كتبت- مريم محمد

اقتربت أيام الامتحان، هل بيتكِ على قدمٍ وساقٍ بسبب ذلك؟ هل أنتِ خائفة؟ هل ابنكِ خائف؟ هل تتساءلين ماذا أفعل؟ هل لسان حالكم يقول يوم الامتحان يُكرم المرء أو يهان؟ قد نتساءل لماذا نضغط على أبنائنا بهذا الشكلِ وهل يستحق الأمر ذلك؟!

 

عندما نقرأ قول الله تعالى: ﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: من الآية 105) فأرى أنَّ الأمرَ يستحق بذل الجهد، لكنه بالتأكيد لا يستحق هذا الخوف المرضي الذي يتعارض مع التوكل على الله، لنضعَ أيديَنا على الجهد الذي يمكنكم وأبناؤكم بذلَه نتعرف على تجارب بعض المتفوقين وأسرهم ورأى العلم في ذلك.

 

تقول منى بيومي (طبيبة أسنان وأم لثلاثة أبناء من المتفوقين) إن التربية الإسلامية والاقتداء بالوالدين أهم شيء، بالإضافة إلى تعويد الأولاد على تنظيم الوقت خاصةً في فترة الامتحان، وتضيف: كنت أهتم بوضع جدولٍ للمذاكرة معهم كما أحرص في هذا الوقت على توفير الجو الهادئ ومراعاة أوقات نومهم وكذلك التغذية السليمة، لكن بالنسبة للفسح والرحلات نوقفها في هذه الفترة.

 

ويرى محمود سند (مهندس) أن التفوق صفة المسلم الملتزم؛ لأنه أولى الناس بذلك، ويضيف أن لكل إنسان مستوى من الذكاء يصل إليه إذا ذاكر واجتهد، مشيرًا إلى ضرورة معرفة مستوى الأبناء ومتابعتهم نفسيًّا وغذائيًّا وتقليل التوتر الناتج عن الشحن الزائد في هذه الفترة، كذلك الحرص على الدعاء لهم بالتيسير؛ لأنه في النهاية كل يأخذ بالأسباب والفضل والتوفيق من الله.

 

وتقول إسراء محمود (طالبة بالفرقة الأولى بكلية الطب): إنَّ كلَّ إنسانٍ يميل بطبيعته إلى الراحة، وقد يسرح أثناء المذاكرة بسبب الشيطان، وترى الحل في تذكر النية والهدف وإخلاص الدعاء لله تعالى، ويقلِّل من ذلك دراسة الإنسان لما يحب لكن هذا غير متوفر في بلادنا إلا في المرحلةِ الجامعية.

 

وتطالب بأن نتذكَّر أنَّ دورنا هو إعمار الأرض، وأهم ما يمكن أن نعمِّرَ به الأرضَ في هذه المرحلة هو المذاكرة، وهذا الهدف يمكننا من الجلوس على الكتابِ هذه الساعات الطويلة.

 

أما ولاء حسن (طالبة بالفرقة الثالثة بكلية الطب) فتقول: إن أهم شيء يساعدني على المذاكرة أيام الامتحانات المذاكرة مع صديقةٍ لي، فنضع جدولاً معًا ونتابعه بالتليفون، ولا أبالغ في وضع الجدول، بحيث يجب أن يتضمَّن وقت الطعام والصلاة وقراءة القرآن التي تعطيني الراحةَ النفسيةَ لأبعد حدٍّ، وقد أتحدث مع بعض صديقاتي في التليفون، لكن لا أطيل حتى لا يؤثِّر على مذاكرتي، وأحب أن أستيقظَ مبكرًا يوم الامتحان، كما لا أراجع بعد عودتي حتى أتمكَّنَ من التركيز في المادة التالية، إلا إذا أردت التأكدَ من بعض الأشياء البسيطة.

