تحوَّل موضوع المياه إلى قضية ساخنة في وسائل الإعلام المختلفة؛ بعد توقيع دول منابع النيل على اتفاقية يتم الإعداد لها من قِبل دول حوض نهر النيل العشر من وقت بعيد، مع عدم توقيع دول المصب مصر والسودان.

 

وهو ابتداءً موضع اهتمام عالمي ونقاش جماهيري واسع، وهناك من يُهوِّن الأمر والعكس، ولكن هذا المقال قراءة واقعية، واستشراف المستقبل المائي لمصر من خلال صياغة مجموعة من التنبؤات المشروطة، والتي تشمل المعالم الرئيسية للمستقبل المائي في مصر لعام 2025م، والتي تنطلق من بعض الافتراضات الخاصة حول الماضي والحاضر؛ لاستكشاف أثر دخول عناصر مستقبلية.

 

وترجع الدراسة هذه الأزمة المائية إلى أربعة أسباب رئيسية:

1- استهلاك المياه يزداد طرديًّا مع الزيادة السكانية وارتفاع مستوى المعيشة والتوسع الزراعي والصناعي مع ثبات الموارد المائية.

 

2- استمرار الاعتداء الصهيوني على المياه العربية.

 

3- العلاقات بين الدول التي تشترك في منابع ومصبات نهر النيل.

 

4- غياب الوعي المائي وانخفاض كفاءة استخدام المياه.

 

 الصورة غير متاحة

 د. السيد عبد النور

وعليه فإن من الضروري سرد الأسئلة الآتية والتي تُشكل مع إجاباتها العناصر الأساسية والمداخلات اللازمة لبناء المشهد المائي المقبل وهي:

1- ما التدابير التي اتخدتها مصر لترشيد الاستهلاك المائي ورفع كفاءة الري؟

 

2- ما موقف مصر من اليهود في الفترة المقبلة؟

 

3- ما واقع ومستقبل العلاقات بين مصر والدول التي تشترك في منابع ومصبات الأنهار؟

 

4- ما مصير الخطط والمشروعات المائية في إطار التفاعلات المحلية والدولية؟

 

ولذلك فإن في هذه الأزمة الأخيرة التي وقَّعت فيها دول المنبع دون السودان ومصر على اتفاقية حوض النيل خطوة لا بد أن تلفت مصر إلى عدد من الحقائق التي تولدت وتراكمت عبر السنوات الماضية:

 

• الحقيقة الأولى: الاعتراف بأن الدولة في العقود الثلاثة الأخيرة أسهمت بشكل مباشر في إرضاء اليهود على حساب مصالح الدولة العليا.

 

• الحقيقة الثانية: الطابع السياسي هو الغالب على دوافع دول المنبع في تصرفاتها الحالية، والجميع يدرك أن الماء سلاح أشد فتكًا من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية معًا، وهو أقلها ضجيجًا.

 

• الحقيقة الثالثة: التقصير المصري في حق إفريقيا، وترك المساحات خاليةً للكيان الصهيوني وغيره يتحرك في الجنوب الإستراتيجي المصري ضد مصالحنا.

 

• الحقيقة الرابعة: الدولة في مصر تتعامل مع ملف المياه في النصف قرن السابق بالعلاقات الشخصية على مستوى الأفراد، ولم يرقَ التعامل إلى التاثير في مستوى الدولة.

 

• الحقيقة الخامسة: لم يتم التخطيط للمحافظة على ثبات نصيب الفرد من مياه النيل خلال النصف قرن الماضي، وإذا نظرنا إلى العلاقة بين الموارد المائية وحصة الفرد منها طبقًا لاتفاقية مياه النيل التي وقِّعت بين مصر والسودان عام 1959م؛ فإن كمية مياه النيل المسموح لمصر باستخدامها سنويًّا هى 55.5 مليار م3؛ ففي حين كان نصيب الفرد عام 1959م حوالي 1893 م3 سنويًّا، فإنه أصبح الآن 710 م3؛ أي تحت خط الفقر المائي.

 

ويمكن تقسيم دول منابع النيل وفقًا للمساهمة في المياه المتدفقة إلى النهر:

- المجموعة الأولى: وتضمُّ الكونغو ورواندا وبوروندي، وهي دول وفرة مائية ولا يتعدَّى إسهامها في الإيراد الطبيعي لنهر النيل 1%.

