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.

وبعد.. فإن العالم الإسلامي كله يقدِّر لكم حسن جهادكم وسديد رأيكم في الدعوة إلى هذا المؤتمر المبارك، وجمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة والمحمودية وشبراخيت وبورسعيد والإسماعيلية بالديار المصرية تقدِّم لسيادتكم جزيل شكرها وجميل تقديرها، ونرجو التكرم بعرض هذا البيان على هيئة المؤتمر الموقرة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

حسن البنا

مقترحات جمعية الإخوان المسلمين

أولاً: الدفاع عن فلسطين

أمر الدفاع عن فلسطين والمقدسات الإسلامية عامة، أمرٌ يهمُّ المسلمين جميعًا، ولسنا بصدد استعراض أدوار قضية العدوان والدفاع.

لقد علمنا أن الخطب والاحتجاجات لا تُجدي ولا تسمع، وترى الجمعية أن من واجب المؤتمرين أن يعالجوا:

1- مسألة شراء الأرض بفلسطين:

إن اليهود يحاربون الفكرة الإسلامية بذهبهم، وإذا تمكَّنوا من شراء أرض فلسطين صار لهم حق الملكية، فقوي مركزهم، وزاد عددهم، وبتوالي الأيام تأخذ المسألة شكلاً آخر، وقد نظَّم اليهود هذه الحركة وجعلوا لها صندوقًا خاصًّا يجمعون فيه الاكتتابات لهذه الغاية.

فحبَّذا لو وُفِّقَ المؤتمر إلى إيجاد نواة لصندوق مالي إسلامي، أو شركة لشراء أرض فلسطين المستغنى عنها، وتنظيم رأس المال وطريق جمع الاكتتابات وسهوم هذه الشركة.. إلخ.

والجمعية تكتتب مبدئيًّا في هذه الفكرة بخمسة جنيهات مصرية، ترسلها- إذا قرر المؤتمر ذلك- على أن تتوالى بعدها الاكتتابات، ولا يُضحك حضراتكم هذا التبرع الضئيل؛ فالجمعية تقدِّر الفكرة، وتعلم أنها تحتاج إلى الآلاف من الجنيهات، ولكنها جرؤت على ذلك إظهارًا لشدة الرغبة في إبراز الفكرة من حيز القول إلى حيز العمل.

2- تأليف اللجان في كل البلاد الإسلامية للدفاع عن المقدسات:

كذلك تقترح الجمعية أن يعالج المؤتمر موضوع تأسيس لجان فرعية لجمعية رئيسية مركزها القدس أو مكة، وغايتها الدفاع عن المقدسات الإسلامية في كل أنحاء الأرض، وتكون هذه اللجان الفرعية كلها مرتبطة تمام الارتباط بالمركز العام.

ثانيًا: لنشر الثقافة الإسلامية

1- إنشاء جامعة فلسطين على نحو كلية عليكرة بالهند تجمع بين العلوم العصرية والعلوم الدينية، وترفرف عليها روح الإسلام، وتصطبغ بصبغته؛ من احتوائها على الكليات العلمانية والآداب والسياسة والقانون والتجارة والاقتصاد والطب والفلسفة وغير ذلك.

2- إنشاء جامعة أخرى بمكة على هذا النحو؛ حتى ينجح مشروع جامعة القدس إن شاء الله تعالى.

3- نداء علماء المسلمين أن يؤلِّفوا لجانًا فنيةً لتهذيب الكتب الإسلامية القديمة وتصنيف كتب جديدة تفي بحالة العصر الجديد مع التفكير في مناهج التعليم بأنواعه.

4- نداء أغنياء المسلمين للاكتتاب في صحيفة عامة يومية إسلامية تصدر في القاهرة، ويكون لها مثيلات في الحواضر الإسلامية، تحمل فكرة القادة الإسلامية إلى الشعوب؛ فإن الصحافة الشرقية تقف من الشئون الإسلامية موقفًا لا يرتاح إليه الضمير.

ومن واجب المؤتمر التفكير في أنجع الوسائل لدفع عدوانهم ودرء خطرهم.

