نص الرسالة: أذكر لك قصة شبيهة بكثيرٍ من القصص الموجودة هذه الأيام، هي قصة شاب وفتاة، هذه القصة قصة حقيقية من الواقع رأيتها بأم عيني، هذه القصة تدور حول شاب هداه الله يومًا لطريق الحق وتمسَّك به لدرجة الفداء وقد كان يعاني الويلات من جرَّاء هذا الالتزام لأن واقعنا للأسف ضد أي ملتزمٍ.

 

وفي يومٍ من الأيام دخل هذا الشاب فتنةَ هذا الزمان ألا وهو الإنترنت لبيته ودله شخصٌ على الشات، فقال إنه جيد حتى يمارس الدعوة عليه وفي يوم من الأيام لاحظ هذا الشاب فتاة، هذه الفتاة كانت مرحةً جدًّا دخل عليها وكلمها وهو يعرف أنها فتاة رغم أنه تحدَّث إليها فترة طويلة بلسان حال الولد.

 

كانت من عادة هذا الشخص عندما يريد أن يأخذ بأيدي أي شخصٍ للهداية والتقرب إلى الله أن يُجاريه ويكسب وده أولاً بكل الطرق، ثم بعد ذلك يبدأ خطوةً خطوةً لتقريبه إلى الله، فقد بدأ مع تلك الفتاة ومع مرور الأيام وهو يحدثها أحسَّ من داخله بأن هذه الفتاة لها قلب طيب معلق بالإيمان، ولكن يريد مَن يوجهه للتمسك بهذا الإيمان والتقرب من الله أكثر فأكثر، ومع مرور الوقت بدأ قلب هذا الشاب يتعلق بتلك الفتاة فقد أحسَّ بداخله أنها هي شريكة حياته وأنها بطريقها للالتزام، بالتالي فهو لا ينقصه شيء في الإنسانة التي يريدها واعترف لها بحبه، ومع الأيام هي أيضًا أحبته، ولكن حياءها كان يمنعها من قول هذه الكلمة، وهو ما جعله يتمسك بها أكثر فأكثر.

 

وأراد أن يتزوجها ويتقدَّم إلى خطبتها ولكن لم تكن الظروف متاحة لهذا الأمر، ومع تعلق هذا الشاب الشديد بتلك الفتاة بدأ يُفكِّر بها طوال ليله ونهاره وأعلم أهله، وكل مَن يعرفه علم بذلك الأمر وإخبار أهله هنا حتى لا يدع لنفسه فرصة للعب مع تلك الفتاة بعدها يتركها وينتهي الأمر.

 

ولكن مع شدة حبه للفتاة قلل التزامه وأصبح كل يومٍ يتشغف لرؤيةِ محبوبته وهي أيضًا كانت شغوفة لرؤيته حسب ظنه، وفي يومٍ من الأيام كان لقاء لهما وتكلما، وفي لحظة صمتت الفتاة وهو حائر لذلك، وإذا بالفتاة تشير له عن عدم خشوعها في صلاتها وردَّ عليها بعد أن أحس بما يدور في عقلها بأن الخشوع لا يرتبط بذلك الأمر يمكن كان خوفًا منه أنها تبعد عنه، وفي نفس الوقت علمه بأمور دينه كان لا يسمح له باللعب عليها وتغيير مفهومها نحو الدين فكان في صراعٍ داخلي بين نفسه الأمَّارة بالسوء وبين عقله الذي يقول له ربك ربك ربك، ووافقها على ما تقول، ولكن ظلَّ هو شغوفًا بها لدرجة لا يتخيلها بشر ومع انكساره هذا واطمئنانه أنها سوف تنتظره حتى يُعيد بناء نفسه ويتقدَّم إليها حتى لا يرفضه أهلها، وبالتالي يكسب الفتاة التي عاش حلم حياته أن يكون بجوارها، وكان يدعو الله دائمًا أن تكون له، ويدعو الله دائمًا أن تكون سببًا لدخوله الجنة والتقرب إلى الله أكثر فأكثر.

 

ولكن هوى النفس وتدينه كانا في صراعٍ دائمٍ، ومع إحساسه بأنها أفضل منه لقربها إلى الله فقد مكث مع نفسه، وقال الحمد لله أنها كذلك وبقي بعيدًا عنها لأنها تحتاج ذلك إلى أن يرد الله لهما الخير فيجتمعان حتى لا تغضب الله رب العالمين أو تخون أسرتها التي تأتمنها على شرفها وحياتها، وأن تظل ثقة أهلها في محلها تجاه تلك الفتاة.