 

- والمجموعة الثانية: تضم أوغندا التي تتمتع بوفرة مائية نسبية، وكينيا وتنزانيا، اللتين تعانيان من نقص متزايد في مواردهما المائية، وتصل إسهامات الدول الثلاث في الإيراد الطبيعي لنهر النيل عند أسوان إلى 11%.

 

- أما المجموعة الثالثة: فالهضبة الإثيوبية؛ التي يطلق عليها نافورة المياه لتعدُّد أحواض الأنهار بها، والتي تصل في مجموعها إلى 13 حوضًا؛ أهمها حوض النيل، وتصل إسهاماتها في مياه النيل التي تصل مصر إلى 86%.

 

ينفرد السودان بوضع خاص؛ إذ يعتبر نفسه دولة مصبٍّ في مواجهة دول أعالي النيل، وفي نفس الوقت دولة منبع بالنسبة لمصر، من خلال الأمطار التي تسقط على غرب وجنوب السودان، فضلاً عن كونه دولة ممرٍّ لمياه هضبة البحيرات الاستوائية والهضبة الإثيوبية التي تصل إلى مصر.

 

• دراسة الواقع المائي والظروف الاقتصادية والإجتماعية والسياسية والأمنية لدول حوض النيل:

يوضح (جدول1) الواقع المائي لكل دولة من دول حوض النيل ومدى اعتمادها على مياه النهر والتعداد السكاني، ونسبة استخدام المياه، ويتضح أن دول المنبع الثماني لا يتعدَّى أعلى استخدام للمتاح من الموارد المائية لها 6%.

 

إن للعملة وجهين؛ فإذا كان هناك صراع على الموارد المائية فهناك سبيل للحديث عن تعاون مشترك، والرجوع مع دول الحوض إلى الإتفاقيات السابقة وتفعيلها.

 

من مجمل الحقائق السابقة يمكن أن نبني رؤيةً مصريةً شاملةً لتأمين وزيادة حصة مصر في نهر النيل من عدة نقاط:

 

-  إعادة النظر في الدبلوماسية المصرية في إفريقيا.

 

- التواصل مع الدول والمؤسسات الدولية المانحة؛ حتى لا تتمَّ إنشاءاتٌ تؤثر في دول المنبع.

 

- النظر إلى حوض النيل كوحدة اقتصادية متكاملة ومتماسكة.

 

- تقديم الخبرة المصرية في كافة المجالات وعلى كافة المستويات لدول الحوض للنهوض بها.

 

- التعامل مع قضية المياه، من خلال كافة المؤسسات وإدراك أن المؤسسات البحثية لها دورٌ فعليٌّ.

جدول 1: التعداد السكاني والواقع المائي ونسبة استخدام المياه حوض النيل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

توجد مشروعات مهمة على حوض النهر لزيادة الاستفادة من المياه، وأهم هذه المشروعات:

- زيادة التخزين في بحيرة فيكتوريا برفع المنسوب مترًا واحدًا، معناه تخزين 26 مليار متر مكعب.

 

- بحيرة تانا.. تطوير كفاءة التخزين بها يؤدي إلى تخزين 8 مليارات م3.

 

 - زيادة كمية المياه المخزنة في قناة جونجلي 5 مليارات متر مكعب من المياه, مع فائدة أخرى مهامة من أثر قناة جونجلي، وهو جفاف أراضي المستنقعات، ومن ثم إمكان زراعتها على الأمطار التي تسقط طوال العام، ومع زيادة قطاع قناة جونجلي عمقًا وعرضًا تزداد كميات المياه، فقناة جونجلي حساب تصرفها السنوي محسوبٌ في فترة لم يكن فيها الطلب متزايدًا على المياه من مصر أو السودان.

 

- الاستفادة من كمية مياه الامطار الهاطلة علي دول حوض نهر النيل عن طريق حصاد الأمطار.

 

- استغلال المياه في توليد الطاقة الكهرومائية لدول الحوض التي تعاني من نقص شديد في الطاقة بالاستفادة من الخبرة المصرية.

 

- تقديم الخبرة المصرية في الاستفادة والاستغلال الأمثل للمياه المتاحة في حوض نهر النيل.

 

- الاستفادة من دول الحوض في فتح مجالات عمل للشباب والمستثمرين.

---------

* أستاذ الأراضي والمياه.. مقيم في تنزانيا.