وترى الجمعية أن من الوسائل الناجعة لذلك:

1- أن ينشر أعضاء المؤتمر فكرة تأليف اللجان التي تتولى تحذير الناس من دسائسهم والردّ عليهم بما يكفُّهم.

2- أن تشجّع الجمعيات الإسلامية التي أرصدت نفسها لهذه الغاية.

3- أن يُعنَى الوعَّاظ بدراسة هذه الناحية ويحذِّروا الناس منها.

وقد رد سماحة مفتي فلسطين على الإخوان برسالة قال فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرات السادة الكرام: رئيس وأعضاء جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية المحترمين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

فقد تُلي بيانُكم في مكتب المؤتمر الإسلامي العام، فكان موضع التقدير والاعتبار، وستهتمّ اللجنة التنفيذية بما جاء فيه كلَّ الاهتمام، وبهذه المناسبة فإنا نشكر لكم ما تبذلون من جهود لإعلاء كلمة الإسلام، ونأمل أن يكون منكم ومن فروع جمعيتكم الموقرة في الديار المصرية أكبر مساعد على تنفيذ مقررات المؤتمر ومشروعاته الطيبة.

وفي الختام نرجو الله أن يوفقنا وإياكم لخير الإسلام والمسلمين.

رئيس المؤتمر

محمد أمين الحسيني

الإمام البنا وثورة 1936م

حرص الإخوان قبل قيام ثورة فلسطين عام 1936م، على التذكير بالقضية وأخبارها في مجلتهم الأسبوعية، ومن ذلك فضح مؤامرة اليهود لشراء أراضي فلسطين من المسلمين بأسعار باهظة، خاصةً وقد زهد فيها الفلسطينيون بسبب الجفاف الذي حلَّ بالبلاد عام 1933م، ومن ذلك مقال بعنوان: "فلسطين الدامية" للأستاذ أحمد السكري كان مطلعه: "هل أتاك حديث فلسطين؟ وهل أتاك ما فعلت بها اليد الطاغية؟ وهل علمت ما قام به العربي الكريم دفاعًا عن حقه الهضيم ووطنه العظيم؟!!".

واستمرت المقالات على مدار سنة 1933، 1935م واستمرَّ تشجيع كل من يقف من أجل فلسطين، فنشرت الجريدة البيان الأول للحزب العربي الفلسطيني بقيادة جمال الحسيني، بعنوان "بيان الحزب العربي إلى العالمين العربي والإسلامي".

وفي 3 من أغسطس 1935م أرسل الإمام الشهيد وفدًا يمثِّل الإخوان إلى فلسطين وبعض الدول العربية، مكوَّنًا من شقيقه عبد الرحمن البنا "الساعاتي" ومحمد أسعد الحكيم، وبرفقة الزعيم التونسي الأستاذ الثعالبي، فزار فلسطين ومكث بها من 3 إلى 6 أغسطس 1935م، ليعضد المجاهدين ويُشعر أهل فلسطين أنهم ليسوا وحدهم في هذه المعركة.

وفي مساء يوم السبت 25 من صفر 1355هـ الموافق 16 مايو 1936م كَوَّن الإخوان المسلمون لجنة لمساعدة فلسطين برئاسة فضيلة المرشد العام.

ولم يغفل الإخوان التضرع لله من أجل فلسطين، فقد اقترح مكتب الإرشاد القنوت في الركعة الأخيرة لفلسطين وأهلها، ومما جاء في الدعاء: "اللهم غياث المستغيثين وظهر اللاجئين ونصير المستضعفين، انصر إخواننا أهل فلسطين، اللهم فرِّج كربتهم، وأيِّد قضيتهم، واخذل أعداءهم، واشدُد الوطأة على من ناوأهم، واجعلها عليهم سنينَ كسنيَّ يوسف، وارفع مقتك وغضبك عنا يا رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم".

