السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

في البداية أحمد الله تعالى على توفيقه لي في امتحاناتي، وعلى الانتهاء من دراستي، وأحب أن أهدي إليك يا والدي هذا النجاح الذي كنت تنتظره، وبرغم غيابك عني فإنك كنت معي بدعائك لي وتقديم النصائح إليَّ..

والدي الحبيب..

أسأل الله تعالى أن يرزقك الصبر على الابتلاء، والثبات على طريق الدعوة، وأن يجعل الله هذا في ميزان حسناتك يوم القيامة، وأن تكون هذه المحنة بمثابة منحة لك من الله تعالى؛ فإن المحن على طريق الدعوة هي سنة الله في الدعوات، وليست نتيجة أخطاء، بل إن عدم تعرض أصحاب الدعوات للمحن يشكِّك في صحة الطريق الذي يسلكونه, فلا بدَّ أن يبتليَك الله وأن يمتحنَك، فاصبر واحتسب.. قال تعالى: ﴿ألم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُوْلُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُوْنَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِيْنَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِيْنَ﴾ (العنكبوت: 1- 3)، وفي الحديث الشريف: "أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل".

 

لذلك فإن المحنة هي فترة لازمة وأساسية في عمر الدعوة، وأريد أن أقول لك ولجميع إخوانك المعتقلين: "فكَّ اللهُ أسْرَكم جميعًا".

 

إن النظام الحاكم وإن استطاع أن يتحفَّظ عليكم وعلى أموالكم أو حتى يصادرها، فلن يستطيع ولن يملك أن يتحفَّظ أو يصادر ما هو أغلى وأهم من ذلك، وهي فكرتكم وعقيدتكم، وإيمانكم ومنهجكم؛ لأنهم لا يستطيعون حصارها، فهي لا تتزحزح عن قلوبكم، ولا يوجد فيها فصال، وهي بالنسبة لكم أرسخ من الجبال على الأرض، وأستشهد هنا بشعر للدكتور يوسف القرضاوي:

تالله ما الطغيان يهزم دعوة ------------ يومًا وفي التاريخ برّ يميني

ضع في يديَّ القيد ألهب أضلعي ------- بالسوط، ضع عنقي على السكين

لن تستطيع حصار فكري ساعةً ------- أو نزع إيماني ونور يقيني

فالنور في قلبي، وقلبي في يدي ------- ربي.. وربي حافظي ومعيني

سأعيش معتصمًا بحبل عقيدتي ------- وأموت مبتسمًا ليحيا ديني

 

وعليكم أن تطمئنوا أن دعوتكم تسير سيرَها الطبيعيَّ في الطريق الذي سار عليه رسول الله وصحابته من بعده، في حفظ الله ورعايته.. قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِيْ الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِيْنَهُمُ الَّذِيْ ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُوْنَنِيْ لاَ يُشْرِكُونَ بِيْ شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُوْنَ﴾ (النور: 55).

 

وفي نهاية الرسالة أقول لك والدي الحبيب.. إنني فخور بك كثيرًا، وبتمسكك بهذا الطريق، الذي أحسب أنه طريق الصواب والفلاح إن شاء الله، وأحمد الله أن رزقني أبًا مثلك،  متمسكًا بدعوته وفكرته وعقيدته، وصابرًا ومحتسبًا على ما يحدث له على هذا الطريق.

 

وأقول لك أيضًا: إن الابتلاء هو ضريبة الدعوة إلى الله, وكل شيء لا بد له من ضريبة, وإنني أفخر أن والدي من بين الذين يدفعون هذه الضريبة في سبيل الله، وفي سبيل رفعة شأن هذا الوطن الحبيب، الذي يزيد تمسكنا به أكثر.

 

وأنا على يقين في الله أنه كلما زاد هذا الابتلاء عليك وزادت مدته كلما زادك الله تعالى درجةً ومنزلةً أعلى في الجنة.. قال تعالى: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (الشرح: 6) ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ (الأنفال: من الآية 10) ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِيْ إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيْرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (غافر: من الآية 44).

سلامي لك ولجميع إخوانك الصامدين..

ابنك الفخور والمعتز بك دائمًا

----------

* هذه الرسالة كتبها إسماعيل أحمد أشرف إلى والده الذي يحاكَم ضمن قيادات الإخوان أمام المحكمة العسكرية بمناسبة نجاحه وحصوله على ليسانس اللغات والترجمة- قسم اللغة الألمانية.