السؤال: لقد قمت جميع الليالي السابقة من شهر رمضان، وهاهي الليالي لم يبق منها سوى ثلاث، واحدة منها فقط من الوتر. وسؤالي: أنني لم أر في الليالي الماضية شيئًا أشعر به أن واحدة من هذه الليالي هي ليلة القدر، فلم تُفتح لي طاقة من نور، ولا غير ذلك، فهل إذا لم أعرف أي الليالي هي سأحوز فضلها بمجرد أني قمتها، أم لا بد من معرفتها بطاقة النور حتى أحوز فضلها؟

 جواب سماحة الشيخ القرضاوي:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

ليلة القدر أخفاها الله على عباده في العشر الأواخر؛ لكي يجتهدوا في تحرِّيها، فينالوا الفضل والأجر العظيم، ولكن ورد في بعض الأحاديث علامات لليلة القدر ولصبيحتها، وفعلًا قد ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يُشترط أن يتعرّف المسلم الذي يقومها عليها حتى يحوز أجرها، ورجح آخرون أن التعرف عليها ليس شرطًا، وأن من قام ليلة القدر حاز فضلها سواء عرف أنها هي أم لم يعرف. وطاقة النور هي ضرب من خيالات الناس، ولا أساس لها من الصحة.

س: هل تعتبر ليلة القدر ليلة خاصة لبعض الناس، تظهر له وحده بعلامة يراها، أو رؤيا في منام، أو كرامة خارقة للعادة، تقع له دون غيره؟ أم هي ليلة عامة لجميع المسلمين بحيث يحصل الثواب المرتب عليها لمن اتفق له أنه أقامها، وإن لم يظهر له شيء؟

ج: لقد ذهب جمع من العلماء إلى الاعتبار الأول، مستدلين بحديث أبي هريرة: "مَن يقم ليلة القدر فيوافقها.." (رواية لمسلم عن أبي هريرة)، وبحديث عائشة: أرأيت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ فقال: "قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني". (رواه ابن ماجه والترمذي عن عائشة)، وفسَّروا الموافقة بالعلم بها، وأن هذا شرط في حصول الثواب المخصوص بها.

ورجح آخرون معنى يوافقها: أي في نفس الأمر، إن لم يعلم هو ذلك؛ لأنه لا يُشترط لحصولها رؤية شيء، ولا سماعه، كما قال الإمام الطبري بحق.

وكلام بعض العلماء في اشتراط العلم بليلة القدر كان هو السبب فيما يعتقده كثير من عامة المسلمين أن ليلة القدر طاقة من النور تُفتح لبعض الناس من السعداء دون غيرهم؛ ولهذا يقول الناس: إن فلانًا انفتحت له ليلة القدر، وكل هذا مما لا يقوم عليه دليل صريح من الشرع.

فليلة القدر ليلة عامة لجميع من يطلبها، ويبتغي خيرها وأجرها، وما عند الله فيها، وهي ليلة عبادة وطاعة، وصلاة وتلاوة، وذكر ودعاء، وصدقة وصِلة، وعمل للصالحات وفعل للخيرات.

والله أعلم