وكان الإخوان المسلمون أول هيئة تنادي بفكرة المقاطعة للبضائع الصهيونية في مصر، وقد وجهت نداءً بذلك إلى التجار العرب الذين يتعاملون تجاريًّا مع اليهود، كما أرسل مكتب الإرشاد وفودًا على هيئة بعثات تطوف البلاد من أقصاها إلى أقصاها للتعريف بالقضية وجمع التبرعات لها، وقد كانت جريدة الإخوان تنشر أخبار هذه البعثات، وعندما ضغط الملوك العرب على الثوار عام 1936م لوقف ثورتهم، حذَّر الإخوان من ذلك، وأنه ملعوب وخداع من الإنجليز، وأن التقرير الذي رفعوه ليس في صالح فلسطين، ومما جاء فيه:

حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس الوزراء..

العالم العربي ينتظر من حكومة مصر عملاً جديًّا لحل قضية فلسطين، وإيقاف الظلم والعدوان الواقع على أهل فلسطين المجاهدين، والمركز العام للإخوان المسلمين بمناسبة ذكرى وعد بلفور الجائر يرجو أن يكون الوقت قد آن فاعملوا والله معكم.

المرشد العام

حسن البنا

كما نشط الإمام البنا وإخوانه في مساندة التحركات السياسية الإيجابية لنصرة فلسطين، والتفاعل مع التطورات السياسية للقضية، وقام بحملات للدعاية لقضية فلسطين: مثل حملة توزيع كتاب: "النار والدمار في فلسطين الشهيدة"، [يوليو 1938]، والتي اعتُقل فيها الإمام البنا وكثير من إخوانه، كما أصدر الإخوان عددًا خاصًّا من المجلة بمناسبة أسبوع فلسطين في سبتمبر 1938.

كما عمدت الجماعة إلى التنسيق مع الهيئات الإسلامية لدعم قضية فلسطين، وذلك من خلال اللجنة العليا لقرش فلسطين- فبراير 1939م.

كذلك كانت المظاهرات والمسيرات إحدى صور النشاط السياسي التي قام بها الإخوان دعمًا لقضية فلسطين المسلمة؛ مثل مظاهرات الإخوان في 14/6/1938م، ومظاهرات الإخوان في جميع أنحاء البلاد الجمعة 29/7/1938م، كما عقدوا المؤتمرات، وكان المؤتمر العربي الأول لأجل فلسطين أول مؤتمر عربي يُعقد من أجل فلسطين، وقد عُقد في دار المركز العام بالعتبة، كما أرسل المركز العام وشُعب الإخوان برقيات احتجاج على الكتاب الأبيض، كما أرسل الإخوان برقية احتجاج على تصريحات وزير بريطاني عن مفتي فلسطين يونيو 1939م، كما شنَّ الإخوان حملات صحفية شديدة على اليهود عبر صحفهم.

وفي عام 1946م وتحت قيادة الإمام البنا التي تندِّد بالمخطط الصهيوني في فلسطين، وسفره خلف الجنود الذين أرسلهم للاطمئنان على سير الأمر في غزة، كما جهَّز الإمام البنا كثيرًا من الإخوان وسفَّرهم كجنود للدفاع عن فلسطين؛ حيث خرجت كتيبتان الأولى إلى قطنة والثانية في معسكر البريج عام 1947م، ولقد كان دور الإخوان في حرب فلسطين لا ينكره أحد، وانتهت الحرب بالخيانة العظمى من الحكام العرب، وبيع فلسطين لليهود على دائرة المفاوضات، وانتهى الأمر باغتيال الإمام البنا في 12 فبراير 1949م.

وبذلك رأينا موقف الإمام البنا والإخوان من قضية فلسطين على مدار حياته، ثم أكمل من بعده إخوانه العناية بهذه القضية حتى هذا اليوم.

-----

للمزيد طالع:

1- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان، الكتاب الثالث، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

2- جريدة الإخوان المسلمين اليومية- العدد 719- السنة الثالثة- 30 ذي القعدة 1367هـ، 9-6-1948م.

3- كامل الشريف: الإخوان المسلمون في حرب فلسطين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

4- بهاء فاروق: فلسطين بالخرائط والوثائق- الهيئة المصرية العامة للكتاب.