امتلأت شوارع غزة بلافتات التهاني بالعيد "السعيد"!!، وبدت حركة الأسواق على ضعفها غير عادية، ووقف حسام (7 سنوات) أمام المرآة مبتسمًا لتلك اللحظات التي سيرتدي فيها ملابس العيد التي ستشتريها له والدته من متجر العم أبو أحمد، ثم نظر إليها قائلاً: "أمي لا تنسَي الحذاء، وكذلك السيف الذهبي الذي يباع في الشارع المجاور"؛ فتنهَّدت أم حسام بعمق وابتسمت محاولةً أن تُخفِيَ حيرتها كيف ستوفِّر لأسرتها احتياجات العيد؟ أم أنها سوف تضطر أن تقول لهم: عيد سعيد بلا عيدية ولا ملابس ولا ألعاب؟!

 

تركت أم حسام ولدها ليقضي ليلته محتضنًا أحلامه بملابس العيد، ثم ذهبت لصلاة التهجد في المسجد المجاور لترفع يديها بجوار أيدي أم عبد الله (زوجة شهيد) وأم خالد (زوجة أسير)؛ يبتهلن إلى الله جميعًا أن يعجِّل بتفريج الكرب عن أهل غزة، لكن.. هل يرقُّ الحصار لأصوات المكلومين؟! وهل يترك لأحلام صغارهم نهارًا لتشرق فيه؟!

 

تقول أم حسام: "بالنسبة لي فعيديتي هي القبول والأجر من الله، ثم هي صلاة العيد التي أنوي أن أصليَها خلف أبو العبد؛ إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني، في ملعب اليرموك؛ حيث لم أتمكَّن من صلاة التراويح والتهجد خلفه لبعد المسجد الغربي الذي كان يصلي فيه عن بيتي.

 

وبنفس الروح تؤكد أماني (27 عامًا) أنها مفخرة لشعب فلسطين أن يكون رئيس الوزراء هو من يؤم الناس في التراويح والتهجد وفي صلاة العيد أيضًا، وتبتسم قائلةً: هذا يعود بذاكرتي إلى ما كنا ندرسه عن عصور الخلافة الإسلامية.

 

وعن ملابس العيد والعيدية تقول أماني: سوف أجمع عيديتي التي سيعيِّد بها والدي وأعمامي وأخوالي مع عيدية أختي الصغيرة كي أشتريَ لها ملابس المدرسة التي لم نستطع شراءها عند بداية العام الدراسي.

 

تقول سعاد إن أكبر مشكلة الآن هي مشكلة الملابس؛ فقد كانت مصر هي المصدر الرئيسي لدخول الملابس إلى القطاع، أما الآن فإن توفرت النقود اللازمة لشراء الملابس رغم ارتفاع أسعارها جدًّا فالبضاعة أصلاً غير موجودة؛ لأن الكيان الصهيوني لا يسمح بدخول سوى المواد التموينية من خلال معابره.

 

وأضافت: رغم أن معبر رفح تم فتحه مرتين بشكل استثنائي؛ إلا أن مصر لم تسمح بدخول أي شيء إلى القطاع ولا حتى الأغذية والأدوية.

 

وتختلف معها زينة التي ترى أنه لا فرق إن زاد الحصار هذا العام عن العام الماضي أو ارتفعت الأسعار؛ فهي على كل الأحوال لم تكن قادرةً على الشراء في العام الماضي.

 

بدائل

أما سامر فقد قرر أن يصطحب أطفاله في صلاة العيد، وفور انتهاء الصلاة سيشتري لهم بعض البالونات والألعاب النارية التي لن تكلفه الكثير، ثم يذهب معهم إلى إحدى الحدائق العامة؛ حيث توجد بعض "المراجيح" المجانية، وقد يشتري لهم بوظة "أيس كريم"، وبهذا سوف يتلهَّى الأطفال بهذه الألعاب ويكفُّوا عن المطالبة بالعيدية وملابس العيد.

 

ويضيف سامر: تضاعفت الأسعار، وأصبح الحصول على المسلتزمات الأساسية أكثر صعوبةً، والناس منهم صاحب الوظيفة الذي تأثر كثيرًا بغلاء الأسعار، إلا أنه لا يزال قادرًا على الشراء، ومنهم متوسط الحال الذي يحاول جاهدًا أن يستر نفسه، ومنهم المعدم الذي يغلق بابه على نفسه طالبًا من الله الستر، ويؤكد: "رغم كل هذا إلا أن العزيمة والصمود والثبات لم يتغيروا ونسأل الله التخفيف".