 

أما منار محمد (طالبة بالفرقة الثالثة بكلية الهندسة) فهي لا تأخذ الموضوعَ كالمعركةِ، بل مثل شيء تحبه، وكذلك عمل سوف يحاسبها الله على إتقانه، وهو الدور الأساسي الذي تقوم به في هذه السن.

 

وهي تحرص في فترة الامتحانات على النوم فترةً كافيةً لا تقل عن ستِّ ساعات، وقد تزيد قليلاً وتحرص كذلك على عمل جدول لتنظيم الوقت وعلى العبادات وأيضًا فترة الطعام مع العائلة، وإذا أُتِيح لها الوقت فإنها تخصص نصف ساعة للقيام ببعض الهوايات وقراءة القرآن.

 

الأهل هم السبب

ويوضِّح الدكتور عمرو أبو خليل- رئيس مركز الاستشارات النفسية- أن الأهل عليهم المسئولية الكبرى في هذا الشأن، حيث إنهم المتسببون فيما نراه الآن من خوفٍ مرضي لدى الأولاد، لأنهم من زرعوا هذا الخوف.

 

ويضيف: يأتي إليَّ كثيرٌ من الحالات التي يتسبَّب فيها الخوف من عدم قدرة الطفل على الإجابة رغم استذكاره للمادة، ويرجع ذلك لتذكره لتهديداتِ الوالدين له إذا أخطأ فيخشى الإجابة حتى لا يقعَ في الخطأ، كما أن الكثير من الأهالي لا يدركون أن البشر بطبيعتهم متفاوتون حتى في قدراتهم العقلية، كما يعانون من وَهْم الدرجة النهائية وهو مخالفٌ لطبيعة البشر؛ إذ كلنا معرضون للخطأ، المهم أن يشرحَ الوالدان لأبنائهما أن عليهم بذل ما يستطيعون من جهد، بعد ذلك النتيجة ليست هي الفيصل، والإنسان يتحكم بمجهوده، ولكنَّ هناك ظروفًا خارجيةً أخرى يتأثَّر بها، ونرى الآن في نظام التعليم الكثيرين ممن يحصلون على درجات نهائية مائة بالمائة أو أكثر، وهذا لا يدل على نجاح بل يدل على سوء النظام التعليمي ويظهر أثره عند انتقال هؤلاء للمرحلة الجامعية ويصطدمون بأرض الواقع، ولا يمكنهم تحقيق هذا النجاح الوهمي.

 

ويؤكد الدكتور أبو خليل أنَّ الجو داخل البيت يجب أن يكون طبيعيًّا كأي وقتٍ آخر في مواعيد النوم والاستيقاظ والترفيه فلا داعي لأن تلغيَ الأسرة يوم الفسحة، ولا مانعَ من مشاهدة الطالب للتلفاز لبعض الوقت أو الجلوس على جهاز الكمبيوتر قليلاً، والإجازة أو فترات الراحة تعتبر بمثابة إعادة الشحن لهم فيعودون أكثر نشاطًا.

 

ويحذر الأسر من عدم تقبل بعض الأبناء لفكرة الترفيه أثناء فترة الامتحانات، ويرى أن له مردودًا سلبيًّا على الطالب من الناحية النفسية.

 

ويضرب مثالاً بنفسه قائلاً: أنا شخصيًّا كان لي أنشطة في المرحلة الجامعية مع تفوقي، والتفاعل من سمات الطلبة المتفوقين، والحصول على قسطٍ من الراحة من الأشياء التي أوصى بها نبينا الكريم حيث قال: "مما وصلنا من حكمة إبراهيم وموسى أن المؤمن له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يُخلي فيها بين نفسه ولذاته فيما يحل ويباح".

