بقلم: أحمد عبد الحميد

يصعب أن نصف الدكتور نجيب الكيلاني بأنه الشاعر الإسلامي أو رائد القصة الإسلامية أو منظِّر الأدب الإسلامي، فإطلاق هذه الأوصاف عليه كل واحدة منها فقط منفصلة عن الأخرى بخسٌ لحقِّه، فهو الشاعر صاحب التسعة دواوين "الأمل الطريد" و"نحو العلا" و"لؤلؤة الخليج" و"كيف ألقاك؟" و"نصر الشهداء" و"مهاجر" و"أغنيات الغرباء" و"مدينة الكبائر" و"أغنيات الليل الطويل"، وهو الروائي الذي قدَّم للمكتبة العربية والإسلامية مجموعةً ضخمةً من الروايات والقصص القصيرة وفق التصور الإسلامي.

 

وهو" منظِّر الأدب الإسلامي" كما قال عنه الأديب نجيب محفوظ، الذي ينطلق من رؤية إسلامية ليعبِّر بالوسيلة الفنية الإبداعية عن قيم ومثاليات دينه ومعتقده، وهو المعبِّر عن هموم عامة، فخرج عن الإقليمية ليطرحَ قضايا تهمُّ الأمة الإسلامية متناولاً في ذلك أزمات وجروح شتَّى في جسد العالم الإسلامي، فطرح في ذلك "عمر يظهر في القدس" و"ليالي تركستان" و"حبيبتي سراييفو"، ولنجيب الكيلاني قصبُ السبق في ذلك على سائر الأدباء الإسلاميين.. فهو إذن رائد الأدب الإسلامي، ورغم ذلك لم يحظَ بالشهرةِ الوافية التي نالها أدباء أقل منه قدرًا ومكانةً.

 

والمرء في بلادنا عندما يدخل عالم الأدب في بداية العهد بالقراءة لا يطرق أسماعَه إلا أسماء كنجيب محفوظ والسباعي ويوسف إدريس وغيرهم، ولكنه لا يسمع باسم نجيب الكيلاني إلا بعد عهدٍ، رغم كثرة أعماله، فهو يأتي في المرتبة الأولى من حيث الكمّ قبل كثيرين.. هل تمَّ تهميش نجيب الكيلاني من جانب الآلة الإعلامية، التي أرادت وأْدَ كلِّ مَن يحمل الفكرة الإسلامية أم كان لأسباب أخرى؟! وما المقصود بالأدب الإسلامي وارتباط الفكرة الإسلامية بأدبيات نجيب الكيلاني؟!

 

 الصورة غير متاحة

 د. جابر قميحة

الدكتور جابر قميحة- أستاذ الأدب العربي وصاحب الكثير من الدراسات في أدب الكيلاني- يرى أن "مشكلة الدكتور نجيب أنه لم يتم تسليط الضوء عليه إعلاميًّا لما هو معروف عنه من توجُّهه الإسلامي، ثم المشكله الثانية وهي الأهم مشكلة التفريط من جانب محبِّيه وإخوانه الذين لم يعطوه من الجانب الدعائي ما يستحقه, وأستطيع أن أقول إن مشكلة الأدب الإسلامي بصفة عامة هي مشكلة إعلامية في المرتبة الأولى!! ويضيف أن هناك من الأدباء أقلّ مستوى من طلابي في الجامعة من الناحية الفكرية والأدبية والإبداعية، ومع ذلك يجدون مَن يطبِّل لهم ويزمِّر!!

 

أما نجيب الكيلاني فلأنه أديب إسلامي لم يجد اهتمامًا من الدولة وإعلامها وإخوانه وتلاميذه يتولَّون كبْرَ هذا التفريط، ومما يؤسَف له أنهم لم يستطيعوا أن يحافظوا على تراثه حتى يخلَّد على مدى الأجيال، والسائل إذا سأل عن تراث نجيب الكيلاني لم يجد الجواب الشافي، وأجد في ذلك من ناحية أخرى أن أقول إن هناك ضعفًا في الوعي بالنظر إلى تراث الكيلاني.

 

عدنا إلى مفهوم الأدب الإسلامي، فأوضح الدكتور قميحة أنه الأدب الشعري والنثري الذي يلتزم القيم الإنسانية ويعمل على خلق بناء قويٍّ متين يُراعي هذه القيم في مجال السياسة والاجتماع والتربية وغير ذلك، وهذا تعريف إيجابي، وهناك ما نستطيع أن نسميه بالتعريف السلبي أو" التعريف الرافض" والمقصود به الأدب الذي يرفض في قوة كلَّ ما يخالف القيم الإسلامية والإنسانية.

 

* وعندما سألناه: ما الذي يميِّز أدب نجيب الكيلاني من الناحية الفنية عن غيره من معاصريه؟!

 

** أجاب: أدب نجيب الكيلاني- دون مغالاةٍ- أدبٌ متميزٌ من ناحية، وفائقٌ من ناحية أخرى، فهو يتميز بالآتي:

- سلامة اللغة، وهي مهمة؛ لأن اللغة هي عِرْض الأمة الدالّ على هويتها، ولا هوية لمن لا عرض له.

 

- براعة التصوير، وهو في منهجه التصويري يكاد يقترب من الواقع فهو في تصويره لا يجنح إلى الصور الشاردة والخيال المسرف المحلق بلا معقولية، أي نستطيع أن نقول إن منهجَه التصويري هو المنهج الوسطي بين المثالية الخيالية والرومانسية العقلانية.