 

وبحيلة مشابهة قررت أم خالد ألا تصطحب معها أبناءها وهي تشتري لهم ملابس العيد، وتقول: "وسوف أعتمد على التقريب في اختيار المقاسات؛ لأني لن أستطيع شراء ملابس من المحلات، وسأشتري من البسطات، ولا أريد أن يراني أولادي وأنا أفعل ذلك، كما لا أريدهم أن يطلبوا مني ما لا أملك ثمنه.

 

 الصورة غير متاحة

أما عن كعك العيد فتقول أم محمد: "أحمد الله أن وافق العيد بداية الشهر؛ حتى أتمكن من صرف كوبونات وكالة الغوث لشهر أكتوبر، فسوف أحصل على ما يكفيني من الدقيق والسكر والسمن لعمل الكعك لي ولأختي التي حرمتها الوكالة من صرف الكوبون؛ بحجة أنها تحصل على معاش كما حرمت كل من لديه وظيفة أو له ابن موظف؛ في حين أن هذا المعاش لا يكفيها إلا أسبوعًا واحدًا فقط من الشهر"!.

 

وتضيف أم حسن التي حرمت أيضًا من كوبونات الوكالة: "سأكتفي بشراء 2 كيلو من الكعك الجاهز حتى لا أحرم أولادي؛ فقد تضاعفت الأسعار بشكل لا يُحتَمل، وليس لديَّ حصة تموينية، فلنترك الكوبونات لمن هم أكثر منا حاجةً، ولعلها فرصة للتفرغ للقيام والتهجد، فنظام العائلة الكبيرة كان يضطرنا لعمل كميات ضخمة من الكعك لتأخذ كل أسرة حصتها؛ مما يضيع علينا فرصة العبادة في رمضان".

 

وعلى الرغم من أن هدى لم تحرم من الكوبونات إلا أنها ستضطر للاستغناء عن الكعك؛ لأنها ستبيع حصتها من المواد التموينية حتى تتمكن من شراء ملابس العيد لأولادها، وأيضًا كي تعيد أطفال العائلة؛ فالكثير منهم لن يجد من يعيِّد عليه هذا العام، وستكتفي بالكعك الذي ستهديه إليها بعض الجارات.

 

عيد الأسرى والشهداء

وإن كانت الملابس والعيدية هي ما يشغل بال الكثير من الأسر؛ فهناك أسر أخرى تنتظر عيدًا آخر؛ فهذه هند (13 عامًا) تقول إن أعيادها أصبحت بطعم الفراق منذ استشهاد والديها قبل 5 أعوام في أحد الاجتياحات؛ فالعيد كما تقول هند ليس لمن لبس الجديد وإنما لمن مات شهيدًا.

 

وليس حال رائدة (8 أعوام- ابنة أسير) بأفضل من حال هند؛ فهي لم ترَ والدها منذ شهر فبراير الماضي؛ حيث صدر قرار بمنع أهالي غزة من زيارة أبنائهم المعتقلين لدى الكيان الصهيوني؛ فعند اليهود الزيارة ممنوعة حتى في العيد.

 

وعن دور المؤسسات الخيرية في التخفيف عن أسر الشهداء والأسرى في العيد؛ تقول مؤمنة (تعمل في إحدى هذه المؤسسات): "لدينا برامج لجميع الأطفال، ولأبناء الشهداء والأسرى على وجه الخصوص؛ حيث تبدأ أنشطتنا مع صلاة العيد، فنقوم بتوزيع الحلوى والبالونات والألعاب البسيطة، لا يتجاوز سعر اللعبة 3 شيكل؛ أي ما يعادل 5 جنيهات على جميع الأطفال، ثم نتوجه كمجموعات صغيرة إلى منازل الأسرى والشهداء، حاملين بعض الهدايا والألعاب، كما أننا لا ننسى والد الشهيد أو الأسير ووالدته من الزيارة والهدايا، فهذا يخفف عنهم كثيرًا، أما في باقي أيام العيد فنقوم بعمل مسابقات للأطفال في المسجد نختتمها بجوائز وأناشيد.

 

إلا أن مؤمنة أعربت عن قلقها من ضعف الإمكانات المادية لديهم هذا العام؛ مما قد يؤدي إلى عجزهم عن تقديم هدايا كتلك التي قدموها في الأعوام السابقة.

 

عيد المرابطين

ورغم أننا ما زلنا في غزة إلا أن مظاهر العيد تختلف كثيرًا في هذه المناطق الحدودية؛ حيث يكتفي سكان هذه الأحياء بصلاة العيد ثم يمر المسحراتي ليأخذ عيديته، ويتبادل الأهل الزيارات إلى ما قبل المغرب! حيث يبدأ المجاهدون في زرع العبوات ثم يأخذوا مواقعهم، وتتبدل الألعاب النارية بقذائف حقيقية وتتحول بنادق الأطفال إلى "آر بي جي" يحملها المرابط مستعدًّا للتصدي لأي هجوم.