 

وبين الحين والآخر كانت هذه الفتاة ترسل لهذا الشاب روابط لبعض المواضيع والقصص حتى يقرأها ومع كل قراءة كان يُصاب بالضيق يمكن ظنًّا منه أنه على صواب وأخذه غروره بأنه هو كما هو لم يتغير في شيء، ولكن الحقيقة أنه قلَّ التزامه كثيرًا عن ذي سابق، ولكنه كان يبعد شيئًا فشيئًا عن الإنترنت، وذات يوم جاب بعقله أن يفتح الماسنجر يمكن أن يرى تلك الفتاة موجودة فينشرح قلبه لوجودها مع أنه لن يكلمها ولكن رؤيته لوجودها يكفي لانشراح قلبه، وكان وقتها يقرأ كتابًا يستطلع فيه أحوال مَن سبقونا للالتزام في وقت المحنة في عهد الظلم والطغيان عهد ثورة الغدر، ورق قلبه كثيرًا لهذا، وعندما انتهى همَّ أن يفتح الماسنجر وإذا برسالةٍ من تلك الفتاة تقول فيها: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)﴾ (البروج)، وقالت له امسح كل ما عندك مما يخصني.. أرجوك".

 

مع حال الشاب قبل قراءة هذه الرساله وهو يقرأ الكتاب وبوجود هذه الرسالة فإذا به يحس بأن غرفته ضاقت عليه وأنه مخنوق لدرجة أنه أحسَّ بروحه تخرج منه فما كان منه إلا أن جرى وخرج خارج بيته وأخذ يسير في شوارع بلده إلى أن هدأ نوعًا ما ودخل بيته وترك لها رسالة يريد أن يعرف ما الأمر، ولكن دون جدوى حتى الاتصال لم يكن متاحًا له بها.

 

وأحب أن يشغل نفسه بشيء حتى لا يحدث له أمر سيئ وخرج من غرفته ونقل جهازه في صالة بيته حتى لا يختنق، وقال في نفسه أريد أن أسمع حديثًا، أريد أن أشغل بالي بشيء ففتح جهازه ودخل على ملفات الفيديو لديه وفتح ملفًا، والله فتحه ولا يدري ما محتواه فإذا بدرس للشيخ نبيل العوضي اسمه "قصة حب"، والله ما كان يعلم ما هو الدرس ومحتواه فشغله وأغلق النور وانتبه إليه جيدًا، وقبل نهاية الدرس فإذا به يرتاح نفسيًّا لفعل الفتاة وقدَّر ما تفعله، وهم في نفسه بعد الدرس أن يمسح ما تريده هذه الفتاة من خصوصيات والله وقتها أحسَّ من داخله بنورٍ من ربِّ العالمين وأحس بضياء داخل قلبه.

 

والله أحسَّ بنورٍ أمام عينه رغم أن النور مغلق أمامه فنظر اتجاه السماء فإذا بضوء أمام عينه، وبعد أن سمع الدرس وأكمله همَّ بمسح خصوصيات تلك الفتاة وفعل ذلك عن طيب خاطر، ولا يندم لذلك رغم شغفه لرؤيتها دائمًا، وبعد أن اطمئن لفعله وانتهى منه فإذا برسالةٍ من أحد الذين كانوا مضافين عنده لأنه كان قد مسح كل ما لديه إلا أقاربه.

 

هذه الرسالة ثبتت هذا الشاب لفعله وبعدها جاءته رسالة أخرى تنوه بقيام الليل فأحسَّ بأن الله هو مَن يسير له تلك الرسائل وقام وقتها وتوضأ وصلَّى وغصب على نفسه رغم ما به من ألمٍ في ظهره ومع إحساسه الجديد قام وسجد لله تعالى يشكره لأنه عائدٌ إلى الله ودعا الله أن يوفقه في رحلته للعمل وإكمال دراسته العليا في الاقتصاد الإسلامي فهو يتم الآن رسالة الماجستير حتى يكون جديرًا بتلك الفتاة ولا يرفضه أهلها، خاصةً أنها في كلية طب وهو خريج كلية تجارة، وفي طريقه للحصول على الدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي بإذن الله تعالى.

 

ومع عقلية الناس في هذه الأيام فهو خائفٌ من أن يرفضوه ويقولوا إنها ستتزوج طبيبًا مثلها حتى لو أن القدر لم يسمح لهما بالالتقاء ثانيةً فإنه حمد الله أن جعل في طريقه تلك الفتاة التي أعادته مرةً ثانيةً إلى الله ودائمًا يدعو لها بالتوفيق، وأن جعل له أبًا وأمًّا غير أبيه وأمه يحبهما بشكلٍ كبير، أدعو الله أن يجمعه بهما إن لم يكن في الدنيا فيكون في الآخرة في جنته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

بطل هذه القصة هو كاتب هذه الحروف ذكرتها فقط باختصار حتى تعرفوا الموضوع بشكلٍ مختصر جدًّا، وبجد أنا محتاج هذه الإنسانة، خاصةً أن شرطها الوحيد للزواج هو مدى صدقي مع الله ولكن خوفي من أهلها هو ما يؤرقني، فماذا أفعل وأنا على وشكِ السفر للعمل وإكمال دراستي؟ أريد منكم أن تدلوني للطريق خاصةً أنني ساعدتها حتى أصبحت أختًا فاعلةً في بلدها وكليتها ولا أدري ماذا أفعل؟ هذه قصتي بين أيديكم وأريد لها حلاًّ.