 

- قوة الوجدان أو الطاقه الروحية، وهو مع ذلك يجنح إلى الوسطية، فلا نعثُر له على عاطفة ملتهبة ووجدان متوهِّج، ولكنها كما قلت سابقًا الوسطية والمعقولية، وهو منهج لا يعيب صاحبه، بل يقف في صفِّه؛ لأن المهم أن يكون المبدع مخلصًا في منهجه ولمنهجه، بعيدًا عن الشطط والإسراف.

 

- التماسك والتلاحم في صدقٍ بين عناصر الإبداع الفني مما يقرِّب إبداعَه من المنهج التكاملي في الفن.

 

- قوة العقيدة، وهذا ما تعنيه بسؤالك عن تأثير الفكرة الإسلامية على أدبه، فكان هذا هو الجانب الذي ينهل منه أي من عقيدته ودينه؛ ليصبَّ في النهاية في أدبه ويجعله على رأس قائمة الأدباء الإسلاميين.

 

المنظِّر الإسلامي

* وماذا عن نجيب الكيلاني المنظِّر الإسلامي؟

** علينا أن نتذكَّر أن الكيلاني جمع بين التنظير والتطبيق، فله الإسلامية قياسًا على المذاهب الفنية الأخرى، مثل الكلاسيكية والرومانسية، فله من رواياته ونظرياته خمسة كتب كاملة عن مفهوم الأدب الإسلامي فله "المدخل إلى الأدب الإسلامي" و"الإسلامية والمذاهب الأدبية" وغيرهما، وفيها يوضح علاقة الأدب بالدين، ومفهوم الالتزام الإسلامي والمقارنة بين المذهب الإسلامي وغيره.

 

والخلاصة أن أيسَرَ ما يُقال عنه إنه كان واحدًا من أعظم الروَّاد في الإبداع والنقد الإسلامي دون إسراف أو إغراق في المبالغة.

 

* ماذا لو أجرينا مقارنة بين نجيب الكيلاني الشاعر والأديب في الوقت نفسه؟

** نجيب الكيلاني رغم أن له تسعة دواوين ممتازة إلا أن نجيب الكيلاني من الناحية الشعرية يأتي في المرتبة الثانية بعد نجيب الكيلاني الكاتب بصفة عامة والروائي بصفة خاصة.

 

* وهل هناك دراسات أدبية تُلقِي الضوءَ علي الكيلاني الروائي والشاعر؟!

** بالنسبة للدكتور نجيب الكيلاني هناك دراساتٌ أدبيةٌ معقولةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ، هناك على سبيل المثال لا الحصر رسالتان أكاديميتان نُوقشتا مؤخرًا، وهما: "الريف في روايات نجيب الكيلاني" و"المرأة في روايات نجيب الكيلاني" كما أن هناك رسالة ماجستير نُوقِشَت في كلية اللغة العربية عن "الرواية التاريخية عند نجيب الكيلاني"، وفي رأيي الخاص أن الدراسات الأدبية الكافية وعدم الكافية هي مسألة نسبية بالنسبة للشخصيات الأدبية.

 

* ألا ترى أن البَون ما زال شاسعًا بين أدباء يعبرون عن الفكرة الإسلامية عامةً وأدباء آخرين يعبِّرون عن فكرة مختلفة أخرى مغايرة، كالأدباء اليساريين أو المحسوبين على اليسار، فمنذ أواخر الخمسينيات وابتداء الستينيات وحتى الآن الصحف والمجلات والدوريات الثقافية المختلفة ووزراة الثقافة.. إلخ يسيطر عليها وبقوة مثقفون من ألوان الطيف المختلفة، فأين الأدباء الإسلاميون؟!

 

** هناك عدة أسباب لانضواء أو بالأصحِّ عدم بروز الأدباء الإسلاميين أمام قرنائهم من اليسار على سبيل المثال، فأُولى هذه الأسباب: مناوأة الدولة للحركة الإسلامية وكل ما يمتُّ للإسلامية بصلة، ومن ثمَّ إقصاء الأدباء الإسلاميين وتنحيتهم من على الساحة لحساب آخرين معبِّرين بشكل ما عن توجُّه الدولة في وقتٍ ما، كازدهار الأفكار الاشتراكية في العهد الناصري مثلاً، وإقصاء أدباء كـ:عبد الحميد جودة السحار وعلي أحمد باكثير ونجيب الكيلاني وهاشم الرفاعي.. إلخ؛ لتوجه الآخرين الإسلامي!!

 

ثانيها عدم اهتمام الحركة الإسلامية بكافة أطيافها بالجانب الأدبي، وعدم وضعه في بؤرة الاهتمام لشَغْلِها بالجانب العقلاني والفكر الإسلامي والاتجاه الدعوي على حساب الأدبيات والفنيات، مع أن الأخيرة مهمّة جدًّا في التأثير الدعوي فالنبي- صلي الله عليه وسلم- يقول: "إن من البيان لسحرًا، وإن من الشعر لحكمةً"، فالنبي ذكَر هنا مقوِّمات الأدب التعبيري وعناصره وهي:

"الوجدان- الأداء التعبيري الجمالي- الفكرة"، فتضمين الأدب الفكرة، سواءٌ كانت الفكرة الإسلامية أو غيرها هي الوسيلة المُثلى لتوصيلها إلى الجمهور، وأضرِب على ذلك المثال الشاعر الروسي "باسترناك" في رواياته في مواجهة اليسارية والتي كان لها أبلغ الأثر من أي أفكار أخرى يمينية!!