 

تضييق في الضفة

وإن كانت صلاة العيد ومن قبلها التراويح والتهجد هي الملجأ والسلوى؛ فقد ابتلي أهل الضفة بالتضييق على هذا المتنفس؛ فهذه إيمان تقول: تم تحديد صلاة التراويح بـ8 ركعات خفيفة فقط بعد كانت من قبل 20 ركعة يُقرَأ فيها جزءٌ كاملٌ، ثم منع التهجد والاعتكاف، وبعد أن منعت صلاة العيد في العام الماضي من ملعب البلدية أحد الساحات العامة وتم تقييدها بالمساجد فقط.. نحن في انتظار مزيد من التضييق لا ندري بعد ما هو!.

 

وعن سبب انتظار مزيد من التضييق على صلاة العيد تقول إيمان: قرأت بعيني بيانَ منع الأنشطة والدروس بعد التراويح واقتصارها على 8 ركعات، كان ملصقًا على حائط المسجد، ومن يقول لك غير ذلك فلا تصدقيه.. كنت أتمنى أن أقوم بتصويره ونشره في كل مكان؛ إلا أنني خشيت من المسلخ (سجن تابع لحكومة رام الله كل من يدخله لا يخرج إلا بعاهة مستديمة؛ فأُطلق عليه هذا الاسم).

 

وعند سؤالها عن وجود ولو مسجد واحد في الضفة يختم القرآن في صلاة التراويح هذا العام؛ أجابت: لم يجرؤ على مخالفة البيان إلا مسجد الشيخ معزوز، إلا أن المصلين هم الذين آثروا السلامة وتركوا المسجد خاصةً بعد ما أُشيع أن المسجد تم مراقبته بكاميرات!!، كما تم سحب رخصة الإمامة من العديد من الأئمة حاملي الشهادات الشرعية التي تصل إلى دكتوراه، ومنحها لخدَّام المساجد.

 

أما عن مظاهر الاحتفال بالعيد من ملابس وحلوى فتقول مها: "اشتريت بعض القطع الصغيرة من الشيكولاته لأضيِّف بها من سوف يزورنا في العيد، ولا أتوقع أنني سأتمكن من شراء أي شيء آخر؛ فالراتب لم يكفِ لشهر رمضان، خاصةً بعد الارتفاع الرهيب في الأسعار، فقد وصل سعر كيلو القطايف إلى 12 شيكل (تقريبًا 18 جنيهًا)، بعد أن كان في العام الماضي بـ7 شيكل؛ علمًا بأنه في غزة بـ4 شيكل فقط؛ أي أن الأسعار في الضفة 4 أضعاف غزة المحاصرة!.

 

وعن إمكانية أن تقوم حكومة رام الله بصرف الرواتب مبكرا ليتمكن الناس من شراء مستلزمات العيد قالت : لم يحدث ذلك من قبل لكن يقال أنهم سيفعلوا ذلك هذا العام وهانحن في الانتظار!.

 

ويؤكد أبو صلاح أن حال العمال هو الأسوأ في ظل هذه الظروف ؛  نظرا لتشديد الحواجز على عمال الداخل في رمضان ومنهم من منعوهم من الدخول منذ زمن فهو يعيش على أعمال يسيرة لا تكاد توفر له قوت يومه.

 

ونفى أبو صلاح وجود أي جمعيات خيرية  لمساعدة المحتاجين مؤكدا أنها جميعا مغلقة إما من اليهود أو السلطة.

 

عيد الأقصى

 الصورة غير متاحة

وعلى الرغم من ارتفاع المستوى المعيشي نسبيًّا لفلسطينيِّي 48 الذين يعيشون داخل الخط الأخضر؛ حيث يمكنهم شراء ملابس العيد وعمل أو شراء الكعك وتزيين المنازل؛ إلا أنهم أجمعوا على أنهم لا يشعرون بأي عيد فهو يوم عادي كباقي الأيام الاحتلال!.

 

وتقول هناء: "أي بهجة يمكن أن تتسلل إلى نفوسنا ونحن نصلي العيد في مسجدنا الأقصى وسط حراسة مشددة؟! وأي فرحة سنشعر بها ونحن مراقَبون ومحاصرون في كل تحركاتنا؛ فالتجمع بعد الصلاة ممنوع ولو لتبادل التهاني، كما يمنع توزيع الحلوى وألعاب الأطفال.

 

وتضيف: لا يمكننا أن نأتي جميعًا كأسرة للصلاة في الأقصى؛ فالصلاة ممنوعة على من هم فوق الـ16 ودون الـ45؛ أي أنني أتيت للصلاة وحدي وليس معي أبنائي، وقد آثرت أن أترك أولادي على أن أترك الأقصى، ولو لم نفعل ذلك لسهل على اليهود اقتحام المسجد وهدمه في أي وقت.