وجزاكم الله خيرًا.

 

تُجيب عن الاستشارة: ماجدة شحاتة- الاستشاري الاجتماعي في (إخوان أون لاين):

الأخ الفاضل الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..

فلا شك أخي الكريم أن كل وسيلة مستجدة، وكل جديد مخترع، الأصل فيه أنه لخدمة الإنسان، فيحسن البعض استخدامه وقد يسيء البعض الآخر، والأمر مرجعه إلى الرقابة على الذات والقدرة على الانتقاء والاختيار، بحيث يكون استعمال أي تقنية فيما ينفع ويفيد، والحمد لله أن الله قد مَنَّ عليك بنعمة الاستقامة، ورغم أن دخول عالم الشبكة العنكبوتية من أجل الدعوة، قد لا يكون مأمون العواقب في كل الحالات، إلا أنها تبقى إحدى الوسائل الدعوية التي تتوجه إلى شرائح مختلفة، يمكن أن تكون مجدية، حالة أن يتصدى لها خبير مراعيًا ضوابط الأخلاق الكريمة.

 

ولا شك أن التواصل على أي مستوى بين الرجل والمرأة، لا يسلم من عثراتٍ إلا من عصم الله، وها أنت أحببت وأحبتك مَن أردت دعوتها، وما ذلك إلا لطول تواصل وتعارف، لا يمكن أن نقفز على طبيعة النزوع من أحدهما أو كليهما إلى الآخر، مهما تحفظ أي منهما، وهذه من سوءات الاختلاط الواقعي أو الافتراضي في العالم العنكبوتي، وقد ملكت عليكَ قلبك ونفسك، ولعله لولا فضل الله عليك أن كدت تسقط، عما كنت عليه من استقامة، والحمد لله أن استنقذك من وهدةِ الركون للمشاعر والعواطف والتعلق بامرأةٍ لا تحل لك، برغم حرصك على الارتباط بها.

 

واضح من رسالتك أخي الكريم أنك تواصل دراساتك العليا من أجل أن تكون كفئًا لها، حيث إنها تدرس الطب، ولأنك تتوجس خيفة من رفض أهلها، طلبت المشورة لأنها كما قلت لا تشترط شيئًا سوى صدقك مع الله، وشيء جميل أن تثمر محاولتك الدعوية برغم ما حفها من تعلق أحدكما بالآخر، وما دمت متأكدًا من شرطها، فلا أدري لم تحمل همًّا لأهلها، وبإمكانها أن تقنعهم بك عندما تأتي البيوت من أبوابها، وثق أخي بأنه ليست قاعدة أن تتزوج الطبيبة بطبيب مثلها، إلا من كان هذا همها، أن ترتبط بمثيلها دراسيًّا ومهنيًّا.

 

فخفف عنك من عناءِ تلك المخاوف، واصدق الله في رغبةِ الارتباط بها، وواصل اجتهادك الدراسي، مهما تكن عوائق ارتباطك بها، وارفع عنك الهم، فكل شيء يسير بقدر الله.

 

غير أني وددت لفت الانتباه إلى أنك للآن لم تتعرف عليها شخصيًّا، فمهما يكن إعجاب المرء بأخرى تظل الرؤية المباشرة هي التي تؤدم بينهما أو تقطع ما اتصل بعيدًا عن الرؤية المباشرة، فالتعامل المباشر جدير بوضع الكثير من الحروف على مدى تقبلها زوجة، وأثر رؤيتكما لبعض عليك وعليها نفسيًّا، ولا يغرنك حبك إياها من خلال شاشةِ عرض وكلمات وأصوات لا تُغني عن الواقع والحقيقة حين تكون ماثلة للعيان.

 

والحمد لله أنك مؤهل نفسيًّا للرفض من أهلها، وهذا في حد ذاته يخفف ويلطف من أي نتيجة عكسية غير مرضية.. فلتسافر أخي الكريم ولا تشغل بالك، وعد واثقًا من أنك جدير بمَن تعينك على أمر دينك ودنياك.

 

وادع الله أن ييسر لك الزواج بها إن كان في ذلك الخير، وأن يرضيك بما قُسِمَ لك، واحمد الله أن جعلك سببًا في استقامتها فقد يكون دورك معها انتهى إلى هذا الحد، وقد يوفقك الله للارتباط بها فتستكملان مسيرةَ الاستقامة على الخير، بحبٍّ جمعكما وألَّف بينكما، فكان من الله فضلاً ونعمةً، فدع الأمور تسير بقدرها، ولا تتعجل، وفقك الله لما يحب ويرضى.