 

لذلك فهو يطمئن أولياء الأمور بشأن مشاهدة التلفاز والكمبيوتر خاصة في هذه الفترة، حتى لا يؤثِّرَ على الذاكرة بأن الأثرَ يكون لدى بعض الأطفال الذين لديهم استعدادٌ للإصابة بالصرع ويؤدي الجلوس بالقرب من هذه الأجهزة لفترات طويلة إلى توسيع هذه البؤر بالمخ، لذلك يجب على الأهل مراعاة ابتعاد الأبناء لمسافة لا تقل عن متر ونصف المتر والتقليل من فترات المشاهدة وتقديم البدائل للأبناء مثل الرياضة والمجلات وحفظ القرآن والمسرح والأنشطة الترفيهية الأخرى.

 

روشتة يوم الامتحان

ويقدم الدكتور عمرو أبو خليل روشتةً ليوم الامتحان تتلخص في عدة نقاط:

1.  النوم مبكرًا ولمدة ثماني ساعات؛ حتى يتمكن من التركيز، فربما يسهر الطالب ليراجع قدرًا أكبر ولا يستطيع تذكره بسبب الإرهاق الشديد بينما لو نام جيدًا يكون بحالة جيدة تمكنه من تذكر حتى المعلومات القديمة التي ذاكرها سابقًا ولم يتسن له مراجعتها يوم الامتحان.

2.  الحفاظ على الجو الهادئ في الصباح حتى لا ينتقلَ التوتر للأبناء.

3.  لا للتعليمات فقد حصل الابن بالتأكيد على القدر الكافي من التعليمات سابقًا ولا داعي لإعادتها عليه هذا اليوم إلا ما يتعلق بالتشجيع والتهدئة.

4.  تذكير الابن بالاستعانة بالله تعالى.

5.  الحرص على احتواء وجبة الإفطار على قدر معقول من الكربوهيدرات مثل العسل والبلح أو التمر.

6.  بعد عودة الطفل من الامتحانات لا نراجع معه الأسئلة إلا إذا أراد هو التأكد من شيء ولا نوبخه عند اكتشاف خطأ حتى يكون بحالة نفسية جيدة للامتحان التالي.

 

الدور الاجتماعي للأسرة

وترى الدكتورة إيناس محمد غزال (مدرس بكلية الآداب جامعة المنوفية قسم علم الاجتماع) أن الأسرة هي أول بيئة اجتماعية وثقافية يقابلها الطفل وهي التي تغرس فيه البذور الاجتماعية والثقافية الأولى، ودورها في فترة الامتحان يتوقف على مستواها الثقافي سواء أسرة متعلمة أو أمية والمناخ الأسري الذي توفره الأسرة في هذه الفترة يسهم بشكلٍ كبير في تشكيل المستوى الثقافي للطفل، ومن ثمَّ إنجازه في الامتحان، والتنشئة الاجتماعية تلعب دورها في تشكيل الطفل وتحديد أدواره على جميع الجوانب اجتماعيًّا ونفسيًّا وقيميًّا، ويتوقف ذلك على عدة محكات:

- درجة ثقافة الوالدين ووعيهم بالأساليب التربوية الصحيحة.

- البيئة التعليمية والثقافية التي تُحيط بالطفل مكانيًّا وجغرافيًّا.

- الوعي الديني للوالدين وانعكاسه على أسلوب تنشئة الطفل (غرس قيم حب العلم والتفوق).

 

وتقع على الأسرة مهام خاصة في هذه الفترة، فعليها إعداد نفسها قبل الطفل بعدة نقاط:

1. الجو النفسي والاجتماعي الهادئ قبل وأثناء الامتحانات بلا نزاع أو شجار أو صوت عالٍ لتوفير الشعور بالرضى والاطمئنان لدى الطفل، فحسن الثقة بالله والاستقرار الأسري ينتج أبناء متفوقين وصالحين.

2. الجلوس معهم لبعض الوقت قبل بدء الامتحانات حسب المرحلة العمرية وبخاصة صغار السن ومساعدتهم على مراجعة المواد التعليمية، مما يعطيهم ثقة بالنفس.

3. متابعة الطفل خطوة بخطوة في كل مادة أثناء الامتحانات.